بعد إنتصار خيارات منظمة التحرير لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وقبول فلسطين دولة مراقب يوم 29/11/2012 ، وبعد صمود قطاع غزة أمام العدوان الإسرائيلي والتوصل إلى وقف إطلاق النار بين العدو الإسرائيلي وحركة حماس يوم الأربعاء 21/ تشرين الثاني بواسطة مصرية تحت عنوان " تفاهمات القاهرة " خرجت الأعلام الفلسطينية في قطاع غزة ورايات فتح لأول مرة منذ سيطرة حماس المنفردة على القطاع عام 2007 ، مثلما خرجت رايات حماس أيضاً لأول مرة في الضفة الفلسطينية ، إحتفالاً بأعيادها .
في كلا الحالتين ، ولدى الطرفين ، وعلى أرض الموقعين في القطاع وفي الضفة ، تم ذلك عبر قرار سياسي ، سمح للطرفين ومن قبلهما ، لكل منهما أن يعبر عن ذاته الحزبية ، لحركة فتح في القطاع ، ولحركة حماس في الضفة .
في الحالتين ، ولدى الطرفين ، تم ذلك بسبب دوافع سياسية مستجدة أملت عليهما ، إعطاء نوع من التراخي لصالح الخصم – الطرف الأخر ، نتيجة مجموعة من العوامل ، يقف في طليعتها :
أولاً : الحالة الجماهيرية المتشبثة برفض الإنقلاب والمطالبة بالتراجع عنه وإصرارها على إستعادة الوحدة في وجه العدو الوطني والقومي الواحد ، الذي لا يفرق بين مناضلي فتح ومجاهدي حماس .
ثانياً : توصل حماس لإتفاق سياسي أمني غير مباشر مع الإسرائيليين بغطاء من مرجعيتها السياسية والحزبية حركة الإخوان المسلمين في القاهرة ، وهو توجه وخيار يحتاج لحاضنة وطنية تقبل به وتسهل لها هذا القرار وتسويقه شعبياً وعدم الإعتراض عليه فصائلياً ، ولهذا يجب أن تدفع ثمنه بتقديم تسهيلات للأخرين ، وخاصة من فتح التي هي أيضاً لديها قرار مماثل مع الإسرائيليين في الضفة يحمل نفس المضامين ، ولذلك بات الجميع متساوياً في الموقف وفي القرار وفي الإلتزام مع الإسرائيليين ، ولا أحد أحسن من حدا .
ثالثاً : الأحساس الذاتي بالثقة ، فحركة حماس تحكم قطاع غزة ولديها ثقة بعدم قدرة فتح على زعزعة تفردها بالسلطة ، وحركة فتح لديها الثقة أيضاً بنفسها وأجهزتها أن حماس ليس لديها القدرة على زعزعة سلطتها الأئتلافية في الضفة .
رابعاً : قناعة الطرفين أن كلاً منهما وصل لطريق مسدود في مشروعه الذاتي ، فالسلطة في قطاع غزة لا تستطيع الأقلاع نحو تطلعاتها منفردة ، وقد عبر عن ذلك خالد مشعل بقوله " إن منظمة التحرير هي مرجعيتنا " وهذا يدلل على فشل مشروع حماس في أن تكون البديل ، مثلما أن خيارات فتح لوحدها إصطدم بجدار إسرائيل الفولاذي ، التوسعي الإستعماري العنصري المدعوم أميركياً حتى نخاع العظم ، ولذلك لم تستطع تجسيد الإنتصارات السياسية والدبلوماسية ، بصيغ عملية على الأرض ، عبر وقف الإستيطان وتهويد القدس وأسرلة الغور وتمزيق الضفة وشل تماسكها .
الطرفان وصلا لطريق مسدود ، سياسياً ووطنياً ، وكلاهما بحاجة للأخر ، كي تستكمل الذات وحدتها ، وكي يبقى المشروع الوطني الفلسطيني ، سائراً على سكة الوصول مهما بدت المسافة طويلة وصعبة ومعقدة .
نزول رايات فتح في القطاع ، ورايات حماس في الضفة علامة تشجيع ، وتحول نوعي في المزاج ومستجد يجب تأصيله وتعميقه وإستمراريته ، خاصة إذا تم التوصل إلى صيغة سياسية وتنظيمية وإدارية للإحتفال بيوم الإنطلاقة في 1/1/2013 في غزة .
حرية العمل السياسي والتنظيمي للطرفين ، كل منهما في مواقع الأخر ، يجب أن يعقبه إجراء الإنتخابات البلدية في قطاع غزة ، كي يسمح للشراكة أن تفرض نفسها عبر صناديق الأقتراع ، على قاعدة قانون التمثيل النسبي ، الذي يعط لكل الأطراف فرصة الحضور بما يملك من قدرات وتأييد وإنحياز جماهيري ، في مؤسسات صنع القرار ، ولتكن البلديات هي المقدمة لذلك ، لأنها لن تمس بسلطة طرف على حساب الأخر ، بل ستسمح لكليهما أن يتعايشا في المؤسسة الواحدة وفق ما تفرزه صناديق الأقتراع .
على القوى الحية ، وأصحاب الضمير ، ومؤسسات المجتمع المدني ، والفصائل الأخرى ، والشخصيات المستقلة ، وقادة الرأي ، عليهم تحريك جهودهم لإستثمار المناخ المستجد للإنتقال نحو الخطوة التالية ، بعد رفع الرايات الحزبية من الطرفين وفي الموقعين ، في الضفة كما في القطاع .