زاد الاردن الاخباري -
كيف انقسم الأردنيون، وخلال ساعة واحدة بين مؤيد لإعتقال السيد عمر المعاني، أمين عمان السابق، وبين معارض لإعتقاله، وبين من يؤيد تصريحات رئيس الوزراء ورئيس هيئة مكافحة الفساد وإجراءاتهم السريعة والمباغتة حول الفساد ومن رفضوا ذلك واعتبروا أن السيد المعاني هو مجرد كبش فداء؟ بالطبع لا نتحدث عن تكفيله، فهذه مسألة أخرى، وأعتقد أنه لا بد، وبشكل أو بآخر، أن يتم تحديد مستويات تهم الفساد ويتم تصنيفها، ومتى يمكن تكفيل المتهم بتهمة فساد، وما هي متطلبات الكفالة التي تضمن حضوره المحاكمة كاملة، ومتى يصبح تكفيله مستحيلا.
في تلك اللحظة، أي لحظة إعتقال السيد عمر المعاني، وخوفا من الزلل والخطأ والظن وإطلاق الأحكام، بدأت أردد لنفسي: لست مؤهلا أن أقاضي عمر المعاني.. لأنني لست مطّلعا على الحقيقة كلّها، نعم، كان عليّ أن أفعل ذلك، فلست ممن يحبون التحدث عن تهمة الفساد التي تُعرض أمام القضاء، وليس في أفكاري ومقالاتي السابقة أحكاماً حول أي شخص، سواء باتهامه أو بتبرئته، وموضوعياً، أرى أن القضية التي تذهب للقضاء، يجب عدم الخوض فيها، لا شرقاً ولا غرباً، لا معها ولا ضدها، حتى يصدر حكماً قطعياً فيها، وثقتي دائماً، بدون تشويه أو مجاملة، أن القضاء يقول كلمة حق، مهما بلغت التهمة، ومن كان يكن المتهم.
في الآونة الأخيرة، بدا أن المجتمعات العربية عموماً، والأردنية خصوصا، قد وقعت بعض فئاتها، في فخ الإختلاف بهدف الإختلاف، وصار من السهولة أن تلاحظ، وللأسف الشديد، هؤلاء الذين يبحثون عن مواضيع يتحدثون عنها ويختلفون فيها وحولها فقط، وكأنّ الحقيقة لم تعد مهمة أبدا عند البعض، فهو ضد الحقيقة أحياناً إذا علم أن من يختلفون معه طوال الوقت، كانوا مع الحقيقة، فأصبحت نظرية فولتير: "قد اختلف معك في الرأي ولكنني مستعد لأن أدفع حياتي ثمنا للدفاع عن حقك في إبداء رأيك"، معكوسة، فأصبح البعض مستعدا أن يدفع حياته ثمناً لتعميق أي فرصة خلاف مُحتملة، بغض النظر عن الحقيقة وقيمتها، وأصبحت معظم مواضيعنا، كموضوع الوحدات والفيصلي أو ريال مدريد وبرشلونة، فإذا ظهر من يطالب بالإصلاح ظهر من يعارض من يطالب بالإصلاح، وإذا قامت الحكومة مثلاً بإصلاح ما، ظهر من يعارض قيام الحكومة بذلك، ثم ظهر من يعارض المعارض، وإذا شاهدنا إجراءات مكافحة الفساد، بدأنا نعارض مكافحة الفساد، وهكذا، كالثورة السورية مثلا، فمن يُصدق أن الأردني، راعي الأخلاق والقيم العربية النشمية، يوافق النظام السوري على سفك دماء الأشقاء العرب الأبرياء ويدافع عن نظام يتجاهل الإعتراف بقتلهم ويدّعي أن الثورة السورية برمتها مزيفة أو ورائها مجموعات مسلحة؟ أليس حبّ الإختلاف، والرغبة في تعميقه هو الدافع والتبرير الوحيد لهذه المشاهد المؤذية والمشاعر المتناقضة؟!؟
نريد الإصلاح الشامل، ونريده إصلاحا سياسياً يشتمل على كل القوانين والتشريعات التي تجعلنا أفضل دول العالم سياسيا، ونريد مكافحة الفساد، وحرقه في أرضه، ونشجع رئيس الحكومة ونشد على يديه الأثنتين، وعلى يد هيئة مكافحة الفساد، في أي إجراء من شأنه محاربة الفساد ومضايقته ومحاصرته، مهما بدا بسيطاً، ونريد إصلاحا إقتصاديا ينتشلنا من الفقر والبطالة وغلاء المعيشة والضرائب، نريد مخططات ومشاريع وإجراءات إصلاحية ناجعة ومؤثرة، ونريد نهضة في المحافظات، وتنمية شاملة فيها، نريد أن نتفق على أن كل خطوة في الإتجاه الصحيح، هي خطوة تسجل لنا جميعاً، لوطننا الغالي العزيز، لأننا متفقون، أن ثمار الإصلاح والنهضة والتنمية، هي الإرث الحقيقي، الذي سنتركه لأبنائنا وأحفادنا.