أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
وزير الخارجية السعودي يحذر من “أمر سخيف”: الوضع صعب للغاية وعواقب وخيمة قادمة المشاقبة : التجربة الحزبية في المجلس القادم قد تكون ضعيفة لغياب الايدولوجية والبرامجية حديقة تشعل شرارة بمراكز القوى والنفوذ في الأردن الشرطة الأمريكية تعتقل تمثال الحرية لتضامنه مع غزة بلينكن يزور الأردن في إطار جولة شرق أوسطية جديدة وزيرة فلسطينية تشيد بالعلاقات التاريخية بين الأردن وفلسطين تحذير من العروض الوهمية على المواد الغذائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي الضريبة: لا غرامات على الملزمين بالفوترة حال الانضمام للنظام قبل نهاية ايار لواء اسرائيلي : دخول رفح حماقة إستراتيجية المطبخ العالمي يستأنف عملياته في قطاع غزة المستقلة للانتخاب تُقر الجدول الزمني للانتخابات النيابية محمود عباس يتخوّف من ترحيل فلسطينيي الضفة الى الاردن .. والخصاونة: نرفض اي محاولة للتهجير كتائب القسام: نصبنا كمين لقوات الاحتلال في المغراقة لأول مرة منذ 2011 .. وزير الخارجية البحريني يزور دمشق الأميرة منى تشارك بفعاليات مؤتمر الزهايمر العالمي في بولندا قوات الاحتلال تقتحم بلدة في جنين مقتل 3 جنود وإصابة 11 آخرين بانفجار عبوة ناسفة في غزة شهيد بقصف للاحتلال شمال النصيرات وانتشال جثامين 13 شهيدا في خان يونس الاحتلال يعتقل 15 مواطنا بينهم فتاة وطفلان من الضفة سامي أبو زهري: لن نقبل أي اتفاق لا يتضمن وقف العدوان على غزة
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام رجل دفع ثمن كلمته

رجل دفع ثمن كلمته

13-05-2013 12:06 AM

في مثل هذا اليوم قبل واحد وثلاثين عاما غادر الدنيا عبد الفتاح مفضي الفلاح الخريسات عن عمر لم يناهز تسعة وأربعين عاما، غادرها وهو يقول: إن مت ولم أكمل تعليمي الجامعي فسأموت وفي قلبي حسرة، والحسرة الحقيقية هي في قلوبنا نحن إلى اليوم، لأننا فقدنا رجلا شهد له كل من عرفه بأنه رجل دفع ثمن كلمته ومبادئه.


عندما أراد عبد الفتاح أن يقدم امتحان المترك في أوائل الخمسينات استثنى بعض المواد لعدم قدرته على دفع رسومها، وباعت 'حمدة' والدته (لجن) الغسيل كي تكمل له رسوم باقي المواد ولكن ثمنه لم يكف، فتبرع جاره الشهم الكريم من 'آل قموه' بما تبقى من ثمن الرسوم.


وعلى الرغم من ظروفه القاسية تمكن عبد الفتاح من تحقيق مركز متقدم في ترتيب الأوائل على محافظة البلقاء والأردن كله، وسلبت منه البعثة الأولى لأبناء الذوات الأقل منه معدلا والذين كانوا يتلقون منه دروسا خصوصية لشدة ذكائه، وكذلك البعثة الثانية على نفس المنوال، وذهب المرضعات بأبناء الأغنياء ولم يبق للفقراء سوى الفتات.


ولم ييأس عبد الفتاح رغم ظلم ذوي القربى الأشد مضاضة، ورغم الظلم الطبقي والفساد الحكومي في توزيع البعثات، واغتنم فرصة سانحة للدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث التقى هناك بطارق حنا عزيز – رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي الأسبق المحكوم حاليا بالإعدام- واستطاع عبد الفتاح التأثير عليه وتنظيمه في حزب البعث، حيث كان عبد الفتاح من أبرز البعثيين وأذكاهم وأقواهم شخصية وتأثيرا.


ولم يطل المقام بعبد الفتاح كثيرا في بيروت، فقد لعبت السياسة في سوريا وتقلباتها وانقلاباتها دورا في حرمانه من إكمال دراسته الجامعية، وعاد إلى مدرسة السلط الثانوية مدرسا للرياضيات لصفوف التوجيهي وهو أقل منهم درجة دراسية (المترك)، ولكنه لشدة ذكائه كان يفوق أقرانه وأساتذته ومن هم أعلى منه درجة علمية أو درجات.


وهنا حدث تحول عميق في فكر عبد الفتاح خريسات، حيث اقتنع بالفكرة الإسلامية والتزم بحزب التحرير الإسلامي وتدرج إلى أن بات من قياداته الفكرية المخلصة والمتفانية، وشهد له السيد عدنان أبو عودة في حديث له قبل عام في صحيفة الرأي أنه كان مسؤولا حزبيا عنه في السلط، قبل أن يتحول الأخير إلى الشيوعية ثم إلى جهاز المخابرات ثم ليغدو رئيسا للديوان الملكي ووزيرا للإعلام، كما وصحب في تلك الفترة السيد مروان القاسم الذي أصبح فيما بعد أيضا رئيسا للديوان الملكي ووزيرا للخارجية.


وحدثني المهندس عبد الله حداد أنه قدم مع أصدقائه قي حافلة من حوارة في إربد إلى السلط في تلك الفترة من أواسط الخمسينات ليشاهدوا ذلك الشاب الأعجوبة الذي تحول من البعثية إلى التحريرية، الأمر الذي كان يعد حينها من المستحيلات في زمن المد القومي والناصري.


ولم تنته محاولات عبد الفتاح لإكمال دراسته الجامعية، فخرج يوما إلى يوغوسلافيا تاركا زوجته وابنه الرضيع البكر دون علمهما ولا علم أحد، ولم تمكنه ظروفه المادية من استئناف حلمه العلمي هناك فعاد مجبرا.



وانتقل عبد الفتاح إلى عمّان ليدرس في الكلية العلمية الإسلامية، ولم يحتمل يوما 'دلع' أحد الطلاب من أبناء الذوات والمناصب العليا، فوبخه قائلا: اذهب و'تدلع' عند أبيك هناك! لتكون هذه الكلمة سببا في هجرته بدينه ومبادئه وكرامته وشموخه إلى بلاد الاغتراب.


حتى في بلاد الاغتراب لم ينس حلمه وهدفه، فتقدم لامتحان الثانوية العامة ليكون بالطبع من الأوائل، وحاول الدراسة بالانتساب إلى جامعة بيروت العربية في الإسكندرية، وقطع أشواطا قطعها بعد ذلك استغراقه في العمل بوظيفتين حتى ساعة متأخرة من الليل، ليطعم أفواها ويعيل عيالا ويقيت أسرة.


وهناك ظل عبد الفتاح قابضا على الجمر، يحن إلى يوم تشرق فيه شمس الخلافة الإسلامية على العالم، فيتمكن من العودة إلى الأردن التي أحبها حد الموت، وإلى السلط التي عشقها حد الجنون، كان يحب السلط وذكرياتها وأهلها وترابها وماءها وكرومها وتينها، كان وفيا لها بشكل لم أعهده في إنسان قط، حتى إنه كان يشتم رائحة أي أردني أو سلطي يسمع عنه ولو على بعد مئات الكيلومترات، فيسافر إليه ويصله ويدعوه ويولم له ويزوره ويداوم على زيارته، واستمر غيابه عن السلط والأردن في إحدى الفترات السياسية القاسية ما يزيد عن عشر سنوات متتاليات، ولا تسل عن يوم اللقاء بعدها!


في زيارته تلك، صلى الجمعة في مسجد السلط الكبير، وعاد إلى بيت أهله في واد الأكراد، ونظر في وجوه العشرات من الناس، يقول لي: عرفتهم جميعا، ولكن لم يعرفني منهم أحد، ولم يقل لي أحد كلمة: مرحبا!


بعد وفاته بسنوات، أفشى لي السر أحد أقرب الناس إليه، أنه كان حولهم في بلاد الغربة مئات الشباب، وكلفوا ذات يوم بمهمة خطيرة نتيجتها إن فشلت الإعدام لا غير، وقد أخبروا جميعا بالأمر وخيّروا، يقول: فانصرف المئات عنا جميعا، ولم يبق سواي وسوى عبد الفتاح.


رغم أن الكثير من أصحاب عبد الفتاح في الأردن والعراق تنسموا أرفع المناصب والدرجات ونالوا أعلى الشهادات وعاشوا في ظلال القصور، إلا أن عبد الفتاح عاش غريبا، ومات غريبا، عاش فقيرا، ومات فقيرا، مات وفي قلبه حسرة، لكنه (رجل دفع ثمن كلمته).



المهندس هشام عبد الفتاح خريسات

hishamkhraisat@gmail.com





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع