عام ستة ٍ وثمانين وتسع ِ مئة ٍ وألف . توفيت جدتي على غيرِ عادتها ، كنت في السادسة عشر من عمري ، وكانت قريبة جداً إلى قلبي ، توفيت عن عمر يناهز الثمانين عاماً ، لكم أن تتخيلوا الجدّة التي تسمعونَ عنها في الحكايات ، ترتدي "مدرقة" سوداء وحطّة بيضاء ، تظهر من جنباتها جدائل شعرها التي تنسدل مع طرفي "الحطة" على أكتافها ، كان وجهها موشّماً بسيالٍ يمتدُ من شفّتِها السفلى إلى نهاية ذقنها ووشم آخر على رأس خدودها التي ذابت من طول العمر ، ووشم أخير بين حاجبيها ، لم أفهم ماهيّة الرسمة المرسومة بذلك الوشم ، ولا أعرف إن كان السبب هو أنّ التجاعيد غلبت على الرسمة هناك أو أنها رداءة يد الواشم ، تحفظ ثلاث قصص فقط ، لم أملُّ من تكرارِ سماعِها ، وكنتُ أضحكُ عندما يتوجب الضحك أتفاجئ عندما يتوجب أن أتفاجئ ، في كل مرّة كنتُ انفعل مع القصّة وكأني أسمعها للتو ، أصيبت بالزهايمر ، تقريباً آخر عام من حياتها حتى ما عادت تذكر شيئاً إلا تلك الحكايات ، ولفافة الهيشي ، كان الجميع يريدون منها الإقلاع عن التدخين ويصرون على أنها يجب أن لا تشرب مزيداً من السجائر إلا أنا ، لم يكُن ذلك الكلام يقنعني ، فكنت أنسِلُ مِن طرف باكيت أبي بعضُ السجائر وأخفيها عنه لأعطيها لها ، كانت تفرح جداً بتلك السجائر وتدعو لي بطول العمر ، ورثنا عن جدتي صندوقاً خشبياً كان فارغٌ من جهازِها يوم كانت عروسا ً ، كانت تضعُ فيه كل خصوصياتها التي لم تتضمن بالطبع لاب توب ولا حتى محفظة جلدية حيث كانت تحتفظ بنقودها في صُرّةٍ من قماش ، لا زلت لليوم وبعد أكثرِ من خمس ٍ وعشرين عاما أجدُ جدّتي أمامي كلما فتحتُ ذلك الصندوق ، لاشيء بالمطلق يثيرُ الذكريات كالرائحة...
بعد انتهاء تصويت مجلس النواب على الثقة بالحكومة ، انتشرت ذات الرائحة من جنبات المجلس ، أيام كانوا يمنحوا سمير أحد عشر صوتاً ومائة ...
الرائحة منكم تزكم الأنوف