الحكومة تعفي مركبات الضباط من ضريبة المبيعات ورسوم التسجيل - وثيقة
الدفاع المدني يسيطر على حريق حافلة في منطقة المنارة بالعقبة
ما هي سيناريوهات تأهل مصر والكويت والإمارات عن مجموعة النشامى؟
العجارمة يدعو لتطوير أندية المعلمين بنظام عصري يواكب تطلعاتهم
الإعلان عن التشكيلة الرسمية لمواجهة مصر ضمن كأس العرب 2025
بدء تنفيذ مشروع متنزّه عجلون الوطني
وزير الاشغال : المعالجة الجذرية للمواقع المتضررة من المنخفض الاخير أولوية قصوى
برنامج تدريبي في عمان لتعزيز مواصفات شحن المركبات الكهربائية وسلامتها
التعليم العالي: تعزيز التعاون وفرص الاستثمار في معرض الجامعات الأردنية 2026
الأعيان يقر مشروعَي قانون التنفيذ الشرعي والجريدة الرسمية بعد التعديلات
الاحتلال يعتقل 40 فلسطينيًا في الضفة الغربية
توغل قوات الاحتلال في القنيطرة .. وإسرائيل تؤكد "لم نصل إلى اتفاقات وتفاهمات حول سوريا"
منخفض جوي الأربعاء يشتد الخميس مع تحذيرات من السيول والفيضانات
من هو غسان الدهيني؟ وكيف أصبح زعيما لمليشيا أبو شباب؟
صورته هزت العالم .. الطفل عمران يروي قصته والشرع يحتضنه
القاضي: التصويت على مشروع قانون الموازنة غدًا الأربعاء
إسرائيل تعيد فتح معبر الكرامة مع الأردن لنقل المساعدات والبضائع إلى الضفة وغزة
الرمثا يلتقي البقعة ببطولة درع الاتحاد
نتنياهو يلتقي ترامب في 29 كانون الأول
بقلم الدكتور المحامي يزن عناب - تقول الأرقام الرسمية إن معدلات التضخّم في الأردن خلال عام 2025 تدور حول 2% تقريبًا على أساس سنوي، وهي نسبة تبدو للوهلة الأولى “مطمئنة” إذا ما قورنت بما تشهده دول أخرى من ارتفاعات حادة تجاوزت 8% و10% في بعض الأحيان. في التقارير يبدو المشهد مستقرًا نسبيًا، واللغة المستخدمة هادئة: ارتفاع محدود، ضغوط تحت السيطرة، حركة أسعار طبيعية. لكن هذا الهدوء لا ينسحب تلقائيًا على حياة الناس.
في السوق، لا يُقاس التضخّم بالمؤشر العام، بل بسعر كيس الخبز، وكلفة الخضار، وفاتورة الكهرباء، وأجرة المواصلات. المواطن لا ينتظر صدور تقرير شهري ليشعر بالغلاء، هو يشعر به حين يخرج من البقالة وقد دفع مبلغًا أعلى مقابل نفس المشتريات. وحين تتكرر هذه الزيادة مرة بعد مرة، حتى وإن كانت صغيرة في كل مرة، يبدأ الدخل بفقدان جزء من قيمته الحقيقية.
بحسب بيانات دائرة الإحصاءات، فإن مجموعات رئيسية مثل المواد الغذائية والمشروبات واللحوم والدواجن شهدت ارتفاعات في بعض أشهر 2025 قاربت 3% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، كما سجلت مجموعات أخرى مثل التبغ والمستلزمات الشخصية زيادات أعلى من المعدّل العام. هذه الأرقام لا تصدم بحد ذاتها، لكنها حين تُوزّع على عشرات المشتريات الأسبوعية، تتحول إلى عبء ثقيل. أسرة كانت تنفق 300 دينار شهريًا على الغذاء، قد تجد نفسها تدفع 315 أو 320 دينارًا دون أن تشعر بأنها غيّرت شيئًا في نمط استهلاكها.
على الجهة الأخرى، لم تتحرك الرواتب بالوتيرة نفسها. الزيادات في الأجور، حيث وُجدت، بقيت محدودة، وفي كثير من الحالات لم تتجاوز 1% سنويًا، بينما بقيت رواتب شريحة واسعة من الموظفين والمتقاعدين ثابتة تمامًا. هنا تظهر المشكلة الحقيقية، لا في نسبة التضخّم بحد ذاتها، بل في الفجوة بين نمو الأسعار وثبات الدخل. وهذه الفجوة لا تُقاس في الجداول فقط، بل تظهر في نهاية كل شهر. الغلاء في الأردن لا يأتي كقفزة مفاجئة، بل يتسلل بهدوء. سلعة ترتفع قليلًا، ثم خدمة، ثم تعديل بسيط في أجرة نقل، ثم زيادة في فاتورة. بعد فترة، يكتشف المواطن أن ما كان يكفيه لم يعد يكفيه، من دون أن يتذكر متى تغيّر الوضع تحديدًا. الخطر في هذا النوع من الغلاء أنه لا يُحدث صدمة، بل يُنهك على مهل.
ومتى ما تحركت أسعار المحروقات، ولو بعدة فلسات، فإن الأثر لا يبقى محصورًا بالمركبات. كلفة النقل ترتفع، وكلفة التوزيع ترتفع، ومعها ترتفع أسعار السلع في الأسواق. هذا الأثر المتسلسل لا يظهر مباشرة كاملًا في نسبة التضخّم الشهرية، لكنه يتراكم مع الوقت، ويترك أثرًا واضحًا في ميزانية الأسرة.
الناس لا تتحدث كثيرًا بلغة النِسَب، بل بلغة التجربة. موظف براتب 600 دينار يقول إن مصروفه الشهري كان قبل عامين بحدود 500 دينار وأصبح اليوم يقترب من 580. ربّة بيت تقول إن تسوّق الأسبوع الذي كان يكلفها 50 دينارًا أصبح يحتاج إلى 65. شاب يتقاضى 600 دينارًا يؤجل فكرة الزواج لأنه لا يرى أفقًا ماليًا واضحًا في عام واحد مقبل. هذه ليست أرقامًا رسمية، لكنها مؤشرات حيّة على ما تعنيه “نسبة 2%” حين تدخل حياة الناس. ومع الوقت، لا ينعكس هذا الضغط على الجيب فقط، بل على النفس أيضًا. القلق من نهاية الشهر، من الالتزامات الطارئة، من فاتورة غير متوقعة، يصبح جزءًا من التفكير اليومي. كثير من الأسر تعيد ترتيب أولوياتها، لا بحثًا عن رفاه أقل، بل حفاظًا على الحد الأدنى من الاستقرار.
وبرأيي الشخصي، فإن المشكلة لم تعد في السؤال عمّا إذا كان التضخّم مرتفعًا أو منخفضًا، بل في أن هذا التضخّم — مهما كانت نسبته — يتحرك في بيئة دخل ضعيف النمو. عندما ترتفع الأسعار بنسبة تقارب 2% بينما يتحرك الدخل بنسبة تقترب من الصفر، فإن النتيجة واحدة: تآكل تدريجي في القدرة الشرائية، وتآكل موازٍ في الإحساس بالأمان الاقتصادي. الاستقرار الحقيقي لا يُقاس فقط بتقارير تُنشر، بل بشعور المواطن وهو يحسب أيام الشهر، وبقدرته على أن يعيش دون أن يقلق كل مرة من السؤال نفسه: هل سيكفي الدخل هذه المرة أيضًا؟