هل الـرجال الحقـيـقـيّـون يبكـون أيضـاً ؟؟

البكاء بشكل عام هو تعبير عن حالة نفسية داخلية ؛ تدخل العواطف والمشاعر والأحاسيس في تكوينه ؛ ولهذا فهو لايمكن أن يكون محصوراً على جنس دون آخر ، علماً أن جميع الكائنات الحية الأخرى من انسان و حيوان و نبات كلها تحزن وتتألم وتبكي وتذرف الدموع أيضاً، وإن لم نكن نحن البشر لانلتفت لها وهي تبكي ، لكن إن حاول أي منا لإقتراب منها فإنه سيلاحظ بلاشك أن عيونها تكون مغروقة بالدموع ، وإن اقترب منها أكثر فإنه سيشعر أن نفسيات بعضها محطمة مليئة بالأحزان ، وإذا دقق السمع أكثر فإنه سيسمع أصواتها مخنوقة ومبحوحة ، وإن اقترب أكثر واكثر فإنه سيسمع أيضا أنينها ونحيبها، وسيلاحظ كذلك شهيقها وزفيرها ؛ وذلك بسبب سوء معاملة بعضنا لها !! . لكن الشيء الوحيد الذي لايمكن له أن يبكي أو يتأثر بمن حوله هو ؛ الجماد فقط لأنه لايملك أية مشاعر ولا أية احاسيس .

ولهذا فإنه لا غرابة أبداً أن يبكي جميع الرجال وأن تبكي كل النساء ، ولاغرابة أيضاً أن يبكي الكبار وأن يبكي الصغار ؛ لأن البكاء الحقيقي في نظري ماهو إلا مشاعر قوية تكون تسكن في نفوسنا جميعا ؛ تخرج على هيئة دموع حينما نتعرض لموقف ما مؤثر بشكل مفاجىء .

فإذا ماتأثر أحدنا بأمر ممعين سمعاً أو بصراً ؛ فإن كل مشاعره الجياشة وجميع أحاسيسه المرهفة تستيقظ على الفور بطريقة لاإرادية لتقوم بإرسال رسالة عصبية على وجه السرعة الى دماغه ؛ و الذي ما أن تصله حتى نجده سرعان ما يترجمها على الفورعلى شكل ومضات تصل في سرعة البرق الى عينيه طالبة منها ذرف الدموع ؛ بهدف التنفيس عن أنفسنا ؛ حتى نستطيع التخفيف من وقع هول تأثير الصدمة علينا ، أو حين تذكّـرنا لأمر محزن مر فجأة في شريط ذكرياتنا .

علماً أن هذه التصرفات اللاإرادية التي تصدر منّا بين الحين والآخر ماهي إلا من باب رحمة الله سبحانه وتعالى الواسعة بنا لحماية عقولنا من الإنفجار، ولمنعنا من التفكير بالإقدام على الإنتحار .
منوهةً أنني كم كنت ألاحظ أن الكثيرين من المنتحرين و المجانين لم يكونوا يبكون أبداً حينما كانوا يتعرضون لمصائب أو مضايقات أو ازعاجات أو اهانات ؛ بل كانوا دوماً يكبتون مشاعرهم وغضبهم داخل أنفسهم ، ولايسمحون لعيونهم بالبكاء أبداً.

لكنهم ومع تزايد الضغوط عليهم يوماً بعد يوم وشـهراً بعد شـهر وسنة بعد ســنة لم يستطيعوا التحمل؛ فوجدتهم ينفجرون فجـأة عند وصـولهم الى مـرحـلة ( الأوفر لود ) ؛ وهي المرحلة التي تكون فيها درجة الحمل لديهم قد وصلت الى حدها الأعلى ؛ مما دفع بعضهم على انهاء حياته مباشرة بطريقة مأساوية جعلتهم يقدمون على الإنتحار بلا أدنى تفكير ، أما من لم ينتحر منهم فقد حدث عندهم تماس كهربائي في داخل أدمغتهم أدى الى تلف جميع فيوزاتهم ، وأدى الى حرق كل أسلاكهم فانقطع التيار الكهربائي عن عقولهم فأصيبوا بالجنون.

وعلى هذا يمكن لي القول بأن البكاء ليس تعبيراً عن حالة ضعف في الشخصية كما يتوهم الكثيرون من الناس ، وعليه فإنه من الخطأ الكبير أن نظلم الرجال ونقول عنهم أنهم ضعفاء إذا رأيناهم يبكون .
وعلى هذا إذا رأيتم مثلاً رجلاً ما يبكي في حضرة الموت أو في بيوت العزاء فإن هذا لايعتبر ضعفاً منه ، وإذا رأيتم رجلاً آخر يبكي إذا تم سجنه ظلماً وعدواناً فإن هذا كذلك لايعتبر ضعفاً منه ، وإذا رأيتم رجلاً آخر يبكي بسبب اعتداء سلطة حكومية عليه ؛ فإن هذا ليس ضعفاً منه أيضاً ، وإذا رأيتم رجلاً يبكي خوفاً من الله فإن هذا أيضاً ليس ضعفاً منه .... وهكذا .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عينان لا تمسهما النار ؛عين بكت من خشيه الله وعين باتت تحرس في سبيل الله" وقال أيضاً :"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : "......... ورجل ذكر الله خالياً ، ففاضت عيناه " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

أما إن جاز لكم سؤالي عن الرجال الغير حقيقيين ؛ فهم رجال دائموا البكاء ، وهم الذين ترونهم يبكون كل يوم بسبب ومن غير سبب ؛ كالنساء والأطفال الصغار !!.

وفي ختام مقالي أدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعلني واياكم دوماً من المؤمنين الذين تفيض أعينهم دمعاً من خشية الله ، وأدعوه كذلك أن يبعدني واياكم عن الرجال غير الحقيقيين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته