زاد الاردن الاخباري -
كتب : حاتم الأزرعي - لا تكف الحكومة عن ذر الرماد في العيون ، في محاولة بائسة لعميها عن مصائبها وبلاويها ، وهي تكابر انه بخير ، وتلوم اهله على التشاؤم وتدعوهم الى التفاؤل ، والابتعاد عن السلبية ، والنظر الى النصف الملأن من الكأس وكأنها ابقت فيه ما يسد الرمق !!.
وتواصل الحكومة نهجها في اصدار التصريحات المضللة، وحرف القضايا عن مسارها الصحيح ، معتقدة أن " الشمس تُحجب بغربال" ، والاخطر حين تتطاول على الحقيقة وتلتف على معطياتها أمام رأس الدولة ، لتبرير فشلها ، فتنحى باللاءمة على الإدارة والكوادر، وتبطش بقرارات جائرة ، لامتصاص نقمة الشارع وغضبه، لتنفذ برأسها من تحت المقصلة ، وتُرحِل ازماتها لمن سيخلفها ، في سلسلة ترحيل لا تنتهي ولتذهب الحقيقة والناس إلى الجحيم !!.
في قصر الحسينية ، وأمام جلالة الملك الغاضب لما آل اليه القطاع الصحي من أوضاع لا تريح البال وتغث الخاطر ، لم تخرج الحكومة عن نهجها المعهود في التسويف والمراوغة وطمس الحقائق ، وذلك واضح جلي في ما ذهب اليه وزير الصحة الدكتور فراس الهواري من أن ما نشهده في هذا القطاع " ليس نقصا بالأموال، بل تقصير إداري " .
وبعد ايام معدودة جاءت التصريحات المدوية لنقيب الصيادلة الدكتور زيد الكيلاني لتكشف الحقيقة وزيف تشخيص الحكومة لعلة قطاعها الصحي وازمته الحقيقية المتمثلة في مديونيتها لمكونات رئيسة في المنظومة الصحية ، في مقدمتها المديونية للقطاع الدوائي البالغة ما يقارب 160 مليون دينار ، وسدادها بما لا يوفر السيولة اللازمة لاستمرار تأمين القطاع الصحي بأحتياجاته من الأدوية والمستلزمات الطبية ،وفقا لتصريحات الكيلاني .
مُرعب ما آل اليه القطاع الصحي من أوضاع مزرية تنذر بعواقب وخيمة ، وتستمر الحكومة في دفن رأسها بالرمل وعورتها بادية للجميع ، وبلا أدنى خجل تكابر وتُزيف وتُكيف القضايا وتشخصها على هواها ومقاسها بما يخدم إطالة عمرها ويبعدها عن شبح المساءلة .
ما علينا ، اريد ان اعاند نفسي وأصدق رواية الحكومة، بأن ما حل بمستشفياتها التابعة لوزارة الصحة مرده اسباب ادارية تنظيمية، وأن أمورها المالية عال العال ، وما هي إلا مسألة وقت قصير وتنجز الوزارة هيكلتها الجديدة الموعودة، ويَصلُح حالها ، وننعم في مستشفياتها برعاية فائقة في بيئة صحية.
واذا كان الحال السيء الذي وصلت اليه وزارة الصحة ، وظهر جليا للعيان في مستشفياتها عائد لأسباب ادارية ،فهل ينسحب ذلك على المستشفيات الجامعية؟ ولنأخذ مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي نموذجا .
شكل المستشفى منذ افتتاحه عام ٢٠٠٢ نقلة نوعية في مستوى الخدمات المقدمة لابناء محافظات الشمال (اربد جرش عجلون المفرق ) ، وسد حاجة ملحة لهم ، اذ وجدوا فيه ملاذا لرعاية طبية افضل من تلك التي يتلقونها في مستشفيات محافظاتهم التي لم تعد تلبي احتياجاتهم بسبب عدم كفاية الاسرة والنقص الحاد في الكوادر ،لا بل عدم توفر عديد من الاختصاصات الطبية .
اليوم يعاني مستشفى الملك المؤسس، اوضاعا غاية في الصعوبة ، فترى فيه صورة مستشفيات وزارة الصحة بعد ما طالها من إهمال حكومي ، يرى كثيرون ‐ وانا منهم ‐ انه ممنهج في إطار خطة إستراتيجية غايتها النهائية الخصخصة ، ودفع الناس للمطالبة بها تحت ذريعة إستحالة إصلاح وتحسين وتطوير الخدمة الطبية في مستشفيات الوزارة التي ينخرها الفساد وسوء الادارة في ظل موازنة مالية لا تسمن ولا تغني من جوع ، ويخصص منها للمستشفيات القليل القليل .
المشهد العام في مستشفى الملك المؤسس اصبح صورة طبق الأصل عن المشهد في اي من مستشفيات الوزارة ، اعداد كبيرة من المراجعين ، ازدحام شديد في مساحات ضيقة ، سوء تنظيم ، طول انتظار في الإسعاف والطوارىء وأمام عيادات الاختصاص والصيدلية الرئيسة لصرف العلاجات ، نقص في الكوادر ، نقص في الاسرة عموما وأسرة العناية الحثيثة خصوصا، مواعيد طويلة جدا لمراجعة الاخصائيين ..الخ من السلبيات والاحتياجات التي لم يعد المستشفى قادرا على تلبيتها .
المشهد العام في المستشفى غير مريح لا للكوادر العاملة فيه من اطباء وتمريض وصيادلة وفنيين ، ولا للمرضى ومرافقيهم، ولم تعد ترى غير التعب والغضب باديا بوضوح على وجوه مقدمي الخدمة ومتلقيها ، وكلاهما في الهم شرق في انين مكبوت لن يطول ليتحول الى صراخ مدو .
مؤلم جدا ، إن ترى هذا الصرح الطبي الرائع يسير على طريق الانهيار ، وكل المؤشرات تؤكد ذلك ، فمن المسؤول عما آل وسيؤول اليه المستشفى إذا استمر على هذا النحو من السير بخطى حثيثة باتجاه العجز وضعف القدرة على تلبية الاحتياجات الطبية لابناء محافظات الشمال التي يتجاوز سكانها مليوني نسمة ؟؟ .
لا أحد يستطيع أن يؤشر بأصابع الاتهام الى غير الحكومة التي لا تفي بالتزاماتها تجاه المستشفى الدائن لها بمبلغ يصل إلى حوالي ٨٤ مليون دينار ، ولا تسد الحكومة من ديونها إلا النزر اليسير الذي لا يُمَكِن من تلبية احتياجات المستشفى ويضعه في حرج مع موردي الادوية والاجهزة والمستلزمات الطبية ، الذين احجم عدد منهم عن تلبية طلبات المستشفى إلى حين سداد الديون المترتبة عليه ،وهذا حقهم .
والحكومة التي تدفع بالمستشفى نحو الهاوية ، تضعه كما يجري الحديث داخل اروقته امام خيارات لحل ازمة المديونية ، أحلاها مر، ويتندرون فيما يسمونه " بخيارات العسس " ، فهل لدى الحكومة الجرأة للافصاح عن الخيارات التي طُرِحت على إدارة المستشفى كحل لازمته المتفاقمة، التي تنذر بعواقب وخيمة لا يحتملها المستشفى ومن يتلقون خدماته .
ومن داخل اروقة المستشفى تسمع حديثا عن عدم القدرة على التطوير والتحديث وشراء بعض الاجهزة والمعدات بسبب الضائقة المالية الناجمة عن مديونية الحكومة للمستشفى ومديونية الاخير لموردي الادوية والمستلزمات الطبية وغير الطبية والاجهزة والمعدات، ويشكو اطباء من الحوافز التي تصرف لهم "بالقطارة "، كما يقولون .
وبعد ذلك كله ، هل ستخرج علينا الحكومة في اي فاجعة قد يشهدها المستشفى ‐ لا قدر الله ‐ لتقول ، أن مردها " ليس نقصا بالأموال، بل تقصير إداري " ، وسيبقى السؤال معلقا برسم الاجابة، ازمة مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي إدارية ام مالية ؟.
وخلاصة القول : مستشفى الملك المؤسس درة مستشفيات الشمال ،الحامل عنها عبئا كبيرا ، وفيه الامل والرجاء بالحصول على رعاية طبية افضل ، والصورة الجميلة المتبقية في مشهد طبي قاتم ، بحاجة ماسة اليوم قبل الغد الى مد يد العون والمساندة، لانتشاله من مخاطر السقوط في الهاوية .