زاد الاردن الاخباري -
النسور، هو الأسطورة التي لم يُخلق مثلها في البلاد، فهو الوحيد الذي قال أنه "أقوى من المخابرات العامة"، وهو أبرز المعارضين أثناء كان نائبا وأبرز الموالين حين بلغ كرسي رئيس الوزراء وتمكّن منه !
نعم، إنه رجل المهمات المستحيلة، فهو الذي رفع أسعار كل شيء، غير آبه بأي ردة فعل ! فرفع أسعار المشتقات النفطية ورفع معها ضغط السكان، فثارت ضده البلاد، لكنه ألقى عليهم بعض تعاويذه في وسائل الإعلام ولا يعرف أحد كيف هدأت هبة تشرين وتفرق جمع الحراك وتأزمت المعارضة وانقسم الإخوان، فوالله لو أنها تعويذة حقا، لما حدث كل ما حدث، ولا في الأحلام.
النسور بحث عن كل القرارات التي لم يتخذها رئيس وزراء أردني من قبل، وراح يتخذها الواحدة تلو الأخرى، فهو أسطورة في إتخاذ القرارات، وأسطورة في التصريحات، ويؤمن أن أقصر طريق لحل مشاكل الأردن مع صندوق النقد الدولي وغيره، تكمن فقط في اتخاذ قرار فوري ولو على حساب المواطن الفقير المغلوب على أمره، ودون البحث عن أي حل آخر سواه، فالوقت المتاح لديه ولدى مستشاريه لا يستوعب التفكير والتدبر والتأمل ووضع الخطط، فيسأل مثلا: ما المشكلة في هذا الموضوع، فيقولون كذا ، فيقول: وما الحل؟ فيقولون رفع الأسعار، فيجيب على الفور: ارفعوا الأسعار، وأنا سأتصدى وأتحمل المسؤولية! كفو.. والله يا عمي كفو!
المهم، اعتبارا من اليوم الأحد، العاشر من آذار 2013، سيدخل الشعب الأردني كله، طلابا مستجدين في جامعة النسور، والتي أعلن عن إطلاقها للتو، فهي جامعة سندرس فيها أربع سنوات إلزامية، ولكن للعلم لن تحسب لنا المواد الأولية التي درسناها خلال حكومته الأولى: رفع الإسعار، إمتصاص غضب الشارع بالإنتخابات، تقسيم الإخوان، شرذمة الحراك، تسطيح المعارضة، التلاعب بالتوقيت الصيفي والشتوي، ووقف التعيينات، وكذلك مادة (إفلاس الدولة وانهيار الدينار إذا لم يُتخذ القرار) والتي هي جزء من التخصص، ولكنها لن تحسب لنا، وقد نضطر لإعادتها عدة مرات خلال الأربع سنوات.
شهادة البكالوريوس التي سيحصل عليها الشعب الأردني، خلال السنوات الأربعة القادمة، ستكون شهادة في ( سرعة اتخاذ القرار بغض النظر عن النتائج والآثار) وسنتعلم، فوق كل العلم الذي لدينا، كيفية اتخاذ قرارات تبدو في ظاهرها أنها ستحل مشكلة الديون (مثلا) ولكن في نهاية المطاف ستتضاعف الديون، فهذه تحتاج إلى فن وخبرة ودراسة وشهادة جامعية، وكيف يمكننا اتخاذ قرارات تبدو في شكلها إمتصاص لمجموعة أزمات ولكن في الحقيقة نكون قد تعلمنا كيف نحشر الأزمات ظاهريا لتتفاعل ثم تعود تنفجر، وكذلك بالنسبة لموضوع الأسعار، ففي تلك الجامعة سنتعلم كيفية رفع أسعار كل شي ( الماء والكهرباء والمشتقات النفطية والمواد الأساسية والثانوية والتعليم والصحة..الخ ) إلى مدى لا يمكن رفعها بعد ذلك ونتعلم كيف يمكن رفعها بعد ذلك، أليست هذه أفضل شهادة بكالورويس يمكن أن يحصل عليها شعب مقهور؟!؟.
إذا استمر عبدالله النسور - بعد إنتهاء تشكيل الحكومة وإنتهاء مسرحية ثقة مجلس النواب- أربع سنوات حقا، فليس لديّ أدنى شك أن الديون والأسعار وعجز الميزانية والبطالة ستتضاعف، ومن لا يوافق على هذه النظرية عليه أن يعلن ذلك ويكتبه ويُشهد عليه الناس، لأن عليه وقتها أن يتحمل المسؤولية مع النسور، طبعا نحن نعرف أنه لا أحد يتحمل المسؤولية في بلدنا، فلا تقلقوا من هذا الشرط الشكلي !
أقول هذا مع إحترامي الشخصي لدولة الدكتور عبدالله النسور، لكن المسألة ليست شخصية، المسألة مسؤولية وطن، لم يجد من يتحمل مسؤوليته !