زاد الاردن الاخباري -
كتب : بسام البدارين - لماذا ترك الرجل وحيدا حتى الآن؟ هذا هو السؤال الذي يتجول بصمت هذه الأيام وسط أقنية السياسة والقرار وزواريب البرلمان والشارع عندما يتعلق الأمر بمحاولة فهم المنطقة التي يضع سياسيا رئيس الوزراء الجديد الدكتور عمر الرزاز قدميه فيها قبل نحو 24 ساعة من التصويت بالثقة على حكومته.
في العادة تتدخل مؤسسات الدولة السيادية والعميقة بما في ذلك الشريك التشريعي في مجلس الأعيان لضمان عبور أكثر أمنا لأي حكومة يختارها القصر الملكي أو يكلفها خلال جلسات الثقة البرلمانية.
هذه العادة تغيرت فجأة خلال الاسبوعين الماضيين فالرئيس الرزاز صار أقرب إلى صيغة «اليتم السياسي» وهو يواجه حملة من الواضح أنها منظمة وتحالفية على مستوى غالبية رموز تيارات الموالاة تحت قبة البرلمان وحتى، خلافا للمألوف والمعتاد، داخل أقنية المؤسسات الرسمية الشريكة.
ومع تفاعل الهجمة من رموز في البرلمان محسوبون على الدولة تبدو التساؤلات محيرة جدا خصوصا وأن الرزاز الذي يحظى باحترام اجتماعي وتوافق وطني على سجله الإداري النزيه لم يزاحم في الماضي على مناصب وزارية وحظي مثل أقرانه من رؤساء الحكومات الآخرين بما في ذلك الأضعف منه والأقل شعبية بمساندة قوية من غالبية أجهزة الدولة حيث لا خصومات سابقة ولا أجندات عارضها الرجل.
يزداد عمق السؤال عند استعراض هوية وتركيبة النواب الذين هاجموا حكومة الرزاز بخشونة أقرب إلى النهش السياسي المسبق.
هنا ثمة نواب لا يخفون انحيازهم أصلا لخيارات الدولة وثمة مدارس ورموز مدارس داخل الولاء والموالاة قصفت الحكومة سياسيا وبعنف لا بل أعلنت بعض هذه الرموز مسبقا ومبكرا على منصة مجلس النواب حجبها للثقة عن الرزاز وفريقه قبل ان تستمع لرده على ملاحظات النقاشات كما يقتضي الدستور والعادة والتقاليد.
في ظل هذا المشهد ثمة مشرع خبير ومخضرم كان رئيسا لمجلس النواب ووزيرا عدة مرات هو عبد الكريم الدغمي.
وفي الاتجاه المعاكس للخبرة والعمق ومهارة التشريع ثمة رئيس لجنة فلسطين المثير للجدل النائب يحيي السعود.
وعندما يتعلق الأمر بشخصيات برلمانية معتدلة وبرلمانية مؤثرة تملك قدرا من العمق وتبادر وتناور دوما لصالح خطاب الدولة ومواقفها ثمة ناشط من وزن خالد البكار يعمل لصالح الحجب بعدما أعلنه.
داخل معسكر الموالاة يوجد نكهات متباينة أعلنت حجب الثقة وداخل المجموعة القريبة من السلطات يتخذ بعض النواب مواقف مسبقة غامضة ومثيرة للحيرة.
وهنا مثلا يجلس نائب مثل اندريه العزوني ثم يثير الاستغراب نائبان مثل محمد ظهراوي ومحمد هديب بحسابهما مسبقا لصالح الحاجبين رغم أن خطاب حكومة الرزاز من النوع الذي يوفر الغطاء لكل مواقفهما المعلنة لصالح دولة المؤسسات ومدنية الدولة والمواطنة.
في موقع الحجب أيضا نائب مسيس مثل طارق خوري من المرجح أن تأييده للنظام السوري العلني دفعه لتقديم مبرر واحد فقط ضد الحكومة من النوع المهم عبر الهجوم على وزير الخارجية أيمن الصفدي.
وبين الحاجبين ممثل برلماني شعبوي مثل الدكتور صداح الحباشنة ونائب له وزن مثل مصلح الطراونة وكلاهما قريب من السلطات على نحو أو آخر.
بكل حال هذه التلاوين في هوية الأفراد الذين قرروا حجب الثقة ضمن معسكرات الولاء الكلاسيكية وبدون مواقف سياسية أو لها علاقة ببرنامج سياسي تظهر بوضوح في حالة الحفر والتعمق بوصلة العمق في الدولة تجاه فكرة الرزاز. طبعا ثمة تبريرات وبالتأكيد ارتكب الرزاز بعض الأخطاء ولم يقدم تفصيلات أو شروح حتى اللحظة على بعض الأسئلة.
وطبعا يبدو أن الخطأ الأبرز يتعلق بهوية تشكيلة الفريق الوزاري كما يلاحظ النائبان هديب والبكار وهما يتحدثان لـ»القدس العربي» مع التركيز على أن الأزمة الوطنية بحاجة لطاقم وأداء مختلفين.
وفي الوقت الذي يمكن فيه فهم وجود بؤرة سياسية لمعارضة منهجية تمارسها كتلة الإصلاح المحسوبة على التيار الإسلامي وتبرر حجب الثقة في النهاية… في هذا الوقت لا تبدو هجمة تيارات الموالاة تحت قبة البرلمان برامجية بقدر ما هي معنية بشخص الرئيس وببعض المشكلات التي تثيرها طريقته في الاختيار والعمل والأهم ببعض الصفحات التي لا يريد المحافظون فتحها أصلا.
الخلاصة ان التعمق في محاولة فهم دوافع وسلوك بعض النواب الذين أعلنوا مسبقا حجب الثقة وقبل الوقت المحدد يؤشر تماما على أن حكومة الرزاز يتيمة الآن بالمعنى السياسي وعلى ان رئيسها لا يحظى بالإسناد المأمول من مؤسسات الظل خصوصا تلك التي تدير الشؤون والملفات في العادة. يحصل ذلك فيما المرجعية الملكية التي اختارت الرزاز اصلا للمرحلة خارج البلاد.
وفيما عدد من المسؤولين البارزين في حالة سفر او في حالة صمت وبصورة تظهر بان اللوبي النافذ في بعض مؤسسات الدولة لا يتحمس لحكومة الرزاز حتى انها حرمت من تلك الانشائيات المعلبة التي يقولها ويرددها رموز الولاء بالعادة عند امتحانات الثقة مثل «هذه حكومة الملك ولا بد من دعمها» وأيضا مثل «خيار المرجعية» وحتى مثل «فلنمنح رئيس الوزراء فرصته».
في الأثناء لم يعد سرا ان الرزاز نفسه بدأ يعبر بين الحين والآخر عن عدم فهمه لماذا ترك وحيدا في مواجهة مرحلة استثنائية تطلبت وجوده. ولم يعد سرا ان رئيس الوزراء الجديد يلمح لبعض ضيوفه الخاصين بان كل الجهات العميقة في الدولة ضد حكومته رغم أنه فتح يده لمصافحة جميع المؤسسات ولم تظهر عليه ملامح غرور الرئاسة أو السعي لولاية عامة دستورية من النوع الثقيل.
ليس سرا اطلاقا أن الرزاز وجه رسائل رغبة في التعاون مع جميع المؤسسات ولجميع النافذين في المقرات السيادية والعميقة وهي رسائل تضمنت استعداده المبدئي للتوازنات والتسويات والعمل الجماعي وحرصت على إظهار نيته في عدم الاستئثار في السلطة ورئاسة الوزراء مستخدما لقصة الغطاء الملكي أو الظرف الاستثنائي.
تجاه كل مراكز القوى يعتقد الرزاز أنه قام بواجبه وباعتدال ويستغرب الخصومة المبكرة ويعرفها لكن السؤال يبقى عالقا: لماذا اختير الرجل للمرحلة ويترك الآن وحيدا في الميدان؟«القدس العربي»