أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الاردن .. ضبط 25 ألف حبة مخدر و50 غراما من مادة الكريستال الأردن يدين هجوما إرهابيا وقع في مدينة سيدني في أستراليا الأردن: منخفض جوي جديد يجلب الأمطار والبرودة اعتباراً من الإثنين وصول قافلة المساعدات الأردنية إلى الجمهورية اليمنية واشنطن بوست: أوروبا في حالة ذعر من تقلص عدد سكانها ترحيل آلاف الإثيوبيين بعد إنهاء حمايتهم المؤقتة بأميركا استشهاد أسير فلسطيني في سجن عوفر الإسرائيلي الملك يطلع على خطة الحكومة لتطوير المرحلة الأولى من مشروع مدينة عمرة فيتش سوليوشنز: توقعات بتواصل خفض الفائدة في الأردن خلال 2026 فرانس برس: منفذ هجوم تدمر كان عنصرًا في الأمن العام السوري استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال شمال الخليل مدرب السعودية: جاهزون لمواجهة الأردن وهدفنا بلوغ نهائي كأس العرب ربيحات يستغرب فقدان الأرواح بسبب مدافئ "الشموسة" ويدعو لاتخاذ إجراءات عاجلة الظهراوي والعموش يطالبان باستقالة وزير الصناعة ومديرة المواصفات بعد وفاة 11 مواطناً بسبب مدافئ الشموسة بورصة عمان تغلق تداولاتها على ارتفاع لجنة الطاقة النيابية تناقش حوادث المدافئ غير الآمنة وتؤكد محاسبة المقصرين ضبط أكثر من 1411 اعتداء على خطوط المياه خلال شهر الشرفات: الشباب روّاد التحديث والعمل الحزبي أولوية وطنية لتمكينهم وتعزيز المشاركة السياسية سلامي: مواجهة السعودية صعبة رغم الغيابات والنشامى متمسكون بحلم التأهل لنهائي كأس العرب الجمارك: ضبط 25 ألف حبة مخدر وكريستال وكف حشيش
الصفحة الرئيسية مقالات مختارة لماذا أصبحت دراسات الجدوى الاقتصادية في الأردن...

لماذا أصبحت دراسات الجدوى الاقتصادية في الأردن ضرورة وليست خيارًا؟

14-12-2025 11:06 AM

بقلم: الدكتور المحامي يزن سليم عناب - ليست كل المشاريع التي تفشل في الأردن ضحية فكرة سيئة أو منتج غير مطلوب. في كثير من الأحيان يكون الفشل مكتوبًا منذ اللحظة الأولى، لا بسبب السوق ولا بسبب المنافسة، بل لأن المشروع وُلد بلا بوصلة. سؤال بسيط لم يُطرح في وقته: هل هذا المشروع قابل للحياة اقتصاديًا؟ آلاف المشاريع انطلقت في السنوات الأخيرة بحماس كبير، وضُخت فيها أموال وجهود وافرة، لكنها أغلقت أبوابها خلال عام أو عامين على الأكثر، تاركةً خلفها خسائر ثقيلة وخيبات أمل أكبر. وعندما يُسأل أصحاب هذه المشاريع عن أسباب الإخفاق، تتشابه الإجابات: ضعف في المبيعات، ارتفاع غير متوقع في التكاليف، مشاكل قانونية، أعباء مالية لم تكن في الحسبان. لكن القراءة المتعمقة تكشف أن هذه “الأسباب” ليست سوى نتائج طبيعية لخلل واحد في نقطة البداية: غياب دراسة جدوى حقيقية تُقاس فيها المخاطر قبل الأرباح، وتُختبر فيها الإمكانات قبل الطموحات.

صحيح أن القوانين في معظم دول العالم لا تُلزم المستثمر إلزامًا مباشرًا بإعداد دراسة جدوى قبل البدء، لكن الواقع الاستثماري يفرضها كشرط شبه حتمي للتمويل والترخيص والدعم. في سنغافورة، على سبيل المثال، تُطلب خطط أعمال ودراسات تفصيلية لبعض التراخيص وبرامج التمويل. وفي دولة الإمارات تُعد دراسة الجدوى متطلبًا أساسيًا للتراخيص الصناعية والدعم الحكومي، بينما تشترط البنوك في المملكة المتحدة وكندا وأستراليا وجود دراسة معتمدة كجزء جوهري من الموافقة على التمويل. وفي السعودية وقطر والبحرين، لا تحصل المشاريع الكبرى على الحوافز أو الموافقات التنظيمية دون دراسات متكاملة ومعتمدة.

بمعنى أدق، غياب دراسة الجدوى لا يمنع المستثمر قانونيًا من البدء بالمشروع، لكنه يجعله يدخل السوق معصوب العينين. يضاعف احتمالات الخسارة، ويقلل فرص التمويل، ويضعف قدرة المشروع على الصمود. لم تعد دراسة الجدوى إجراءً شكليًا أو ترفًا استثماريًا، بل أصبحت حجر الأساس لأي مشروع يبحث عن الاستدامة في بيئة تتسم بارتفاع الكلف وشدة المنافسة.

في الجانب السوقي تُرتكب أخطر الأخطاء. كثير من المستثمرين يبدؤون مشاريعهم بدافع الإعجاب بالفكرة أو تقليد تجربة ناجحة، دون أن يدرسوا السوق فعليًا: من هو الزبون؟ ما حجم الطلب الحقيقي؟ كم عدد المنافسين؟ ما القوة الشرائية؟ وما السعر الذي يستطيع السوق تحمّله؟ تُفتح أحيانًا مشاريع في مناطق لا تحتمل هذا النوع من الأنشطة أصلًا، أو في أسواق مشبعة، أو بأسعار لا تلائم دخل الفئة المستهدفة. وتشير دراسات ميدانية غير رسمية إلى أن أكثر من 50% من المشاريع الصغيرة التي أُغلقت خلال أول عامين لم تكن تملك تصورًا دقيقًا للسوق الذي دخلته. الفكرة قد تكون ممتازة، لكن السوق ببساطة لا يطلبها بهذا الشكل أو بهذا السعر.

ومن السوق إلى الجانب الفني، تتجلى فجوة أخرى لا تقل خطورة. مشاريع تُبنى دون تقدير حقيقي للطاقة التشغيلية، أو لتكاليف التشغيل الفعلية، أو للأعطال والهدر والصيانة وعدد الموظفين المطلوب. تعتمد التقديرات على الحدس أو على تجارب غير مماثلة، ثم تبدأ المفاجآت بالظهور: آلات لا تعمل بالكفاءة المتوقعة، طاقة إنتاج أقل من المخطط، مصاريف أعلى من التقدير، استهلاك كهرباء ومياه يفوق الحسابات، وحاجة مفاجئة لعمالة إضافية ترفع الكلفة الشهرية. كل ذلك كان يمكن رصده مسبقًا في دراسة فنية واضحة، لكنها غالبًا تُترك للتجربة، والتجربة هنا باهظة الثمن.
المستثمر لا يرى هذه الأخطاء مباشرة. الأشهر الأولى قد تمر بفضل رأس المال المتوفر، أو دفعة الافتتاح، أو فضول الزبائن في البداية. لكن مع دخول مرحلة التشغيل المستقر، تبدأ الأرقام الحقيقية بالظهور، وتظهر معها الفجوات التي لم تكن محسوبة: مبيعات أقل من المتوقع، مصاريف أعلى من المخطط، وهامش ربح يتآكل تدريجيًا. كثير من المشاريع لا تنهار فجأة، بل تضعف بصمت حتى تختنق ماليًا.

ثم يأتي الجانب القانوني، وهو من أكثر الجوانب التي يُستهان بها رغم أثره المباشر على بقاء المشروع. نوع السجل التجاري، طبيعة الرخص، الموافقات القطاعية، اشتراطات البلديات، شروط الصحة والسلامة، تعليمات المهن… كلها تفاصيل يُنظر إليها أحيانًا كإجراءات شكلية، لكنها في الواقع قد توقف المشروع كليًا أو تُثقله بغرامات وتأخيرات غير محسوبة. كم من مشروع أُغلق لأنه افتتح دون ترخيص نهائي؟ وكم من منشأة دفعت غرامات مضاعفة لأنها لم تلتزم باشتراطات لم تكن تعلم بها أصلًا؟

أما الجانب الضريبي، فهو من أقسى المفاجآت على المشاريع غير المدروسة. ضريبة الدخل، ضريبة المبيعات، الاقتطاعات، نسب القطاعات الخاصة، الدفعات الشهرية أو الربع سنوية… كثير من المستثمرين يدخلون السوق وهم يظنون أن العبء الضريبي أقل مما هو عليه فعليًا، ثم يصطدمون بعد أشهر بأرقام لم تُحسب في أي سيناريو مالي. مشروع يعمل بهامش ربح ضعيف قد ينهار بالكامل بمجرد إدخال العبء الضريبي الحقيقي في حساباته. ودراسة الجدوى الرصينة لا تضع “الضريبة” كرقم عام، بل تحسبها بدقة، قطاعًا بقطاع، وسيناريوً بسيناريو.
في جوهر الأمر، غياب دراسة الجدوى لا يعني فقط غياب أرقام، بل غياب رؤية. المستثمر الذي لا يملك تصورًا واضحًا للسوق، ولا للقدرة التشغيلية، ولا للإطار القانوني والضريبي، يدخل مشروعه وكأنه يسير في طريق مظلم. قد ينجح بالحظ، نعم، لكن الاستثمار لا يُبنى على الحظ، خصوصًا في ظل ارتفاع كلف التمويل، وندرة السيولة، وتشدد البنوك.

المؤلم أن كثيرًا من حالات الفشل هذه كان يمكن تفاديها بدراسة لا تكلّف إلا جزءًا يسيرًا مما خسره المستثمر لاحقًا. دراسة واحدة كانت كفيلة بأن تقول له: هذا السوق مشبع، هذه الكلفة غير واقعية، هذا الترخيص معقد، هذه النسبة الضريبية ستلتهم الربح. لكنها لم تُنجز، أو أُنجزت بشكل شكلي لا أكثر.
وبرأيي الشخصي، كمحامٍ مختص في شؤون الشركات وخبير اقتصادي، فإن أخطر ما يترتب على غياب دراسات الجدوى في الأردن لا يقف عند حدود الخسارة المالية للمستثمر، بل يمتد إلى اهتزاز الثقة بالاستثمار نفسه. حين يفشل مشروع تلو الآخر بسبب ضعف التحليل المسبق، لا يخسر صاحبه وحده، بل يخسر السوق رواده، ويضعف حماس الشباب لريادة الأعمال، وتتراجع شهية المخاطرة المنتجة التي يقوم عليها النمو الاقتصادي.

الاستثمار الواعي لا يبدأ برأس المال وحده، بل يبدأ بالمعلومة الدقيقة والدراسة الموضوعية التي تغطي الجوانب السوقية والفنية والقانونية والضريبية. ومن يبدأ مشروعه بلا دراسة، يشبه من يبني منزلًا بلا مخطط هندسي؛ قد يقف قليلًا، لكنه عند أول اختبار حقيقي يكون مهددًا بالانهيار الكامل.








تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع