زاد الاردن الاخباري -
يبدأ المصريون والأتراك، شوطا صعبا من المفاوضات بعد تعقد العلاقات بين البلدين وتدهورها وتوقف "المباحثات الاستكشافية" منذ أكثر من عام، حيث يبدو أن أنقرة تحاول إنهاء هذا الملف الملح سريعا في ظل وضع عالمي مرتبك، بحسب ما أكد محللون لموقع "الحرة".
كان اردوغان الحليف الكبير للرئيس المصري الراحل محمد مرسي، المنتمي الى جماعة الإخوان المسلمين، أكد سابقا أنه "لن يتحاور أبدا" مع "شخص مثل" السيسي الذي أطاح مرسي عام 2013. وساد الفتور العلاقات بين القاهرة وأنقرة منذ وصول السيسي إلى الحكم.
وسبق أن علق أردوغان على وفاة مرسي في يونيو 2019 في قاعة المحكمة أثناء محاكمته، "إن التاريخ لن يرحم أبدا الطغاة الذين أوصلوه الى الموت عبر وضعه في السجن والتهديد بإعدامه".
وبعد ما يقرب من عقد من الزمن من الجمود في العلاقات بين البلدين، وصف الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الاثنين، لقاءه بنظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، في قطر، الأحد، بأنه خطوة أولى تم اتخاذها من أجل إطلاق مسار جديد بين البلدين.
في المقابل، صرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية في حسابه على فيسبوك، الاثنين، أن السيسي تصافح مع إردوغان بالدوحة، "حيث تم التأكيد المتبادل على عمق الروابط التاريخية التي تربط البلدين والشعبين المصري والتركي، كما تم التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين".
"المصلحة فوق المبادئ"
ونشرت الرئاسة التركية الأحد صورة لاردوغان والسيسي يتصافحان مع ابتسامة خلال حفل افتتاح مونديال قطر - الدولة التي كانت حليفة لمرسي والتي تصالحت معها مصر مؤخرا.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، لموقع "الحرة": "كانت النقطة الأساسية التي يركز عليها المصريون شرعية الرئيس السيسي، والآن هناك اعتراف تركي (بذلك) منذ فترة، وليس بدءا من مصافحة الأحد في الدوحة"، مضيفا أن "هناك قناعة لدى صناع القرار ومستشاري إردوغان بضرورة العمل مع مصر، وطي صفحة الإخوان، لأن المصلحة تتقدم على المبادئ".
ويرى أوغلو أن مصافحة الرئيسين، سرعت بشكل كبير الخطوات التي كان من الممكن أن تستغرقها المفاوضات بين المسؤولين في البلدين".
وبينما ركزت التصريحات التركية ركزت بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة على أهمية العلاقات مع مصر، عبر وزير الخارجية المصري سامح شكري، بأن المباحثات متوقفة.
"تسليم عناصر من الإخوان"
يكشف مدير تحرير صحيفة "الأهرام" الحكومية المصرية، أشرف العشري، في حديثه مع موقع "الحرة"، أنه ستبدأ مفاوضات بين مسؤولي الأجهزة الأمنية الرفيعة خلال الأيام المقبلة، في المرحلة الأولى، على أن تعقبها مباحثات بين مسؤولي وزارتي الخارجية في البلدين، لبحث بقية الملفات العالقة بينهما.
ورغم أن أولى الخطوات التي اتخذتها تركيا لإصلاح علاقاتها الإقليمية قبل أكثر من عام كانت باتجاه مصر، إلا أن هذا المسار يتحرك ببطء، بل حتى أن مراقبين كانوا يقولون في وقت قريب إنه "يراوح مكانه"، وعالقٌ في "محادثات استكشافية".
وقال العشري إن "المصريين لديهم شروط ومطالب والأتراك لم ينفذوها، وشعروا أن هناك خديعة تركية تحدث، وأن كل ما أرادته أنقرة هو استكمال الصورة بإعادة العلاقات مع السعودية وإسرائيل والإمارات، وبالتالي مصر".
وأشار العشري إلى أن "وضع مصر كان يختلف عن هذه الدول الثلاث، والقاهرة ترى أن الأتراك غير جادين في توفير استحقاقات وإجابات على تساؤلات مصرية بالغة الأهمية تتعلق بالعلاقات الثنائية والتواجد التركي في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط".
ويرى أوغلو أن إعادة تركيا للعلاقات مع مصر تختلف عن الإمارات والسعودية، "التفاوض مع القاهرة وإعادة العلاقات سيكون من أصعب الأمور، نتحدث عن دولتين وركيزتين أساسيتين في المنطقة، وملفات تعمق الخلاف حولها".
ويقول: "نعم سوف نشهد لقاءات أمنية وستكون بداية للقاء بين وزيري الخارجية اللذين بدورهما سيرتبان إلى قمة بين الرئيسين، لأن اليوم تركيا وبالدرجة الأولى تركز بشكل كبير على ضرورة إعادة العلاقات مصر كما كانت، وإردوغان تحدث عن ذلك بصراحة".
بالنسبة للمفاوضات بين مسؤولي الأجهزة الأمنية، فإنها ستتركز، بحسب العشري، حول القضايا المعلقة الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين الموجودين في تركيا، "وتسليم المطلوبين طبقا لأحكام قضائية مصرية ووضع جدول زمني وخريطة عمل لإنهاء هذا الملف، بالإضافة إلى الملفات الإعلامية، التي تشمل القنوات والمواقع الإخبارية المعارضة لمصر التي لا تزال مستمرة وتبث من تركيا".
ويضيف: "المصريون يريدون إنهاء أي تواجد لجماعة الإخوان في تركيا وعدم استخدام اي منصات إعلامية، بالإضافة إلى البحث في القضاء على ما تسمى بحركة التغيير المحسوبة على محمد كمال، وهي جناح في جماعة الإخوان تدعو لاستخدام العنف في مصر".
في المقابل، يرد أوغلو بقوله: "لاحظنا أن هناك مطالب مصرية فيما يتعلق بقنوات الإخوان وأعضاء الجماعة، وبالفعل تم اعتقال عدد كبير منهم وتضييق الخناق عليهم خلال الشهر الجاري"، مشيرا إلى أن لقاء السيسي وإردوغان "خطوة إيجابية للغاية، ويدل على أن العديد من الملفات تم التفاهم حولها وتجاوز عقباتها مثل ملف الإخوان".
وفي الآونة الأخيرة، تم اعتقال صحفي مصري مقرب من جماعة الإخوان المسلمين لفترة وجيزة في تركيا، مما أثار مخاوف الإسلاميين الذين لجأوا إلى هذا البلد من احتمال تسليمهم.
وكانت تركيا اتخذت خطوات في ملف الإخوان "لكنها لم تكن كافية، فقد أغلقوا قناة "مكملين" وتركوا "الشرق"، بحسب العشري.
ويعزو أوغلو اهتمام تركيا حاليا بإعادة العلاقات مع مصر، إلى "ملف الغاز والتنقيب في شرق المتوسط، وهذا الموضوع ملف أمن قومي بالنسبة لتركيا، أما الملفات الأخرى مثل الإخوان فهي موضوعات فرعية ويمكن التفاهم عليها خلال المرحلة المقبلة".
مفاوضات بين وزارتي الخارجية
أما المفاوضات بين وزارتي الخارجية، فستتركز، بحسب العشري، حول تطورات الوضع في ليبيا، ومنطقة شرق المتوسط والتواجد التركي داخل الأراضي الليبية، والتوصل إلى قواسم مشتركة وأيضا فواصل تنهي أي نوع من الاحتكاكات بين الجانبين على المستوى السياسي والأمني في اللحظات الصعبة داخل الأراضي الليبية.
وأنقرة الداعم الكبير لجماعة الإخوان، والقاهرة، التي تعتبر هؤلاء "إرهابيين"، تدعمان جهات متناحرة في ليبيا. فقد أرسلت تركيا مستشارين عسكريين وطائرات من دون طيار لمحاربة المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد الذي تدعمه مصر بشكل خاص.
ويرى أوغلو أن "الملف الليبي موضوع مهم وصعب جدا في ظل التشابك والتعقيد، لكن أعتقد أن كلا الطرفين سوف يتوصلان إلى صيغة مشتركة ومراعاة كل منهما لمصالح الطرف الآخر، فمصر تتحدث عن أمنها القومي وتركيا تتحدث عن الاتفاقيات التي أبرمتها وتشكيل كيان جديد منتخب، بعيدا عن المناكفات التي شهدناها خلال العامين الماضيين".
ويضيف: "الوجود التركي في ليبيا عبارة عن مستشارين وضباط، وفكرة الانسحاب متوقفة على إجراء انتخابات وتشكيل حكومة جديدة في ليبيا، لأن ما تريده أنقرة هو الحفاظ على مصالحها في ليبيا، ويمكنها بسهولة الموافقة على طلب الانسحاب من ليبيا بشرط عدم عودة التوترات الأمنية مثلما حدث في 2019 عندما حاولت قوات حفتر الدخول إلى طرابلس بالقوة".
"هذا هو الأهم لتركيا"
ويؤكد أن "النقطة الأساسية بالنسبة لتركيا خلال المرحلة المقبلة هو موضوع الغاز والتنقيب في شرق المتوسط"، مشيرا إلى أن أنقرة أشادت بالموقف المصري فيما يتعلق بأهمية مراعاة الجرف القاري التركي في شرق المتوسط، "تركيا فقط تريد أن يكون هناك تقاسم في الثروات قسمة عادلة".
ويشير العشري إلى أن طلب تركيا الانضمام إلى منتدى شرق المتوسط الذي أسسته مصر، "سيبحث على مستوى وزيري الخارجية".
ويضيف أنه "إذا كانت هناك ضمانات لا تخل بمعايير اتفاقات مصر مع قبرص واليونان، فإن القاهرة ستوفر إجابات وحلول، لكن إذا كان هناك اختلال وسيتعارض مع التزامات مصر في شرق المتوسط باتجاه قبرص واليونان، القاهرة ترفض تقديم أي تنازلات أو ربما تعلق المفاوضات حول هذا الملف لأنه يحتاج إلى جولات كثيرة، لأن هناك شراكة في مجالات الغاز والكهرباء والتنقيب والاقتصاد والربط الكهربائي، وهناك تحالف ثلاثي قائم فعلا منذ خمس سنوات".
قمة محتملة
ويرى العشري أنه إذا تلقت القاهرة إجابات واضحة سريعا فقد يحدث تطبيع علاقات بين البلدين بداية العام المقبل، لكنه يتوقع ان تستمر المباحثات لعدة أشهر، وقد تعود العلاقات قبل الانتخابات التركية منتصف العام المقبل.
وأعلن إردوغان أنه سيكون مرشحاً في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يونيو 2023.
يعتقد أوغلو أن تسير المفاوضات بشكل جيد، "وربما نرى لقاء بين السيسي وإردوغان في مطلع العام المقبل".
ما يبعث على تفاؤل أوغلو، أن "هناك قناعة لكلا الطرفين بأنه لا تستطيع دولة منهما إقصاء الأخرى وحاليا نتحدث عن توترات في العالم مثل الحرب في أوكرانيا وما تسببه من أزمة طاقة، وأزمات اقتصادية تعاني منها الدول الأوروبية فما بالك بدول الشرق، ولذلك حل الخلافات ووضعها جانبا أمر ممكن والسير في تفاهمات وتوافقات خلال المرحلة المقبلة".