آثار سلبية محتملة على سوق العمل بعد وقف إعفاءات السوريين
فريق مكافحة الإرهاب المائي يحصد لقب “المحارب المائي” في ختام منافسات الكتيبة الخاصة/71
عشيرة أبو سنيمة تنشر صور أبنائها الذين قتلوا أبو شباب - بيان
(خضرجي) يقتل أجيره في الأزرق .. جريمة مروعة وقعت صباح اليوم - تفاصيل
تعديل المرحلة الثانية من خطة ترمب .. هل ينقذ وقف النار بغزة؟
البكار : 6 آلاف عاملة هربت من منازل الأردنيين
الأردن .. القضاة: 284 ألف زائر لمهرجان الزيتون الوطني حتى الخميس
يديعوت: مقتل ياسر أبو شباب بضرب مبرح من عناصر داخل عصابته
الاستراتيجيات الأردني يصدر تقريراً عن فرص الاستثمار في الاقتصادات الآسيوية
زعيم الطائفة الدرزية في (إسرائيل) ينتقد حماية ترمب للشرع
النشامى يترقبون قرعة كأس العالم 2026 في أول مشاركة تاريخية للمونديال
قصف إسرائيلي على ريفي درعا والقنيطرة في سورية
نقيب المقاولين: طرح الثقة بمجلس النقابة "غير قانوني" في اجتماع السبت
هيئة النزاهة: استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد
الرئيس اللبناني: هدف المحادثات مع إسرائيل تجنب شبح حرب ثانية
أسعار الغاز الطبيعي تصل إلى أعلى مستوياتها في ثلاث سنوات
من السجن إلى الملعب .. لاعب برازيلي يخوض النهائي بسوار المراقبة
ميدالية برونزية لمنتخب التايكواندو في بطولة العالم تحت 21 عاما
الأرصاد العالمية: 2024 العام الأكثر حرارة في الوطن العربي
عندما نمسك بهواتفنا ونضغط على تطبيق الخرائط، نعرف جميعاً أن رحلتنا ستكون أوضح وأسهل، نحدد الوجهة، نعرف الزمن المتوقع، نرى العوائق أمامنا، ونستمتع بالقدرة على تغيير المسار عند الحاجة. ومع هذا، فإننا في إدارة أغلب المؤسسات كثيراً ما نسير بعيدا عن هذا المنطق، نتحرك دون خرائط، ونترك المواطن يتساءل إلى أين نحن ذاهبون؟ وكم من الوقت سنقضي في الطريق؟ وهل سنصل أصلاً؟
لقد أثبتت خبرة الأردنيين جميعاً مع نظام الـ GPS أن التخطيط ليس ترفاً، بل ضرورة للبقاء، وأحيانا أدعو في صلاتي لمخترع هذا النظام لدخول الجنة. نظام GPS لا يتركك وحدك، ولا يبيعك وعوداً غامضة، بل يعطيك بدقة "ستصل خلال 20 دقيقة، هناك ازدحام عند الإشارة، لكن هناك طريق بديل يوفر 5 دقائق". قارن ذلك بتصريح رسمي معتاد لوزير أو مسؤول: "سنحقق التنمية قريباً"، أو "نعمل على تطوير الخدمة"، أو "نسير بالاتجاه الصحيح" دون تحديد موعد الوصول أو الطريق المتبع.
اليوم، نتحدث عن رؤية التحديث الاقتصادي وكأنها وجهة مرسومة على الخريطة: الاستثمارات، التشغيل، القطاعات الجديدة، التحول الرقمي.. كلها نقاط وصول واضحة. لكن السؤال: هل نمتلك الـ GPS الذي يضمن أن السيارة الأردنية ستصل إلى هذه الوجهة، أم أننا عالقون في دوّار لا نهاية له؟ قد تجيبنا الحكومة والأرقام بنعم! ونرى أحيانا نورا سيتحقق في ذلك، ولكن ما يهمنا قبول وتصحيح الإجابة بما حققه من أثر على المواطن.
تأملوا بعض ما يحدث في أحلام الواقع: مشاريع كبرى يبدأ الإعلان عنها بضجة، واحيانا بمباركة عالية المستوى، ثم تتعثر في منتصف الطريق ليس تعطلا من المستثمر، ولكن أحدهم ضغط زر "إعادة حساب المسار"، فقرر المسؤول التوقف حينها دون وضع وجهة بديلة، ويكفي أن يقول للمستثمر "بطلنا" وينقل الفكرة والإنجاز لمستثمر "بسهر معه أكثر". " أو "اكثر تأنقا"، مبادرات إصلاحية يُعاد إطلاقها بعد سنوات بنفس الأسماء تقريباً، وحجر أساس نحتفل بوضعه بيد أكثر من مسؤول وزمان مختلف، كأننا ندور حول نفس "المستديرة" ولا نخرج منها. وحتى حين نلمح طريقاً صحيحاً، نجد ازدحاماً إدارياً أو عائقاً تشريعياً وأحيانا مسؤولا أو متسلقا وصاحب مصلحة "مزاجيا" أو يدعي رشاد التوجيه يعيدنا خطوة إلى الوراء.
التهكم هنا ليس تجنياً، بل وصف دقيق لرحلة يومية يعيشها الأردني. نحن جيل تربّى على أن الطريق إلى العقبة يستغرق أربع ساعات بالسيارة، بينما الـ GPS يخبرنا اليوم أن بإمكاننا الوصول في ثلاث ساعات لو التزمنا بالمسار الصحيح. لماذا لا تتعامل الحكومات بنفس الدقة مع مشروعاتها؟ لماذا نُترك في أحيان كثيرة تائهين في "زمن تقديري مفتوح"؟ ونسمع عبارة "القادم أجمل"
و"الخروج من عنق الزجاجة" منذ سنوات طويلة؟
وأقول لصاحب الولاية لتعلم أننا نعشق نظام الـ GPS أنه لا يغضب ولا يتعنت. إذا انحرفت عن الطريق، لا يعاتبك، بل يعيد توجيهك فوراً: "أعد الالتفاف بعد 120 متراً ". هذه المرونة هي ما نحتاجه في الإدارة العامة، حيث يصبح تصحيح المسار فضيلة لا فضيحة، وخياراً يومياً لا استثناءً. والتحديث الاقتصادي، بكل ما يحمله من فرص، يحتاج بالضبط إلى هذه العقلية وأولها تحديد الوجهة بدقة، ما هو الهدف النهائي؟ هل نريد تشغيل الشباب، جذب الاستثمار، أم زيادة الناتج المحلي؟ أم أننا نخلط الأهداف ونضيع الاتجاه، ثم نحتاج احتساب الزمن الواقعي، المواطن يريد أن يعرف متى ستنعكس الرؤية على حياته، لا أن يعيش على وعود مؤجلة. يتبع ذلك ضرورة تجنّب العوائق مبكراً، كما يتفادى الـ GPS ازدحام الشوارع، يجب أن تتفادى الحكومة ازدحام البيروقراطية وتعقيدات التشريعات، والمصالح الآنية، وإذا اخطأنا الوجهة علينا تصحيح المسار بلا مكابرة، فالأجدى أن نعيد حساب المسار فوراً بدل تكرار السير في طريق خاطئ.
إنني أدعو الحكومة ورئيسها بعد ما أعلنه مكتبه من أرقام قبل أيام، أن نتبنى عقلية "الـ GPS الوطني". لا نريد شعارات جديدة بقدر ما نريد خريطة واضحة، زمن محدد، بدائل متاحة، ومصارحة كاملة. فما نعيشه منذ مدة هو ضياع من نوع مختلف؛ ضياع في التفاصيل، ضياع في الأولويات، وضياع في الزمن، وهو ضياع يمكن تفاديه لو وُضعت أمامنا خريطة طريق كما هي على شاشة الهاتف، وليس اجتماعات لذات الأشخاص من عقلية مكانك سر لذات التحديثات.
قد يبدو التشبيه بسيطاً، لكني مقتنع أنه عميق، فكيف استطاع تطبيق مجاني أن يحدد بدقة كيف أصل من بيتي إلى مكتبي، أو عيادة طبيب أو قاعة عزاء أو مطعم في "دخله" معدومه، ويتعامل مع الحوادث والازدحام والعقبات في الطريق، حتى انه يخبرك بموقع كاميرات مراقبة السرعة، وفي المقابل لا تستطيع حكومة بإمكاناتها أن تحدد لباحث عن عمل كيفية الوصول إلى وظيفة، أو خدمة، أو استثمار، أو فرصة حياة كريمة وخدمات أساسية لقرية معدومة أو كما اطلقوا عليها من صفة عزلة "قرى الأطراف"؟
باختصار، المطلوب ليس اختراع العجلة، بل تشغيلها على المسار الصحيح، ورئيس الحكومة الحالي يظهر جدية في هذا الاتجاه. وأقول: فلا يهمنا زيارة وزير لمدرسة أو مركز صحي أو مركز شباب بقدر مسؤوليته بضمان تعليم وخدمة ووعي وتجهيزات فاعلة فيها، فعدم الجلوس خلف المكاتب -وهو المطلوب- لا يعني أن عكسه زيارة وصورة، وعدد الخدمات الإلكترونية التي أطلقناها لا يعني أننا نجحنا في تسهيل الإجراء عن بعد والدليل أننا مأسسناها بفتح مراكز الخدمة الحكومية. المطلوب من الحكومة اليوم أن تتحوّل من إدارة تقليدية، إلى نظام GPS وطني يضمن الوصول الآمن، السريع، السهل، المحدد الاتجاهات والمدة، تماماً كما يفعل التطبيق الذي أنقذنا جميعاً من ضياع الطرق. ولهذا ادعوا أن نطالب جميعاً بحكومة تعمل بنظام GPS، فالمستقبل لا يحتمل مزيداً من الدوران في الدواوير.