زاد الاردن الاخباري -
في السياسة، لا أحد يقول لك ما يجري حقاً، وكل ما تراه بعينك، يكون بلا شك منطلقا من دوافع وأسباب، لا يُمكنك أن تراها !
قراءة المشهد السياسي الأردني تقول أن الإخوان المسلمين لم يستيقظوا من غفوتهم "فجأة" بسبب إنتهاء أزمة إنقساماتهم الداخلية، لأنها لم تنته فعلا، وليس بسبب تعهدهم السابق البقاء في الشارع، فهم لا يمتلكون خطة ومخطط زمني خاص بذلك، ولا بسبب مطالبهم الإستراتيجية في بعض التعديلات الدستورية، بل كان وراء استيقاظهم، أسباب أخرى، أخذت درجة خاصة من "السرية" ووضعت على سلم الأولويات لديهم ومنها:
السبب الأول هو الإنعطاف الحاد والتغيير الملحوظ في موقف الأردن من النظام السوري، والسير في منهج الحل السلمي، والتراجع عن التلميحات وبعض التصريحات التي كانت تشي بأن الأردن سيكون محطة إسقاط النظام السوري الرئيسة، فانهار الحلم الأول لدى الإخوان، الذي أسرّ به أحد قياداتهم قبل عدة شهور، وقال: "لو أن الأردن يعاهدنا على إسقاط النظام السوري وإعلان الحرب عليه ودعم وصول الإخوان إلى سوريا فسنتنازل عن الإنتخابات وعن التعديلات الدستورية وعن السلطة في الأردن!".
السبب الثاني توقيع معاهدة الوصاية على القدس، تلك التي أشعلت قلوب الإخوان وكانت بمثابة خنجر في ظهورهم، فسرقت منهم -في ليلة ما فيها ضو قمر- أقوى أسلحتهم في الشارع من ناحية، وهو المناداة بتحرير فلسطين وحماية القدس، والوقوف بموقف الحرج امام حماس وقطر من ناحية أخرى، كذلك فقدان بوصلة استخدام "شعار فلسطين"، فهم يتذرعون- كلما دقّ الكوز في الجرة- بأن القضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل لهم، مع أن أي متابع، ومنذ أوسلو ولغاية الآن، لو بحث جيدا، فلن يجد فيما يهتفون به حول "فلسطين" سوى الشعارات الكذابة، وسيجد أن تلك الشعارات مجرد "درجة" يصعد بها الإخوان، نحو السلطة، وهم في حقيقة الأمر، أبعد ما يكون عن فلسطين والقدس، وأكبر دليل ما يفعله الرئيس الإخواني "محمد مرسي" الآن، حيث كانت أول تصريحاته، عندما تولى السلطة، أنه سيحافظ على إتفاقياته مع اسرائيل!!
السبب الثالث لتحرك الإخوان السريع والمباغت هو الرد على الهجوم شبه الرسمي والشعبي على قطر، وأمير قطر، سواء من النواب أو من رجال في السلطة أو الكتاب والصحفيين وبعض الشخصيات الوسطية واليسارية، فسارع الإخوان المسلمون إلى التصعيد في الشارع للضغط على النظام، وتحركت الجزيرة بسرعة فائقة لتحمي لهم ظهورهم، ولا يحتاج الأمر إلى محلل سياسي ليعرف أن السبب الثالث، هو الأساس، لأن وراء الأكمة ما ورائها (!) وحين بدأ التصعيد ضد قطر، عادت فورا تصريحات الأخوان بالتصاعد والغليان وكان منها ما حدث في إربد الأسبوع الماضي عندما التقت الحركة مع اهالي حوارة وقدمت تصريحات عجيبة مثل " لم تكن الحركة في يوم حليفة للنظام ولن تكون" ومثل " آن الاوان لتغيير بنية النظام السياسي"، وهذه في الحقيقة (لعبة) يُراد منها خداع الشارع فقط وكسب تعاطفه، للضغط على النظام، ليتراجع عن خصومته لقطر، أو لإذلاله بشكل أو بآخر، خاصة لمن يعرفون الإخوان جيدا، أو من يتابعون تحركاتهم وخطواتهم وتصريحاتهم.
الأسباب الثلاثة كلها مرتبطة ببعضها البعض، وكلها مرتبطة بقطر، فهي تريد إسقاط النظام السوري من خلال جيش وأرض الأردن، ولا تريد وصاية الأردن على القدس، بل إنشاء صندوق لها، سيذهب في الأغلب للمزيد من تهويد المدينة، وتريد من الأردن أن تخضع لجميع مطالبها السياسية وأحلامها لتقزيم دور الأردن الإقليمي بأي شكل، والمؤسف جدا، أن قواعد الإخوان الشعبية، والمتعاطفين معهم لا ينالهم "أي شيء" من الحُب القطري "الكبير".
بالمناسبة، وبكل وضوح وصراحة، موقفي بالنسبة لحكومة النسور، التي تتقدم ببيان الثقة اليوم الأحد، ولخطوات الإصلاح الضعيفة الإرتجالية، لم يتغير قيد أنملة، وأضع على هذه الحكومة، الكثير من اللوم، بسبب غياب منهجية إدارة الأزمات المؤهلة، وبسبب السماح بمهاجمة المسيرات، بصورة مفزعة، كما حدث في اربد أول أمس، ولكن ذلك لن يجعلني (أبداً) أتغاضى عن (متاجرة) الإخوان بـ (الأردن الحبيب)، مرة لحساب حماس ومرة لحساب مرسي ومرة لحساب قطر، والمجموع، لكل تلك الحسابات وغيرها ، يصبّ في مصلحتهم العليا التي تختلف جذريا عن مصلحة الشعب الأردني.
إذا حدث للأردن أي مكروه، لا قدّر الله، فإن كل من يتسبب في ذلك، من وجهة نظري، سيوضع في قفص الإتهام، من أي طرف كان، ولن أسامح أحدا منهم ما حييت، اللهمّ فاشهد.