زاد الاردن الاخباري -
سأكون متفائلا، وسأفترض أن النية تتجه فعلا نحو إنتخابات نزيهة، كما قال الملك وأكد ووعد، وكما يظهر في الإجراءات والتصريحات التي تعلنها الهيئة المستقلة المشرفة على الإنتخابات، وأن الدولة لن تتدخل وستقف على الحياد، كما قال لي مسؤول كبير أمس، وأقسم، أن التعليمات تقضي بأن تكون أجهزة الدولة على مسافة واحدة من جميع المرشحين، وأنه لن يتم التدخل لمصلحة أحد على حساب أحد أبدا.
حسنا، لو إفترضنا ذلك وسلمنا أن الحكومة وأجهزة الدولة المختلفة لن تسمح بالتدخل المباشر في الإنتخابات، ولن تسكت على أي من وسائل تزوير الإنتخابات المعروفة لدى الناس، والتي سبق الإعتراف بها في إنتخابات سابقة، وأنها ستراقب المال السياسي وشراء الأصوات وستضرب بيد من حديد على كل من يحاول المساس بنزاهة الإنتخابات النيابية في هذه الإحوال.
مع ذلك لست متفائلا أبدا، بل أعتقد أنني متشائم جدا من التزوير غير المباشر للإنتخابات، وللعلم فقط فمصيبتنا ليست في التزوير المباشر، لأن الإنتخابات يمكن وضع قيود مراقبة وتدقيق شديدة عليها، ولكن "التزويرغير المباشر" هو الداء الذي يصعب استئصاله من عقلياتنا وطريقة تفكيرنا التي نشأت أصلا على الواسطات والمحسوبيات، والتي أهلكت الدولة بكل مؤسساتها وقضت على العدالة بكل اشكالها، وأصبحت البلد لا تسير، خطوة واحدة فقط، بدون التوسط لأي إجراء أو موضوع، مهما بدا بسيطا، وسأحكي لكم مثالا على التزوير غير المباشر لتعرفوا مدى تأثير الواسطات على الإنتخابات النيابية:
في سنوات سابقة، وفي إنتخابات سالفة، طلبت إحدى العشائر من أحد المرشحين، خدمة في مشكلة كبيرة عجزوا عن إيجاد حل لها، وقالوا له أنه في حال وجد الحل فإنهم سيعطونه 53 صوتا كاملة مغلقة في صندوق إنتخابي واحد، فقام المرشح، بالإتصال مع رئيس الوزراء آنذاك، وطلب منه المساعدة في إيجاد حل لتلك المشكلة، وخلال أيام إنتهت المشكلة تماما كأنها لم تكن، وبشهادة الشهود، نزل في صندوق ذلك المرشح 53 صوتا كاملة بضربة واحدة.
ما هي الضمانات التي ستقدمها الدولة للمواطن الأردني، أن لا يتم تقديم أي نوع من الخدمات لأي من المرشحين قبل وأثناء الإنتخابات؟ وما هي القرارات التي ستتخذها الحكومة الأردنية والهيئة المستقلة للإنتخابات تجاه جميع أصحاب القرار لمنعهم تقديم أي شكل من أشكال الخدمات للمرشحين للإنتخابات، وهل نتوقع صدور تعميم، على كافة المستويات، أن أي إبلاغ عن أي خدمة تقدم لأي مرشح خلال تلك الفترة سيواجه عقوبة إدارية شديدة صارمة، حتى لو كان رئيس الوزراء نفسه، وحتى لو كان وزيرا أو مسؤولا كبيرا في الدولة، وفي أي منصب، وأن يُفتح الباب للإبلاغ عن أي تجاوز يمس نزاهة الإنتخابات ويطعن فيها؟
نعم نحتاج إلى ضمانات كافية، ضمانات مقنعة وإجراءات صارمة يعرفها كل الشعب ويطلع عليها كل المرشحين ويفهمها جميع أصحاب القرار والمسؤولية أن هذه الإنتخابات لن تخضع "نهائيا" لأي تزوير سواء أكان مباشرا أم غير مباشر.