أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
ديوان المحاسبة 2024: صرف مفرط لأدوية مخدرة في مستشفى الأمير حمزة إغلاق جزئي للطريق الصحراوي بعد حادث تصادم لمركبتين وإسقاط حمولة بيكربونات الصوديوم القاضي يقدم التهاني للمسيحيين في البطريركية اللاتينية ومطرانية الروم الأرثوذكس والكاثوليك قائد فرقة في جيش بشار .. اغتيال «الطرماح» في لبنان خسائر بالرسوم والضرائب بسبب مستوردات بلا فحوص مخبرية الملك يؤكد دعم الأردن لجهود لبنان في الحفاظ على أمنه واستقراره وسيادته ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 70.942 شهيدا بورصة عمان تغلق تداولاتها على ارتفاع تقرير ديوان المحاسبة 2024: رؤساء أقسام بلا موظفين في دائرة العطاءات الحكومية بالأشغال تقرير ديوان المحاسبة 2024: تأخر نقل ملكية أراضي بصيرا بعد استملاكها للأشغال العامة الاحتلال يعتقل 44 فلسطينيا في الضفة الغربية كاتس: لن ننسحب من غزة والمستوطنات في شمال القطاع باتت قريبة جعفر حسان في وزارة الخارجية! إعلان صادر عن مديرية الخدمات الطبية الملكية تعيين وزير الصناعة والتجارة السابق رئيسا تنفيذيا لمصانع الاسمنت الأردن .. أكثر من 17 ألف مخالفة على مركبات حكومية الأردن .. منح بعشرات الملايين لم تُصرف أو بقيت بنسب سحب متدنية مجلس النواب يحيل تقرير المحاسبة 2024 إلى اللجنة المختصة الأربعاء فصل التيار الكهربائي عن مناطق بالأغوار الشمالية غدا ديوان المحاسبة: تحقيق وفورات مالية بلغت 22.3 مليون دينار
الصفحة الرئيسية فعاليات و احداث العشي يكتب: حين يتحوّل البحث عن شريك حياة إلى...

العشي يكتب: حين يتحوّل البحث عن شريك حياة إلى فخ… من يحمي الناس من وهم “الخطابة الرقمية”؟

العشي يكتب: حين يتحوّل البحث عن شريك حياة إلى فخ… من يحمي الناس من وهم “الخطابة الرقمية”؟

23-12-2025 02:55 PM

زاد الاردن الاخباري -

بقلم الإعلامي الدكتور محمد العشي - لم يعد البحث عن شريك حياة مسألة شخصية بحتة، بل أصبح في زمن المنصات المفتوحة شأنًا عامًا يتقاطع فيه الاجتماعي مع الأخلاقي، والإنساني مع الاقتصادي. فمع توسّع الفضاء الرقمي، تسلّلت إلى المجتمع ممارسات جديدة ارتدت ثوب “المساعدة” وادّعت النوايا الحسنة، بينما كانت في جوهرها أقرب إلى الاستغلال المنظم لحاجة إنسانية حساسة، وهي الحاجة إلى الاستقرار وتكوين الأسرة.

في السنوات الأخيرة، برزت على منصات التواصل ظاهرة من يطلقون على أنفسهم صفة “خطّابات” أو “وسطاء زواج”، دون إطار قانوني أو مرجعية أخلاقية واضحة. ظاهرة لا يمكن اختزالها في حالة أو تجربتين، بل أصبحت حديث المجالس والرسائل الخاصة، وسببًا مباشرًا لخيبات وأضرار نفسية ومالية طالت شبابًا وفتيات دخلوا هذا العالم بنيّة صادقة، وخرجوا منه مثقلين بالشك والخذلان.

المشكلة لا تكمن في فكرة الوساطة الاجتماعية بحد ذاتها، فالمجتمع عرفها تاريخيًا بأشكال مختلفة، وكانت تقوم على المعرفة والسمعة والثقة، وتخضع لمنظومة قيم واضحة. إنما الإشكالية الحقيقية تبدأ عندما تتحول هذه الوساطة إلى نشاط تجاري غير منظم، يُدار عبر حسابات مجهولة، ويُبنى على وعود غير قابلة للتحقق، وتُقدَّم فيه العلاقة الإنسانية وكأنها “خدمة مدفوعة” تُقاس بقيمة التحويل المالي لا بصدق النية.

الأخطر في هذا المشهد أن المال غالبًا ما يُطلب قبل أي خطوة حقيقية، تحت مسميات متعددة، مرة بدعوى “الجدية”، ومرة بحجة “فتح الملف”، ومرة أخرى باعتباره “أجرًا لا يُسترد”. وفي كل مرة، يُطلب من الطرف الباحث عن الزواج أن يعلّق عقله جانبًا ويقدّم ثقته كاملة لشخص لا يعرف عنه سوى صورة واسم مستعار ورسائل منمقة. هنا، لا نتحدث عن سوء تقدير فردي، بل عن خلل ثقافي يستحق التوقف عنده بعمق.
وتزداد الخطورة حين يُستغل الجانب العاطفي والديني في هذا السياق، فتُقدَّم بعض العروض على أنها حلول سريعة، أو “زواج مريح بلا تعقيدات”، أو طريق مختصر لتجاوز متطلبات المجتمع والأسرة. فيتحول الزواج من مشروع حياة إلى صفقة، ومن رابط إنساني إلى معاملة، ومن مسؤولية مشتركة إلى تجربة عابرة قد تنتهي قبل أن تبدأ.

ما يُقلق أكثر هو أن هذه الممارسات لا تترك أثرها على الأفراد فقط، بل تنعكس على صورة الزواج نفسه داخل المجتمع. فكل تجربة فاشلة تُضاف إلى سجل الإحباط الجماعي، وكل قصة نصب تُروى تزرع مزيدًا من الشك، وتُضعف الثقة بين الناس، وتدفع البعض إلى العزوف أو الخوف أو التعميم الظالم. وهنا ندفع جميعًا الثمن، حتى أولئك الذين لم يقتربوا من هذه المسارات.

إن غياب التنظيم الواضح، وترك هذا المجال مفتوحًا دون ضوابط، يفتح الباب أمام استغلال لا يرحم، ويجعل من الحاجة الإنسانية مادة سهلة للمتاجرة. فلا يوجد إطار يحفظ الحقوق، ولا جهة تُسأل، ولا معايير تُلزم، وكل شيء يُدار في منطقة رمادية، يتحمل فيها الضحية كامل الخسارة، بينما يختفي الطرف الآخر بضغطة زر.
هذا المقال ليس دعوة للمنع المطلق، ولا هجومًا على فكرة التوفيق بين الناس، بل هو نداء وعي قبل أن يكون نداء تحذير. وعي يدعو الأفراد إلى التمهّل، وعدم تسليم ثقتهم وبياناتهم وأموالهم لمن لا يعرفونهم معرفة حقيقية. ووعي يدعو المجتمع إلى إعادة الاعتبار للطرق الآمنة، الواضحة، التي تحفظ الكرامة ولا تُعرّض الإنسان للابتزاز أو الخداع.

كما أنه دعوة هادئة لإعادة التفكير في مسؤولية الجميع تجاه هذه الظواهر، من الأسرة التي يجب أن تبقى خط الدفاع الأول، إلى الثقافة العامة التي ينبغي أن تفرّق بين المبادرة الصادقة والاستغلال المقنّع، وصولًا إلى أهمية وجود إطار يحمي الناس من الوقوع في فراغ لا قانون فيه ولا مساءلة.

في الختام، لا يمكن اختزال الزواج في إعلانٍ عابر أو "خدمة" تُشترى عبر الشاشات؛ فهو قرارٌ مصيري يُبنى على الوضوح والأمان، وعلى الصدق الذي يحمي الأرواح قبل القلوب. وحين يتحول هذا الميثاق المقدس إلى فخٍ أو سوقٍ بلا رحمة، فإننا لا نخشى على فكرة الزواج فحسب، بل نخشى على الإنسان ذاته؛ الشاب الذي صدّق وهمًا، والفتاة التي وُضعت في مهب الاستغلال، والمجتمع الذي يرى أحلامه تُستباح باسم النصيب.

المصاب الحقيقي في هذه القضايا ليس المال الذي يُسلب، بل الطمأنينة التي تُسرق، والكرامة التي تُساوَم، والثقة التي إذا انكسرت تُغلق كل أبواب الأمل بعدها. إنها جراحٌ عميقة لا تداويها المحاكم ولا تعوضها التعويضات، لأنها تبقى شاهدة في الصمت، حاملة للخيبة والخذلان في كل زاوية من قلب الإنسان.

إنه الألم الذي ينسج صمتًا داخليًا، حيث يتساءل كل من وقع ضحية: كيف يمكن أن يكون العالم هكذا؟ وكيف أصبح الوهم أقرب إلى الحقيقة من الوعد؟ كل جرح هنا، وكل حلم مخدوع، يذكّرنا بأن المسؤولية ليست فردية، بل جماعية؛ مسؤولية المجتمع والوعي، مسؤولية الكلمة الصادقة التي تضيء دون أن تُدين، وتضع الإنسان في قلب الاهتمام قبل أي حكم، وتحمينا جميعًا من أن يستبدل الاستقرار بالوهم، والحب بالمعاملة العابرة.

الوعي لا يأتي بالصوت العالي، بل بالكلمة الصادقة. وهذا المقال كُتب ليكون كلمة تُضيء، لا تُدين، وتُحذّر دون أن تُخيف، وتضع الإنسان في قلب النقاش، لا في قفص الاتهام.








تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع