الجنوب والشمال والوسط وكل الوطن أيها الحاذق المُجيد المُحترف لفنون العلاقات العامة وصُنْع الأصنام والهالات المقدسة حولها, مظللا وحارفا عن الحقائق الى أنصافها.
كلمة حق قلتها يا ماهر في مقالتك "خيمة في الجنوب" أردت بها باطلا, وهذا هو الباطل بعينه والتطبيل والتسحيج ومسح الجوخ ذاته, فهلا قنّنت ورشَّدت أخيرا هذا الاستهلاك المفرط باللغة من أجل أشخاص على حساب الوطن والشعب؟
الجوع والفقر والحرمان والمعاناة وسوء الحال والعيش خارج إطار الزمن والحُقب, لا يحتاج الى خيمات في أي بقعة من بقاع الوطن, ولا يحتمل جولات لأميرة أو زوجة ملك أو حتى ملك لملامسة المعاناة والوقوف على التعاسة والجدب المفرط في ثنايا الوطن وفي نفوس المحرومين وأمعائهم, ولا يحتاج لفريق إعلامي ليس "بحجم بعض الورد" بل أكبر كثيرا يقوده "الكبير" ماهر أبو طير, ولا بحاجة لمقالات عصماء تتحدث عن انسانية الأميرة بسمة وكأنها بصدد الترشح للإنتخابات, تنشرها كبريات صحف الاعلام الرسمي وغيرها, ولا بحاجة أبدا لبعض المكرمات على شكل كرتونات وأكياس إغاثة لا تسمن ولا تغن من جوع ولا تحل مشاكل الفقر والبطالة والعوز والشباب المقهور في جهات الوطن كافة,
ولكنها تحتاج وبكل بساطة وصمت, أن يعود الحق لأصحابه, وأن يستعيد الشعب والوطن منهوباته, وأن يُحاسبَ كل فاسد وظالم ومفتر ومقترف للكبائر بحق الوطن وأهله وضعافه على ما اقترفت يداه وملأ حساباته, وأن يتوقف النهب وتنتهي الحرمنة بكل أشكالها وصورها, وأن تعطي الدولة والحكومات لأهم أركان الدولة والحكم سنارة يصطاد بها السمك بدل أن يتمنّن عليه أحد بسمكة أو بعض سمكة أمام أعين الكاميرات وأقلام الإعلام المقبوض الثمن.
الأردن لم يتعرض لحرب طاحنة يا ماهر, ولم تصبه مصائب مدينة"مسينا" الايطالية التي قال بها الشاعر: ما لمسينا عُوجلت في صباها ودعاها من الردى داعيان
بغت الأرض والجبال عليهـــا وطغى البحر أيما طغيـــان
ولا عاث بها إعصار "ساندي ولا كاترين ولا غيرهما, ولا هجّر ناسه عدو محتل غاشم, بل إن الوطن قد تعرض ويتعرض لما قد يفقر الكون كله من طغيان لعصابات الفساد والنهب الممنهج المحسوب والمدروس والمخطط من أجل أن يصل أهله الى ضرروة الوقوف في طوابير خيمة في الجنوب وأخرى في الشمال وثالثة ورابعة وخامسة في جهته الخامسة او السادسة او العاشرة عشر, تُمتهن فيها كراماتهم وتُستباح عزة نفوسهم بتوثيق مباشر ومصور للعالم, وهم يبتسمون من خلال الموت البطئ, ويفرحون بلقمة الزقوم على أنقاض الكينونة الانسانية, لا بل ويهللون ويطبلون للجلاد وحامل السكين.
وإن ما يحتاجه الأردنيون يا "شاعر البلاط" وكاتب السلطان, هو توجها حقيقيا وموضوعيا وسريعا لوضع الأمور في نصابها وترك بعض الوطن لأهله ولمن دافع عنه ودفع الدم والعرق من أجله.
نعم, لا خِيَمَ ولا مراكز ولا جمعيات ولا مبادرات ولا مكرمات, هو ما يحتاجه الأردنيون, ولا صاحب جلالة او سمو او دولة او معالي يزورهم أمام الإعلام, بل إن الشعب يريد:
أولا, نظام مؤسسات يوقف النزف والهدر والسرقة للأموال العامة.
ثانيا, نظام قضاء مستقل يحاسب من سرق ونهب وجَوَّع وأوصل البلاد والعباد الى الكارثة.
ثالثا, آلية محكمة لا تخشى بالحق لومة لائم, تعيد للشعب حقوقه وما أخذ منه بالباطل و "السلبطة" .
رابعا, وقف العمل الدؤوب والمتسارع لتنفيذ مؤامرة بيع الوطن وتبديله, التي جُوِّع الشعب من أجلها وللبصم عليها.
خامسا, إعلاما يتق الله ويراعي مصلحة البلاد والعباد وليس أقلاما تدس السم بالدسم ومرآة تقلب الحقائق وتزيف الواقع, وتسبح بحمد من لو تنازلوا عن بعض المزارع والقصور والمشاريع التجارية وما تراكم في البنوك ودوائر الأراضي في المملكة وخارجها, لما أحتاج الأردني أن يكون لاجئا في وطنه ليحتاج لطرود الخير والإغاثة, ولأن يكون مادة فيلمية إعلامية تذكرنا بمخيمات اللجوء من الحروب وحواف الكوارث الطبيعية القاصمة التي لم نتعرض لها.
ولو أن "وليدا" لم يتصرف بالفوسفات الأردنية مثل تصرفي بمحماس ومهباش أبي التي أورثني اياها شرعا وقانونا, ولو أن آخر لم يبع الميناء الأردني الوحيد بخسارة, وغيرهم لم يفلسوا الوطن لحسابهم, لما احتاجت الأميرة ولا غيرها أن يتجشؤون عناء السفر الى خيمات الوطن كلها لمشاركة البائسين بؤسهم والمسح على أوجاع الجياع والمظاليم.
وهل حضور الإعلام لهذه الاحتفالات "المهيبة" وثورة لواعج الكاميرات وحجز مساحات الصحف ووسائل الإعلام الأخرى لتوثيق كل هذا, هو لأسباب موضوعية خالصة, والحق سبحانه يأمر أن لا ترى شمالنا ما تمنح يميننا,
أم أننا نريد مزيدا من الشحاتة الدولية والابتزاز العالمي ونحن ننام على ثروات قد تمنع ثورات؟