أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
طقس لطيف نهاراً وبارد ليلاً مع احتمالية لأمطار متفرقة في المناطق الغربية آثار سلبية محتملة على سوق العمل بعد وقف إعفاءات السوريين فريق مكافحة الإرهاب المائي يحصد لقب “المحارب المائي” في ختام منافسات الكتيبة الخاصة/71 عشيرة أبو سنيمة تنشر صور أبنائها الذين قتلوا أبو شباب - بيان (خضرجي) يقتل أجيره في الأزرق .. جريمة مروعة وقعت صباح اليوم - تفاصيل تعديل المرحلة الثانية من خطة ترمب .. هل ينقذ وقف النار بغزة؟ البكار : 6 آلاف عاملة هربت من منازل الأردنيين الأردن .. القضاة: 284 ألف زائر لمهرجان الزيتون الوطني حتى الخميس يديعوت: مقتل ياسر أبو شباب بضرب مبرح من عناصر داخل عصابته الاستراتيجيات الأردني يصدر تقريراً عن فرص الاستثمار في الاقتصادات الآسيوية زعيم الطائفة الدرزية في (إسرائيل) ينتقد حماية ترمب للشرع النشامى يترقبون قرعة كأس العالم 2026 في أول مشاركة تاريخية للمونديال قصف إسرائيلي على ريفي درعا والقنيطرة في سورية نقيب المقاولين: طرح الثقة بمجلس النقابة "غير قانوني" في اجتماع السبت هيئة النزاهة: استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد الرئيس اللبناني: هدف المحادثات مع إسرائيل تجنب شبح حرب ثانية أسعار الغاز الطبيعي تصل إلى أعلى مستوياتها في ثلاث سنوات من السجن إلى الملعب .. لاعب برازيلي يخوض النهائي بسوار المراقبة ميدالية برونزية لمنتخب التايكواندو في بطولة العالم تحت 21 عاما الأرصاد العالمية: 2024 العام الأكثر حرارة في الوطن العربي
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام القلبُ والعقلُ بين الغزلِ والإغواء

القلبُ والعقلُ بين الغزلِ والإغواء

31-08-2025 09:26 AM

ذات مَسَاءٍ، رَكِبْتُ الْحَافِلَةَ الْعَائِدَةَ مِنْ وَسْطِ الْبَلَدِ إِلَى حَيِّنَا السَّكَنِيِّ، حَامِلًا كَنْزِي الصَّغِيرَ الَّذِي اقْتَنَيْتُهُ مِنْ عَلَى الرَّصِيفِ بِقُرُوشٍ قَلِيلَةٍ. كُنْتُ يَوْمَهَا فِي الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ، ذَلِكَ الْعُمْرُ الَّذِي يَبْدَأُ فِيهِ الْقَلْبُ – وَمَعَهُ بَقِيَّةُ الأَعْضَاءِ – بِطَرْحِ أَسْئِلَتِهِ الْحَائِرَةِ.
كُنْتُ قَدْ تَصَفَّحْتُ كِتَابِي الْجَدِيدَ قَلِيلًا قَبْلَ شِرَائِهِ، وَحِينِ اسْتَقَرَّ بِي الْمَقَامُ فِي الْحَافِلَةِ الْكَبِيرَةِ عُدْتُ أَقْرَأُ بِتَمَعُّنٍ. عَلَى الْغِلَافِ كَانَ الْعُنْوَانُ: قَصَائِدُ مُتَوَحِّشَةٌ، يَعْلُوهُ اسْمُ الشَّاعِرِ نِزَارُ قَبَّانِي.
بَدَأْتُ بِلَهْفَةٍ الْقَصِيدَةَ الْأُولَى: اخْتَارِي
إِنِّي خَيَّرْتُكِ فَاخْتَارِي
مَا بَيْنَ الْمَوْتِ عَلَى صَدْرِي
أَوْ فَوْقَ دَفَاتِرِ أَشْعَارِي…
لَمْ أَكُنْ قَدْ أَنْهَيْتُ الْمَقْطَعَ الْأَوَّلَ حَتَّى صَعِدَ إِلَى الْحَافِلَةِ مُعَلِّمُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَدْرَسَةِ وَمَعَهُ زَمِيلُهُ. التَقَتْ نَظَرَاتُنَا، وَبَعْدَ التَّحِيَّةِ جَلَسَا قَرِيبًا مِنِّي، ثُمَّ جَاءَ السُّؤَالُ الْحَتْمِيُّ:
ـ «مَاذَا تَقْرَأُ؟ لِنِزَار؟»
نَاوَلْتُهُ الْكِتَابَ، تَصَفّحهُ قَلِيلًا:
«هَلْ تَقْرَأُ لَهُ مُنْذُ زَمَنٍ؟» لَا أَذْكُرُ كَيْفَ أَجَبْتُ، لَكِنِّي كُنْتُ أَشْعُرُ أَنَّنِي أَُدَافِعُ عَنْ نَفْسِي. فَقَدْ كَانَ نِزَارُ – وَمَا يَزَالُ – شَاعِرَ الْخَطِيئَةِ الْأُولَى فِي عُيُونِ الْكَثِيرِينَ. وَضَعْتُ الْكِتَابَ جَانِبًا، وَكُلَّمَا حَاوَلْتُ قِرَاءَتَهُ لَاحَقَنِي وَجْهُ أُسْتَاذِي وَعَيْنَاهُ الْمُتَسَائِلَتَانِ، حَتَّى غَدَتْ قِرَاءَةُ شِعْرِ نِزَارَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ أَشْبَهَ بِارْتِكَابِ مُخَالَفَةٍ أَخْلَاقِيَّةٍ .. حتى اليوم.
مَرَّتِ السَّنَوَاتُ، لَكِنْ تِلْكَ الذِّكْرَى عَادَتْ إِلَيَّ فِي سَهْرَةِ نِهَايَةِ الْأُسْبُوعِ مَعَ الْعَائِلَةِ الْكَبِيرَةِ. سَأَلْتُ أَحَدَ الْأَطْفَالِ عَنْ إِجَازَتِهِ الصَّيْفِيَّةِ، فَأَجَابَ:
ـ «قَرَأْتُ مَجْمُوعَةً مِنَ الْكُتُبِ.»
سَأَلْتُهُ: «وَمَا أَكْثَرُهَا إِثَارَةً لِاهْتِمَامِكَ؟»
قَالَ بِثِقَةٍ: «The Art of Seduction… فَنُّ الإِغْوَاءِ.»
ظَنَنْتُ أَنَّنِي سَمِعْتُ خَطَأً، فَسَأَلْتُ مَازِحًا:
ـ «بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؟»
أَجَابَ: «نَعَمْ.»
ـ «هَلْ هُوَ عَنْ الْجِنْسِ؟»
قَالَ: «نَعَمْ.» ضَحِكْتُ: «إِذَنْ لَا تَذْكُرِ الْأَمْرَ أَمَامَ وَالِدَتِكَ!».
لَكِنَّ الْفُضُولَ لَمْ يَتْرُكْنِي. فِي الْيَوْمِ التَّالِي نَزَّلْتُ الْكِتَابَ مِنَ الإِنْتَرْنِتِ وَبَدَأْتُ قِرَاءَتَهُ. فَمَا الَّذِي وَجَدْتُهُ؟

مُقَدِّمَةُ الْكِتَابِ
فِي مُقَدِّمَتِهِ لِكِتَابِ فَنِّ الإِغْوَاءِ، يُوَضِّحُ رُوبِرْت غْرِين الإِطَارَ الْعَامَّ لِفِكْرَتِهِ وَأَهْدَافِهِ، وَيُمْكِنُ تَلْخِيصُهَا فِي النِّقَاطِ الْآتِيَةِ:
· الإِغْوَاء كَفَنٍّ قَدِيمٍ: يُقَدِّمُهُ غْرِين بِاعْتِبَارِهِ مِنْ أَقْدَمِ الْفُنُونِ الْإِنْسَانِيَّةِ، اسْتُخْدِمَ فِي التَّارِيخِ السِّيَاسِيِّ وَالْأَدَبِيِّ لِبَسْطِ النُّفُوذِ وَالْسِّيطَرَةِ وَكَسْبِ الْقُلُوبِ. وَقَدْ كَانَ فِي الْبِدَايَةِ سِلَاحًا بِيَدِ النِّسَاءِ فِي مُوَاجَهَةِ سُلْطَةِ الرَّجُلِ، قَبْلَ أَنْ يَتَبَنَّاهُ الرِّجَالُ أَيْضًا وَيُطَوِّرُوهُ.
· الإِغْوَاء أَدَاةُ قُوَّةٍ: لَيْسَ مُجَرَّدَ عِلَاقَةٍ رُومَانْسِيَّةٍ أَوْ جِنْسِيَّةٍ، بَلْ وَسِيلَةً لِتَعْطِيلِ دِفَاعَاتِ الآخَرِينَ الْعَقْلِيَّةِ وَدَفْعِهِمْ إِلَى التَّصَرُّفِ وِفْقَ رَغَبَاتِ الْمُغْوِيِ، الَّذِي لَا يَنْظُرُ إِلَى الْحَيَاةِ بِمَنْظُورٍ أَخْلَاقِيٍّ صَارِمٍ.
· الْجَاذِبِيَّةُ النَّفْسِيَّةُ: الْجَمَالُ الْخَارِجِيُّ لَيْسَ شَرْطًا؛ فالإِغْوَاء يَقُومُ أَسَاسًا عَلَى لَمْسِ الْخَيَالِ وَإِثَارَةِ الْفُضُولِ، لِأَنَّ النَّاسَ تَنْجَذِبُ لِمَا يُغَذِّي أَحْلَامَهَا.
· تَصْنِيفُ الْأَنْمَاطِ: يلمحُ غْرِين إِلَى أَنَّهُ سَيَعْرِضُ أَنْمَاطًا مُخْتَلِفَةً مِنَ الشَّخْصِيَّاتِ الْمُغَوِيَّةِ (كَالْمَحْبُوبِ، الْكَارِيزْمِيِّ، النَّجْمِيِّ...) مَعَ اسْتِرَاتِيجِيَّاتِ كُلِّ نَوْعٍ.
· الْتَّحْذِيرُ الْمُزْدَوِجُ: الإِغْوَاء سِلَاحٌ ذُو حَدَّيْنِ؛ يمْنَحُ قُوَّةً وَسُلْطَةً، لَكِنَّهُ قَدْ يَتَحَوَّلُ إِلَى خَطَرٍ يُدَمِّرُ مَنْ يَسِيءُ اسْتِخْدَامَهُ أَوْ يَقَعُ فِي شَبَاكِهِ دُونَ وَعْيٍ.
وَبِاخْتِصَارٍ، تَضَعُ الْمُقَدِّمَةُ الْقَارِئَ فِي أَجْوَاءِ الْكِتَابِ بِوَصْفِهِ دَلِيلًا نَفْسِيًّا وَتَارِيخِيًّا لِفَهْمِ الإِغْوَاءِ كَأَدَاةِ تَأْثِيرٍ وَسُلْطَةٍ، وَتُعِدُّهُ لِلتَّعَرُّفِ عَلَى شَخْصِيَّاتٍ نَمُوذَجِيَّةٍ وَدُرُوسٍ عَمَلِيَّةٍ مِنْ قِصَصِ التَّارِيخِ وَالْفَنِّ وَالسِّيَاسَةِ.
• وَيَأتي هذا الكِتابُ امتِدادًا لِمَشروعِ غرينَ الأَشمَل، الَّذي عُرِفَ بِكِتابِهِ "
قَوَانِينُ الْقُوَّةِ الثَّمَانِي وَالْأَرْبَعُونَ".
"، إِذ يَرى أَنَّ الإِغواءَ لَيسَ مَعزولًا عَنِ القُوَّةِ، بَل هُوَ أَحَدُ وُجوهِها الأَكثَرُ نُعومَةً وَتَأثيرا.

بِنْيَةُ الْكِتَابِ بَعْدَ الْمُقَدِّمَةِ
شَدَّتْنِي الْمُقَدِّمَةُ، وَبَعْدَ أَنْ أَنْهَيْتُهَا، تَصَفَّحْتُ الْكِتَابَ فَوَجَدْتُ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ٥٠٠ صَفْحَةٍ، مِنْ إِصْدَارِ Penguin Books. وَيَنْقَسِمُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ رَئِيسِيَّةٍ:
1. الشَّخْصِيَّةُ الْمُغَوِيَّةُ: مَنْ هُوَ الْمُغْوِي؟ (أَنْمَاطُ الشَّخْصِيَّاتِ الْإِغْوَائِيَّةِ).
2. عَمَلِيَّةُ الإِغْوَاءِ: كَيْفَ تَتِمُّ مَرَاحِلُ الْجَذْبِ وَالتَّأْثِيرِ؟
يُركِّزُ غرينُ هُنا عَلى مَعرِفَةِ الثَّغَراتِ النَّفسِيَّةِ عِندَ الآخَرينَ، وَاستِغلالِ أَمانِيهِمُ الخَفِيَّةَ أَو نِقاطِ ضُعفِهِم لِقِيادَتِهِم حَيثُ يُريدُ. وَهِيَ فِكرَةٌ مُثِيرَةٌ لِلجَدلٍ، لِأَنَّها تَكشِفُ بِوُضوحٍ مَنهَجِهِ الذي يعتمد على التَّلاعُب.
3. تَكْتِيكَاتُ الإِغْوَاءِ: مَا الْأَسَالِيبُ الْعَمَلِيَّةُ وَالتِّقْنِيَاتُ النَّفْسِيَّةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ؟
وَمِن بَينِ التَّكتيكاتِ الَّتي يُوصِي بِها غرين: إِرسالُ إِشاراتٍ مُتَناقِضَةٍ وَمُمارَسَةُ الغُموضِ، بِحَيثُ يَبقى الطَّرَفُ الآخَرُ في حالَةٍ مِنَ الحِيرَةِ وَالتَّشويِقِ تَجعَلُهُ أَكثَرَ تَعَلُّقًا بِالمُغوِي.
4. مُنَاهَضَةُ الإِغْوَاءِ: كَيْفَ نَحْمِي أَنْفُسَنَا، وَكَيْفَ نَبْنِي دِفَاعَاتِنَا ضِدَّ تَكْتِيكَاتِهِ؟

هَلْ يُنَاسِبُ الْمُرَاهِقِينَ؟

تَسَاءَلْتُ: هَلْ يُمْكِنُ لِمُرَاهِقٍ فِي الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ أَنْ يَقْرَأَ كِتَابًا كَهَذَا؟ حَتَّى لَوْ كَانَ مُسْتَوَاهُ اللُّغَوِيُّ وَالْفِكْرِيُّ جَيِّدًا، قَدْ لا يَسْتَوْعِبُ الْعُمقَ الْفَلْسَفِيَّ كَامِلًا، وَرُبَّمَا يُفَسِّرُ بَعْضَ الرِّسَائِلِ بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ نَاضِجَةٍ.

صَحِيحٌ أَنَّ غْرِين يُقَدِّمُ اسْتِرَاتِيجِيَّاتِهِ بِصَرَاحَةٍ، لَكِنَّ بَعْضَ الْقُرَّاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الْهَدَفَ لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّلَاعُبُ بِالآخَرِينَ، بَلْ فَهْمُ آلِيَّاتِ التَّأثِيرِ لِاسْتِخْدَامِهَا بِوَعْيٍ أَوْ لِلْحِمَايَةِ مِنْهَا.

وَيَتَنَاوَلُ الْكِتَابُ مَوْضُوعاتٍ حَسَّاسَةً عَنْ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيَتَحَدَّثُ صِرَاحَةً عَنْ الْجِنْسِ، وَالْخِيَانَةِ، وَالتَّلَاعُبِ الْعَاطِفِيِّ، وَيَصِفُ الْإِغْوَاءَ كَقُوَّةٍ نَفْسِيَّةٍ وَتَكْتِيكٍ اجْتِمَاعِيٍّ، مَا قَدْ يَكُونُ مُرْبِكًا لِمَنْ لَمْ تَتَشَكَّلْ لَدَيْهِ صُورَةٌ نَاضِجَةٌ عَنْ الْعَلَاقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ.

فِي الْبِدَايَةِ افْتَرَضْتُ أَنَّ الطِّفْلَ اطلعَ عَلَى مُلَخَّصٍ لِلْكِتَابِ، كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُرَاهِقِينَ عَبْرَ الإِنْتَرْنِتِ. وَلَكِنْ حِينَ سَأَلْتُهُ عَنْ مَحْتَوَاهُ، فُوجِئْتُ بِأَنَّهُ قَرَأَ النَّصَّ كَامِلًا، وَشَرَحَ بَعْضَ أَفْكَارِ الْكِتَابِ بِثِقَةٍ، مُرَكِّزًا عَلَى مَهَارَاتِ الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ وَفَهْمِ الدِّينَامِيَّاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ.

بَدَا الطِّفْلُ فَضُولِيًّا وَنَشِطَ الذِّهْنِ، مَعَ قُدْرَةٍ لُغَوِيَّةٍ وَتَرْكِيزٍ لَافِتَيْنِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَبْدُ يُكَرِّرُ شَيْئًا بِطَرِيقَةٍ آليَّة؛ كَانَ يَتَحَدَّثُ كَمَنْ يُحَاوِلُ اسْتِيعَابَ الْمَفَاهِيمِ الْمُعَقَّدَةِ.

هُنَا تَوَقَّفْتُ لأُفَكِّرَ: هَلْ نَحْنُ أَمَامَ جِيلٍ يَسْبِقُنَا فِي الاطِّلَاعِ، أَمْ أَمَامَ تَحَدٍّ تَرْبَوِيٍّ يَدْعُونَا لإِعَادَةِ النَّظَرِ فِي دَوْرِنَا كَآبَاء وَمُرَبِّين؟

وَيَجِبُ الإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ كِتَابَ فَنُّ الْإِغْوَاءِ حَقَّقَ انْتِشَارًا وَاسِعًا، وَتَصَدَّرَ الْمَبِيعَاتِ فِي مَعَارِضَ عَدِيدَةٍ، وَظَهَرَتْ حَوْلَهُ دَوْرَاتٌ تَدْرِيبِيَّةٌ وَفِيدِيُوهَاتٌ عَلَى الإِنْتَرْنِتِ، مِمَّا يَعْكِسُ اهْتِمَامَ الْقُرَّاءِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ، مَهْمَا كَانَ مُثِيرًا لِلْجَدَلِ.



مَسْؤُولِيَّةُ الْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ فِي عَصْرِ التِّكْنُولُوجْيَا
هُنَا يَبْرُزُ سُؤَالٌ أَكْبَرُ عَنْ مَسْؤُولِيَّةِ الْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ. فَفِي ظِلِّ التِّكْنُولُوجْيَا الْحَدِيثَةِ الَّتِي تَمْنَحُ أَبْنَاءَنَا حُرِّيَّةَ الْوُصُولِ إِلَى مُحْتَوَى ثَقَافِيٍّ مُتَنَوِّعٍ، أَصْبَحَ التَّحَدِّي يَتَمَثَّلُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْجِيهِهِمْ نَحْوَ مَا هُوَ مُفِيدٌ وَحِمَايَتِهِمْ مِنَ الْمُحْتَوَى الَّذِي قَدْ يُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى قِيَمِهِمْ.
فِي ظِلِّ هذه الْحُرِّيَّةِ الْمُتَاحَةِ، نَجِدُ مَوَاقِعَ عَدِيدَةً تَدَغْدِغُ الْمَشَاعِرَ، وَتَعِدُ بِالْمُتْعَةِ الزَّائِفَةِ، وَتَخْطِفُ الْمُتَابِعَ مِنْ حَيَاتِهِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ إِلَى عَالَمِ الْإِدْمَانِ وَالْوِحْدَةِ الْقَاسِيَةِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ الْمَوَاقِعِ الْإِلِكْتُرُونِيَّةِ الْيَوْمَ، فَمَاذَا سَيَحْدُثُ عِنْدَمَا تَتَحَدَّثُ مَعَنَا الدُّمَى الْإِلِكْتُرُونِيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَتُمَارِسُ إِغْوَاءَهَا؟ هَذَا الْوَاقِعُ لَيْسَ مِنَّا ببعيد

خَاتِمَةٌ

بَيْنَ ذِكْرَيَاتِي مَعَ نِزَارِ قَبـّانِي، تَحْتَ عَيْنَي أُسْتَاذٍ مُتَسَائِلٍ، وَدَهْشَتِي الْيَوْمَ بِطِفْلٍ يَقْرَأُ «فَنَّ الإِغْوَاءِ»، أَدْرِكُ أَنَّ الْعَالَمَ تَغَيَّرَ، وَأَنَّ مَا كَانَ يَوْمًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ صَارَ فِي مُتَنَاوَلِ الْأَصَابِعِ.

لَكِنَّ الْفَارِقَ كَبِيرٌ: كُنْتُ أَقْرَأُ شِعْرًا يَفْتَحُ أَبْوَابَ الْخَيَالِ وَالْحُبِّ، بَيْنَمَا يُوَاجِهُ أَبْنَاؤُنَا الْيَوْمَ نُصُوصًا أَعْقَدَ، تَكْشِفُ وَجْهًا قَاسِيًا مِنَ التَّلَاعُبِ وَالْجِنْسِ وَالسُّلْطَةِ.

هُنَا تَكْمُنُ مَسْؤُولِيَّتُنَا: أَنْ نُرَاقِبَ أَبْنَاءَنَا، لَا أَنْ نُحَذِّرَهُم فَقَطْ، أَنْ نُعَلِّمَهُمْ كَيْفَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْتَّهَوُّرِ، بَيْنَ التَّجْرِبَةِ وَالنُّضْجِ.

فَالْإِغْوَاءُ، كَمَا يُصَوِّرُهُ غْرِين، لَيْسَ إِلَّا فَنًّا لِلْأَقْنِعَةِ؛ وَالْقِنَاعُ قَدْ يَمْنَحُ صَاحِبَهُ وَهَجًا عَابِرًا، لَكِنَّهُ يَزْرَعُ دَاخِلَهُ فَجْوَةً بَيْنَ الْهُوِيَّةِ وَمَا يَتَظَاهَرُ بِهِ.

وَيَرَى عُلَمَاءُ النَّفْسِ أَنَّ هَذَا التَّنَاقُضَ قَدْ يُقُودُ إِلَى عَلاقاتٍ هَشَّةٍ وَفَرَاغٍ دَاخِلِيٍّ، مَا يَجْعَلُ الْمُرَاهِقَ – وَهُوَ فِي طَوْرِ بِنَاءِ ذَاتِهِ – أَكْثَرَ عُرْضَةً لِلِارْتِبَاكِ وَالِانْقِسَامِ، إِن تُرِكَ وَحِيدًا أَمَامَ مِثْلِ هَذِهِ النُّصُوصِ.
سعيد ذياب سليم





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع