آثار سلبية محتملة على سوق العمل بعد وقف إعفاءات السوريين
فريق مكافحة الإرهاب المائي يحصد لقب “المحارب المائي” في ختام منافسات الكتيبة الخاصة/71
عشيرة أبو سنيمة تنشر صور أبنائها الذين قتلوا أبو شباب - بيان
(خضرجي) يقتل أجيره في الأزرق .. جريمة مروعة وقعت صباح اليوم - تفاصيل
تعديل المرحلة الثانية من خطة ترمب .. هل ينقذ وقف النار بغزة؟
البكار : 6 آلاف عاملة هربت من منازل الأردنيين
الأردن .. القضاة: 284 ألف زائر لمهرجان الزيتون الوطني حتى الخميس
يديعوت: مقتل ياسر أبو شباب بضرب مبرح من عناصر داخل عصابته
الاستراتيجيات الأردني يصدر تقريراً عن فرص الاستثمار في الاقتصادات الآسيوية
زعيم الطائفة الدرزية في (إسرائيل) ينتقد حماية ترمب للشرع
النشامى يترقبون قرعة كأس العالم 2026 في أول مشاركة تاريخية للمونديال
قصف إسرائيلي على ريفي درعا والقنيطرة في سورية
نقيب المقاولين: طرح الثقة بمجلس النقابة "غير قانوني" في اجتماع السبت
هيئة النزاهة: استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد
الرئيس اللبناني: هدف المحادثات مع إسرائيل تجنب شبح حرب ثانية
أسعار الغاز الطبيعي تصل إلى أعلى مستوياتها في ثلاث سنوات
من السجن إلى الملعب .. لاعب برازيلي يخوض النهائي بسوار المراقبة
ميدالية برونزية لمنتخب التايكواندو في بطولة العالم تحت 21 عاما
الأرصاد العالمية: 2024 العام الأكثر حرارة في الوطن العربي
منذ منتصف القرن العشرين، ظلّت التكنولوجيا تُقدّم للبشرية بوصفها البوابة الكبرى نحو السعادة والرخاء، وكأن التقدّم التقني قادر وحده على إعادة صياغة الوجود الإنساني وإلغاء جذور الفقر والعمل والصراع ، ومع كل موجة تكنولوجية جديدة، ارتفعت التوقعات إلى مستويات تكاد تبلغ الخيال، من الماكينات الصناعية إلى الفضاء، ومن الإنترنت إلى الذكاء الاصطناعي والروبوتات اليوم ، غير أن الواقع العملي—عبر قرن كامل—أثبت أن الوعود التقنية لا تتحقق تلقائياً، وأن التاريخ يعيد نفسه حين يُختزل التعقيد الاجتماعي والسياسي في معادلات «هندسية» مبسطة ، لهذا علينا أن
نعيد قراءة تلك الوعود، تفكيكاً وتحليلاً، وتجسيراً بينها وبين خطاب إيلون ماسك اليوم حول «عالم بلا مال وبلا عمل»، لتخلص إلى أن التكنولوجيا—على أهميتها— سيما وأن التكنولوجيا لا يمكنها أن تكون بديلاً عن السياسة والاقتصاد والثقافة والمؤسسات، ولا عن هوية الإنسان بوصفه كائناً يعمل، يخلق، ويتفاعل ، وحتى تلك الوعود تتمظهر لنا بشكل جلي وواضح علينا التوقف عند جملة من الوعود عبر قرن من الزمن :
أولاً: التاريخ الطويل للوعود الكبرى — سردية اليوتوبيا التقنية :
1. الخمسينات: الماكينات بوصفها طريقاً للسعادة ،حيث بشّرت ثورة المكننة الصناعية بأن «الآلة ستجعل الإنسان مرتاحاً وسعيداً»، وأن الفائض الإنتاجي سيتكفّل بتقليص الضغط المعيشي ، لكن النتائج اقتصرت على زيادة الإنتاج دون تغيير جذري في توزيع الثروة أو البنية الاجتماعية ، وقد تحوّلت التكنولوجيا إلى مُسرّع للنمو، لكنها لم تتحوّل إلى مُحرّك للعدالة.
2. الستينات: توقعات العمل 15 ساعة أسبوعياً ، وكان توقع اقتصاديون أمريكيون أنه بحلول الثمانينات سيعمل الإنسان 15 ساعة أسبوعياً فقط، بسبب ارتفاع إنتاجية الآلة ، لكن الرأسمالية المعولمة دفعت بالاتجاه العكسي: تضاعف العمل، ازداد الضغط، وارتفعت المنافسة ، فالتقنية زادت الإنتاجية، لكنها لم تُترجم إلى وقت إضافي للحياة.
3. العشرينيات: الشيوعية السوفياتية ووعد «عالم بلا مال» ، وقد روّجت النظريات الشيوعية لفكرة أن الوفرة الإنتاجية ستجعل المال غير ضروري، وأن «العمل نفسه» سيكون مصدر السعادة ، لكن الواقع بيّن أن الحوافز، الملكية، والدوافع الاقتصادية لا يمكن تجاوزها بقرار أيديولوجي، وأن «مجتمع الوفرة» بقي حلماً لم يتحقق رغم الجهد المؤسسي الهائل.
4. السبعينات وما بعدها: أحلام الفضاء ، حيث توقّعت «ناسا» أن البشر سيبدأون استيطان الفضاء تدريجياً، وأن السفر الفضائي الجماعي قد يصبح واقعاً في 2020 ، لكن المفارقة تمثلت في أن العالم في 2020 وُضع في عزلة داخل المنازل بسبب جائحة كورونا بدلاً من ركوب المركبات الفضائية ، بالتالي التقنية نفسها لم تكن المشكلة، بل غياب الأولويات السياسية ووجود مخاطر عالمية أكبر.
5. التسعينات: الإنترنت ووهم الثراء الشامل ، وجميعنا يذكر حين
اعتُبر الإنترنت أنذاك ثورة ستحوّل «كل مستخدم إلى رجل أعمال» ، غير أن المضاربات، اقتصاد المنصات، والاحتكار الرقمي خلقت فجوات أكبر، وأصبح الإنترنت جزءاً من المشكلة، لا نهاية لها.
ثانياً: عصر الروبوتات وعودة اليوتوبيا بصيغة جديدة ، ومع دخول البشرية عصر الذكاء الاصطناعي والروبوتات، طُرحت من جديد فكرة «الوفرة المطلقة»، وهذه المرة عبر خطاب روّاد مثل إيلون ماسك، الذي يرى أن الفقر «مشكلة هندسية» يمكن حلّها، وأن الروبوتات ستخلق واقعاً بلا عمل، وبلا مال، وبلا حاجة للجهد الإنساني ، لكن هذه الوعود—ورغم جاذبيتها—تقع في الفخ نفسه الذي وقع فيه تاريخ قرن كامل من الوعود التكنولوجية ، من خلال تجاهل الملكية والسيطرة: من يملك الروبوتات يملك الفائض ، فضلاً عن تجاهل منظومات التوزيع: التقنية تنتج الثروة، لكنها لا توزعها ، إضافة إلى
تجاهل الهوية الإنسانية: البشر يعملون لأن العمل معنى في الهوية الإنسانية ، وليس مجرد دخل ، مضافاً لذلك
تجاهل المؤسسات: لا تكنولوجيا بلا سياسة، ولا وفرة بلا حوكمة ،
وبذلك، يصبح خطاب «عالم بلا مال» أقرب إلى رؤية فلسفية تنظيرية منه إلى مشروع اقتصادي قابل للتطبيق النظري ، أما عملياً فإن «عالم بلا عمل» فهو طرح يصطدم بعمق الهوية البشرية، حيث العمل ليس مجرد وظيفة بل علاقة وجودية مع الذات والمجتمع ، ولو تعمقنا اكثر نجد حتى مشروعات ماسك الطموحة—السيارات الطائرة مثالاً—رغم الحجوزات المسبقة، لا تزال في إطار الفكرة أكثر من كونها بنية واقعية قابلة للتعميم.
ثالثاً: لماذا تتكرر الوعود وتفشل؟!! تحليل استراتيجي :
1. الخلط بين الإمكان التقني والقدرة السياسية ، فالمشكلة ليست في الآلة، بل في النظام الذي يقرر كيف تُستخدم، ولصالح من، وبأي قواعد توزيع.
2. الاقتصاد لا يُختزل في الهندسة ، سيما وأن الفقر ليس معادلة تصميم ، إنه توزيعٌ للموارد، وعلاقات ملكية، وسياسات ضريبية تعيد تشكيل الثروة.
3. العمل ليس بديلاً يمكن حذفه ، لأن
العمل هوية، مصدر معنى، وموقع للكرامة ، وإلغاء العمل دون بناء بدائل اجتماعية وثقافية يقود إلى فراغ خطير في بنية الإنسان النفسية.
4. التكنولوجيا تزيد التفاوت ما لم تُرافقها إصلاحات ، خاصة وأن
كل موجة تقنية رفعت الإنتاجية، لكنها رفعت معها الفجوات، لأن قوانين التوزيع لم تتغير.
5. غياب البنية المؤسسية ، وحقائق الواقع تقول أنه ، لا قيمة للوفرة دون مؤسسات تاريخية تحوّل الفائض إلى رفاه عام.
رابعاً: نحو رؤية أكثر واقعية لمستقبل الإنسان والتكنولوجيا ، ودعونا نكون واضحين ، فالتاريخ لا يخبرنا أن التكنولوجيا سيئة، بل يخبرنا أن التكنولوجيا وحدها ليست كافية ، لهذا
لا تحتاج البشرية إلى وعود جديدة، بل إلى إدارة جديدة للتقدم تقوم على :
1. إعادة تعريف الملكية التقنية ، فبدلاً من تلك الوعود لا بد من صيغ ملكية مشتركة لثروة الروبوتات والذكاء الاصطناعي، عبر صناديق مجتمعية أو ضرائب قيمة تُعاد للمواطنين.
2. بناء نظام توزيع جديد ، مثل :
ضريبة الروبوتات، أنظمة دخل أساسي مشروط أو غير مشروط، آليات تعويض اجتماعي.
3. إعادة صياغة معنى العمل ، و
الانتقال من العمل بوصفه عبئاً إلى العمل بوصفه إبداعاً، رعاية، بحثاً، وثقافة.
4. تبنّي سياسات انتقالية واقعية ، عبر تنظيم سوق العمل، تدريب مستمر، دمج التكنولوجيا تدريجياً في الاقتصاد دون صدمات اجتماعية.
5. تبني سياسات فضائية واقعية وغير رومانسية ،سيما وأن
الفضاء ليس هروباً من الأرض، بل امتداداً لاقتصاد يحتاج حوكمة صارمة.
ونحن من خلال درس قرن كامل
من الماكينات إلى الروبوتات، ومن الوعود الشيوعية إلى وعود ماسك، نجد تكرر المشهد ذاته ،تكنولوجيا ضخمة + توقعات عظيمة = نتائج محدودة إذا غابت السياسة والمؤسسات ورؤية الإنسان لذاته ، لأن التكنولوجيا ستمنح البشرية فرصاً غير مسبوقة، لكن تحويل تلك الفرص إلى سعادة وعدالة يتطلب ما هو أعمق من الهندسة ، يتطلب في تقديرنا نظاماً اقتصادياً عادلاً، ثقافة جديدة للعمل، وسياسات توزيع عقلانية، وفهماً للإنسان بوصفه كياناً واعياً، لا مجرد مستهلك للتقنية ، ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن عصر الروبوتات ليس بداية «عالم بلا مال وبلا عمل»، بل بداية اختبار حقيقي لقدرة الإنسانية على أن تُحسن إدارة القوة التي تمتلكها ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .