زاد الاردن الاخباري -
هذا ليس تشاؤما، وليس السبب فقط أننا لا نريد ذلك أو أن هذه الحكومة والتي سبقتها والتي ستأتي بعدها لا يردون ذلك مطلقا، ويضعون مئات العراقيل في وجه تعديلات الدستور وقانون الإنتخاب والأحزاب والتشريعات والقوانين التي تؤدي إلى تنمية سياسية حقيقية تصل إلى قلب وعقل كل مواطن، بل لأن العرب عموما، والثقافة الفكرية العربية لا تقبل الفكر السياسي الذي يؤسس على البرامج والخطط السياسية طويلة المدى، وبالكاد، قد يعنيهم أحزاب ذات صبغة دينية أو عرقية، تؤسس للخلاف والنزاع الطائفي أو العرقي، وتقسم الناس، وتؤجج التحديات والصراعات، وفيما هو عدا ذلك، فإن العرب عموما والأردنيين خاصة، لم ولن ينجحوا في الإنخراط "الشعبي" في احزاب سياسية، على عكس ما نتأمل ونحلم.
لماذا لا نعترف أن التكوين الديموغرافي لمجتمعنا، قد جعل من التجمعات الحزبية مسألة معقدة جدا، ومنذ عام 1956 تقريبا، أي منذ أصبح العمل الحزبي محرما وممنوعا، كان هناك تجارب مريرة جعلت الناس تبتعد شيئا فشيئا عن التجمع أو تقديم أفكار وبرامج ناجعة صالحة للتداول والحكم والمعارضة، ثم شاءت الأقدار أن يأتي قانون الصوت الواحد، ليسلب حقوق التمثيل العادل نهائيا ويقضي على آخر الفرص لأحياء بذرة التنمية السياسية، فجعل من المجتمع مجتمعين، وكرّس حكم الأقلية وحوّل التمثيل السياسي إلى تمثيل خدمي، وساهم في تعميق الواسطة والمحسوبية وأوقع الوطن في شائكة معقدة تمثلت في الجدل حول الهوية وحقوق المواطنة وكذلك أثار مع عاصفته الهوجاء العوجاء، عدوا متحفزا لئيما حاول إستغلال كل ذلك وعلق على لوحتنا كلمتين تركتنا مصدومين متأهبين متوجسين، كتب عليها: الوطن البديل.
هذا ليس تشاؤما، بل مجرد عصف ذهني، رأينا خلاله كيف اضطلعت النقابات المهنية، خلال عقود طويلة بالعمل السياسي نيابة عن الأحزاب، ونجحت، في أوقات كثيرة، أن تؤدي بعض الأغراض والأهداف والبرامج السياسية، ولولا الأصوات التي منعت النقابات من تجاوز حدودها حسب القوانين، لكانت النقابات هي التجمعات السياسية المقبولة لدى الشارع الأردني، وقد يكون السبب معكوسا هذه المرة، قد تكون العقلية الأردنية، التي تعمل من خلال التخصص المهني، قادرة على إستيعاب التجمعات السياسية، لما ينشأ بينها من ألفة وتناغم، دون التعرض للدين أو العرق أو الأصول، بالإضافة إلى القدرة الهائلة على التنظيم وحشد الأفكار والمصالح العامة، وتقديمها بوسائل مقبولة ومعتدلة، في النشرات والندوات والمسيرات والضغط على الحكومات وغيرها.
هل علينا إعادة التفكير بالنقابات كبديل للأحزاب السياسية؟ أو جعل العمل السياسي تنافسيا بينهما مثلا؟ وفتح الباب على مصراعيه لرصد ورؤية النتائج، دون إتهام النقابات والتجمعات المدنية بأية تهمة، بل على العكس دعمها وتشجيعها للولوج إلى المحافظات والقرى النائية والوصول إلى جميع من يحق لهم الإنتساب، وإيجاد نقابات أخرى تضع تحت مظلتها المحرومين من أبناء المهن والعمل المتخصص مهما كان حتى لو كان عاطلا عن العمل.
قد تواجه هذه الفكرة رفضا من قطاعات عديدة، وقد تُحارب من جهات أخرى، وقد يظهر من يقول أن قانوني الإنتخاب والأحزاب في طريقها إلى الإقرار، وهذه الفكرة ستجعلنا نعود إلى نقطة الصفر، وكل ذلك ممكن، ولكن البدء من الصفر، حسب وجهة نظري المتواضعة، والوصول إلى القمة، خير من حلمٍ لن يتم، وخير ألف مرة من السير في الطريق المظلم إلى الوراء.