في الأسبوع الماضي سيطرت ثلاثة عناوين على جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، أكثرهم وجعا كان انتحار أردنيّ في الأربعينات من عمره بعد أن أضرم النار في جسده، وسقط عن الجسور العشرة في عمان.
رغم بشاعة هذه الحادثة والمعلومات التي راجت حولها، إلا أن جمهور السوشال ميديا لم يُغفل القصة التي أطلق عليها هاشتاج “ركبة روبي”، وخاصة بعدما غرد الأمير علي مؤيدا لها، ناشرا صورة لبنطلون ممزق عند ركبته مع كلمة “كلنا معك”.
قبلها كانت صورة عمان الجوية والتي تظهرها بشكل بشع مثل كتلة إسمنتية صماء تصنع خلافا وجدلا، وهو ما دفع كثيرا من نشطاء السوشال ميديا ليظهروا صورا تتغنى بجمال عمان.
القصص الثلاث التي حظيت بالمتابعة مختلفة جدا، والانطباع الذي تكرسه أن هناك اختلافا، وانقساما في معاينة الأحداث والظواهر الاجتماعية، وفي ظلال التراشق والاستقطابات تتراجع صورة “المدينة الفاضلة” التي يحاول أن يُسبغها البعض على بلادنا عندما يريدون ذلك، أو عندما لا تروق لهم معالجات معينة، وربما أكثر تعبير عن ذلك كان الهجوم الذي تعرض له مسلسل “مدرسة الروابي” الذي عرض على شبكة نتفلكس، والقول إن هذا المسلسل لا يمثلنا، وليس منا، في إنكار متعمد للتحولات المجتمعية، ومحاولات لفرض صورة واحدة للمجتمع.
مهم أن ننظر إلى ما أثارته قصة الرياضيّة روبي، ورفض التلفزيون الأردني مشاركتها في برنامج بسبب “ارتدائها بنطلونا ممزقا عند الركبة” -وهي موضة مألوفة وشائعة منذ سنوات- والتذرع أن هذا لا يليق بالذوق والمشهد العام، على الرغم مما نشرته روبي عن مشاركة شاب يلبس “شورت”، وأكملت بأن نشرت على صفحتها صورة لمذيعة في ذات التلفزيون ترتدي مثل البنطلون الذي كانت تلبسه، ومُنعت بسببه.
قصة “ركبة روبي” أخذت باتجاه مقاربات طبقية، وكانت فرصة للبعض لربطها بواقع الفقر، والفرق بين ارتداء بنطلون ممزق لأنه موضة، وكثيرون يرتدون ملابس وأحذية ممزقة نظرا لفقرهم، وحاجتهم الاقتصادية.
حرف النقاش بهذا الاتجاه قد يبدو ظالما، لأن سياق القصة كان مرتبطا بعدم وجود معايير لباس معلنة في التلفزيون، تفرض على الموظفين والموظفات، والضيوف، دون تمييز لمصلحة الرجال على النساء.
صورة عمان التي نشرت ليست استثناء لهذا الصراع المحموم على السوشيل ميديا، فعمان ليست بالبشاعة التي أظهرتها الصورة، ولكنها أيضا وعلى أرض الواقع تتحول لكتل إسمنتية بعد أن تراجعت المساحات الخضراء، والاهتمام بالمعايير البيئية، وتغول فكرة الاستثمار على الالتزام باحتياجات المجتمعات المحلية للحدائق العامة، وفضاءات مفتوحة، وساحات تجنبهم الاختناق.
قصة انتحار المواطن وسقوطه عن الجسور العشرة تصلح مادة فلمية تشي وتكشف خطورة الحياة التي يعيشها بعض الناس حتى تدفعهم إلى قتل أنفسهم.
ترافقت قصة الانتحار -مع كلام لم تثبت صحته- عن مصادرة الأمانة لبسطة المنتحر، وأيضا أنه كان سجينا، وحين خرج لم يجد من يُشغّله.
تُثير هذه القصة ظاهرة الانتحار في الأردن التي تزايدت بشكل لافت حتى بلغت 169 حالة العام الماضي، وبارتفاع نسبته 45.7 % عن عام 2019، وهو رقم لم يصل له الأردن منذ 10 سنوات.
قد يكون هناك أسباب عارضة، وطارئة لهذا الارتفاع أبرزها: جائحة كورونا، وتدابير الحظر التي فُرضت على الناس لأشهر طويلة، والقراءة الأهم التي تفسر الظاهرة ارتفاع معدلات البطالة لتصل بحدود 25 %، جلهم من أصحاب شهادات توجيهي فما فوق، وهذا كله يرتبط بطغيان حالة الفقر، فحسب تقارير البنك الدولي بلغ الفقر المدقع 27 %، ويقدرون أن مليونا ونصف المليون شخص ينزلون إلى ما دون خط الفقر في الأردن.
سواء كانت قصة البسطة صحيحة أو شائعة وكذب، فإن الدولة عليها أن تساعد على إيجاد فرص عمل تُخرج الناس من حالة اليأس والإحباط، وفتح أسواق شعبية في الأحياء خطوة في الاتجاه الصحيح، ووضع نظام بسيط برسوم رمزية جدا للفقراء ليُتاح لهم البيع في بسطات، وعربات ليس تشوها حضاريا، ويمكن لأمانة عمان توفير الأكشاك والبسطات والعربات، وكل عواصم العالم مكتظة بالعربات التي يُقبل الناس على الشراء منها.
السوشيل ميديا فاضح للتناقضات المجتمعية، ومرآة لظواهر خطيرة تنهش جسد المجتمع، وربما يجدر بالحكومة أن تستفيد مما يكشفه ليس للتضييق على حرية التعبير، وإنما لتُبادر بدراسة الظواهر، ووضع الحلول لها قبل الانفجار.