زاد الاردن الاخباري -
الدكتور محمد الفرجات - أحزنني كثيرا بالأمس ما جاء في كتاب الملك للنسور لوضع خطة عمل لبناء اقتصاد الدولة، بخطط قابلة للتنفيذ وعلى مدى عشرة سنوات وتحت المسائلة بالتنفيذ، فيعلم الجميع بأن هذه الحكومة قاب قوسين أو أدني قد شارفت على المغادرة، فانى لها وضع هكذا تصور؟، فما أن تخرج من مأزق حتى وتقع بالآخر، ناهيكم عن وعودها بتوزير النواب وغضبهم عليها بجانب غضب الشارع، وتسريبها لوسائل الاعلام نية التعديل الوزاري كلما لاح بالأفق ريح. هذا اضافة لما يجول في أجهزة الحكومة ومؤسساتها من تصفية حسابات شخصية تؤدي للترهل، وقد نبهنا لذلك سابقا عندما قلنا بأن المخلصين للوطن في مرمى الرصاص، ولم نجد آذانا صاغية. كما وأن الحكومة وفي السنة الأخيرة ومن أجل الاستمرار، كانت قد غامرت بخطوات أثرت كثيرا في خطط وبرامج اقتصادية كانت لتعود على الدولة بالمليارات، ولدينا أمثلة، ليس أقلها مشروع مطار البترا الذي غدر به مشروع مطار ايلات.
هذا من جانب، الا أنه ومن الجانب الآخر فان هذه الحكومة وبتوليفتها الحالية لن تكون قادرة على بلورة فكر اقتصادي ينعش اقتصاد الدولة لسبب هام، وهو أنها هي بذاتها تقوم على موازنة عاجزة وتباطؤ في النمو حصل بعهدها (على الرغم من افلاسها للشعب)، وأن طريقتها في استقرار السياسة النقدية برفع الضرائب العشوائي على قطاعات الانتاج الوطنية، قد حدى بكثير من الصناعات ورؤوس الأموال بالاغلاق أوالهجرة، وكان نجاحها في ثبات النقد وبمقاييس علم الاقتصاد خسارة فادحة وضربة في حق ملف اقتصاد الدولة على المدى الطويل -لمن يعرف بالاقتصاد-، ولمن يفهم بمعنى تحليل التكلفة والعوائد.
اليوم فانه مطلوب من النسور –أعانه الله- رأب صدع الاقتصاد الذي يعاني (مديونية وتباطؤ بالنمو المحلي وخسارة ميزان تجاري)، ومن أعراض معاناته 400 ألف خريج عاطل عن العمل ينتظرون الفرج في البيوت، وجريمة منظمة بدأت تنمو من أجل لقمة العيش، وفقر وجوع وعزوف عن الزواج وطلاق وضرائب مختلفة التسميات والمناسبات والأوقات، أمام أسعار جنونية وغياب وزارة التموين غير الموجودة بالأساس.
على النسور جمع كل الملفات، وعليه وبالرغم من تقدمه بالسن 75 عام (تبارك الله) ووزيره ذو السن المقارب وذات الثلاثة حقائب في واحدة ورئاسة خمسة مجالس ادارات، أن يجمع كل القيادات الاقتصادية من قطاع عام وخاص على طاولة واحدة، وعليه الاستماع، وعليه معالجة التحديات، وعليه مواجهة قوى شد عكسي ستحارب تطلعات الملك، وعليه القراءة جيدا في السطور وما بين السطور في خطط تنموية ومخططات شمولية وغيرها لمناطق ووزارات وهيئات مختلفة، وعليه معرفة نقاط القوى، والضعف والفرص والتحديات، وعليه اسقاط نمو أعداد اللاجئين وما لن يكون بالحسبان في الاقليم وأثره على خطته التي سيضعها لعشرة سنوات، وعليه وضع سيناريوهات أمام كل المستجدات والثوابت، وأخيرا عليه التأكد من قابلية خطته للتطبيق، خاصة بأنه سيمضي قريبا –شئنا أم أبينا- لارتباط بقائه ببقاء مجلس النواب، ورضى الشارع عن أداء الأخير، أمام جمهور غاضب (مما نقرأ بوجوه طوابير حزينة على وجوهها المذلة ترتقب دعم المحروقات)، كانت عواطف الكثيرون منهم ستسير بهم الى الساحة الهاشمية من أمام الحسيني لهدف طيب معلن، ولكن ما خلف السطور وما تم في غرف مظلمة وغير المعلن، كان يستهدف سيناريو احتلال ساحة مفتوحة لاعتصام كبير على شاكلة ما جرى بميدان التحرير في عهد مبارك، ولقد حذرنا من ذلك سابقا.
هنالك ملفات فساد ما زالت مفتوحة، والنسور يحتاج لفتحها لكي ينال الشارع ومجلس النواب بجانبه لاكمال وضع تصورات خطته الاقتصادية المطلوبة، ويبدو أن بعضها (ملفات الفساد) سهل أمام القضاء والاعلام، وممتنع في الجلب والتطبيق كقضية وليد الكردي، مما يزيد تعقيد الأمور أمام نجاح النسور في وضع الخطة والتصور المطلوب، وهذا ما سيبوح به النسور في يوم من الأيام ان كتب مذكراته.
نهاية أبارك للنسور الثقة الخامسة بحكومته من جهة الملك، وأسأل الله تعالى له العون في أيامه القادمة والسهر المطلوب وحرق الأعصاب وغيرها بجانب ما عليه اليوم أصلا، وأقول له: ان وجدت خطتك معادلة تكاملية صعبة، فلدينا المرافق (وأنت تعلم لغة الرياضيات جيدا)، ونعيد ونزيد مرارا وتكرارا مبادرة "مشروع الشعب للانتاج"، وجاهزون لطرحها عندما يستحيل الحل، وأظنه سيستحيل خاصة وأن المطلوب خطة لا توضع بالدروج، بينما "الشعب للانتاج" سينفذها كل الشعب طوعا بمحبة وبيد واحدة.
وحمى الله الوطن والشعب والقائد، ونؤكد وبالرغم من كل ما سبق ونحمد الله تعالى على نعمة الأمن والاستقرار، والتي لا تقدر بالمليارات.