في كل مرة يخرج بها الملك بورقة من أوراقه التي يتناول بها ديموقراطية الاصلاح في البلد ينطلق مباشرة عدد كبير من المتفلسفين والمتحاورين أو ما يمكن أن يطلق عليهم " ماسحي الخوج " ليعلقوا على ما جاء في هذه الورقة أو تلك ، والحكاية بسيطة جدا ولاتتعدى أن الملك ومن خلال منصبه " كملك " للبلاد أُعطي فرصة كبيرة ومميزة بأن ينشر ما يدور بذهنة للشعب عبر هذه الأوراق ، وهي حالة تتساوى مع ما يقوله جارنا ابو العبد الدكنجي كل مساء عندما يجتمع حوله رجال الحارة بعد صلاة المغرب وهم ينتظرون موعد صلاة العشاء .
ويكمن الاختلاف ما بين كلام " الملك " وكلام " أبو العبد " أن كلام أبو العبد يضيع بين دخان سيجار الهيشة وفناجين الشاي البلدي " أبو الميرميه " ورفض بقية الحضور من المشاركين بالجلسة أن يصدقوا " أبو العبد " وهو يتحدث في السياسة ، وتنتهي جلستهم وبقايا ما ذكره "أبو العبد " من حلول سحرية لأوضاع البلد كاملة عند سماعهم لأذان العشاء ويبدأون في تهيئة أنفسهم للمشي " كزدره " للمسجد كي يكسبوا آجر المشي على الأقدام .
ولكن خطاب الملك يصبح له صدى كبير جدا لأن وسائل الاعلام الشبه رسمية والخاصة قامت بنشره كاملا وعلى صفحاتها الداخلية مع عنوان على الصفحة الأولى يختتم بجملة " يتبع في الداخل .." ، ويتم إما تمزيق الصحفة التي بها المقال " الملكي " أو طباعته من قبل المهتمين " المتفلسفين " كي يتمكنوا من سبر غور ما بين السطور في كلام " الملك " والخروج منه بنتائج خاصة ومن خلال رؤيتهم هم كي يصبحوا في صفوف المحللين السياسين والقارئين جيدا لخطابات الملك ، ويجلسوا على مقاعدهم في إنتظار تلك اللحظة الربانية التي يرن بها هاتفهم من جهة ما تطلبهم كي يقدموا محاضرة بما ورد في خطاب الملك .
وهذه الحالة من " التفلسف " لدى فئة معينة من الشعب تمت ممارستها لأكثر من مرة ومن باب أن ربما الثالثة نابته أو الرابعة أو حتى الخامسة ، لأنهم يؤمنون كذلك بوجود حالة ذهنية لديهم تؤكد لهم أن هناك من يقوم بقراءة ما كتبوا عن الخطاب " الملكي " من قبل جهات ذات صفة سلطوية عالية وصاحبة قرار بقربها من صاحب الخطاب ، والقصة أبسط من ذلك بكثير وهي تستند إلى التالي " ملك " فكر كأي إنسان وقام بإخراج ما يفكر به على الورق وهو في النهاية " ملك " وليس أبو الدكنجي ؟ .