زاد الاردن الاخباري -
كما تستطيع أن تنسج ألف "حكاية" عن سفينة تراها مهجورة وسط الصحراء، لكنك لن تنكر "حقيقة" أن مكانها الطبيعي هو البحر، كذلك فلن ننكر أن النتيجة النهائية المحققة، لما يزيد عن 24 شهرا من الحوار والإعتصامات والمسيرات ومحاولات الشد والجذب والإختلاف والصراع، قد انتهت كلها إلى أن الإنتخابات البرلمانية ستجرى في موعدها بمن حضر !!
وبما أن الإنتخابات قد أصبحت "حقيقة" واقعة، وتجاهلها ليس ممكنا، لذلك فعلى الذين يؤمنون إيمانا كليا، والكاتب منهم، أن المجلس القادم، بهذا القانون وهذه المواصفات، لن يختلف كثيرا عن المجلس السابق، ويؤمنون أنه لن يحدث أي تغيير على المستوى السياسي والإقتصادي والإجتماعي، أن يتأملوا اللحظات الأخيرة، ويستبصروا المستقبل، وعليهم أن يتعاملوا مع تلك "الحقيقة" بتعقل ونضوج ووعي، وأن يتوقفوا، رحمة بالناس، عن توجيه رسائل ودعوات مقاطعة الإنتخابات.
الحقيقة التي يجب أن نتأملها بتروي، أنه بعد يومين، سيتوجه عدد كبير من المواطنين للإقتراع، وخلال أيام فقط ستعلن نتائج الإنتخابات، وكما نعلم فإن دعوة المقاطعة لا تعمل (أبدا) في منظومة الإنتخاب العشائرية، التي اعتدنا عليها، فمهما بلغت درجة الإقناع، وأسباب المقاطعة، فإنه ليس من السهل أن تختلف الطريقة التي ننتخب فيها الأخ وابن العم والقريب المقرب، وأنه من الصعوبة بمكان، كما يقول تاريخ الإنتخاب لدينا، أن يتحول شخص ما لينتخب مرشحا آخرا لا ينتسب إليه، وبالمقابل، وبما فإن المقاطعين هم أحزاب وشخصيات وحراك يعملون غالبا في مساحة النخب المجتمعية، ويتوجهون إليها، ويوجهون حملات المقاطعة عبر وسائل الإعلام ومنها الإعلام الإجتماعي لفئات نخبوية، لذلك فإن حملة المقاطعة ستمنع فقط (وبالتأكيد) إنتخاب النوعية الجيدة المتوفرة في الأوساط المثقفة، والتي قد يكون لها صوت مختلف، وهذا معناه، (بكل تأكيد) تكريس عودة الوجوه القديمة مع قليل من (المكياج) !
كذلك، ومن وجهة نظري، أرى أنه يحق لي عدم التصويت، ولكنه لا يحق لي أن أحاول منع شخص آخر من التصويت، فأسبابي غير أسبابه، ورؤيتي غير رؤيته، فبينما أرى أن المجلس النيابي كله، لا يقدم ولا يؤخر، وأن الأردن لا يحتاج مجلس نواب، بل مجلس كفاءات متخصص وخبير، يرى الآخرون أن مجلس النواب هو الف باء الديمقراطية، حيث تقوم الأغلبية بالتصويت والإقتراع وترشيح من يمثلهم تحت القبة التشريعية، وأن هؤلاء، ومهما كانت صفاتهم وخبراتهم، فهم يعبرون عن رأي تلك الأغلبية.
لست راضيا عن التعديلات الدستورية، ولذلك فلن أصوّت، ولكن لدي أمل كبير في الحصول على المزيد منها لاحقا، ولذلك لا أدعو (أبدا) للمقاطعة.
الصيغة النهائية لقانون الإنتخاب لم تصل إلى الدرجة المقنعة العادلة بالنسبة لي، في الحصول على تمثيل نسبي ومقاعد للقوائم الإنتخابية بحصة 50% على الأقل، لتشكيل قوائم وتحالفات وكتل برامجية قوية منافسة، ولكني لن أروّج لمقاطعة الإنتخابات فقد يأتي من يحقق قانونا متماسكا مرضيا للجميع.
الحقيقة أنه لو سألني أحدهم هل أنت مقاطع، سأقول لا، ولو سألني هل أنت مشارك سأقول لا، ثم سألني هل تروج للمقاطعة سأقول لا، ولو سألني في النهاية هل تدعو للمشاركة سأقول نعم.
نعم، هذه نصيحة اللحظات الأخيرة، بأمانة وموضوعية، شاركوا في الإنتخابات، ولا تنتظروا رأييّ ورأي المقاطعين، ولا تستمعوا لحملات المقاطعة، واختاروا أفضل الأفضل، صاحب التاريخ النظيف، والفكر المتقد، والشخصية المتزنة العاقلة الجريئة، فما يدريكم لعله يخرج من هذه الأمة من يقوّم إعوجاجها، ويُصلح حالها !