زاد الاردن الاخباري -
بسم الله و السلام على من اتبعوا الهدى و بعد
ضاق صدري بمقال فؤاد الهاشم و زاد ضيقاً من بعض الردود عليه, و حسبي بوعظ هذا الرجل بقولي: يا هذا أمسك عليك لسانك, و عوِّده الخير, فإن العبد يأتي يوم القيامة ليس عليه شيءٌ أشدّ خِيفَةً من لسانه, و من لا يملك لسانه يندم, فكف لسانك, فإن مقتلَ الرجلِ بينَ فكَّيه, و إياك و النميمة, فلا يدخل الجنة قتّات. و لا تُدخِل على أهل الكويت الأخيار حَوبَة يُِسهبوا بها. و اعلم أنه مَن عَيَبَ نفسهُ شُغِل عن عيب غيره, و من رضي بِقَسمِة الله لم يحزن على ما فاته, و من سلَّ سيفَ البغيِ قُتل به, و من حفر لأخيه بئراً وقع فيها, و من هَتكَ حِجابَ أخيه انكشفت عوراتُ بَنيه, و من نسيَ خَطيئتَه استعظمَ خطيئةَ غيرهِ, و من كابد الأمورَ عُطِبَ, و من أُعجِبَ برأيه ضلَّ, و من استغنى بعقلِه زلَّ, و من تكبر على الناس ذلَّ,و من سَفِهَ عليهم شُتِمَ,, و من أكثر من شيءٍ عُرِفَ به, و من كثُرَ كلامهُ كثُرَ خطؤهُ, و من كثر خطؤه قلَّ حياؤهُ, و من قلَّ حياؤهُ قلَّ ورَعهُ, و من قلَّ ورعهُ مات قلبهُ, و من مات قلبهُ دخلَ النارَ. و إني و الله لأبتعد كل البعد عن الغضب, فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم إذا غضب. و إن آخر ما أرغب به المجادلة, فإنها تحبط الأعمال, و لا أريد تجريح أحد و لا الخوض في أصل أحد, و لكن اعلم يا هذا أن اللهَ ليس بينهُ و بينَ أحدٍ نسبٌ إلا طاعتهُ, فالناس شريفُهُم و وَضيعُهُم في ذاتِ اللهِ سواءٌ, اللهُ ربُّهم, و هم عبادهُ, يتفاضلونَ بالعافيةِ, و يدركونَ ما عندهُ بالطاعةِ. و لا أقصد الإهانة لأحد, و لكن إياك أن تزري بالرجال فيُزرى بك. و إني و الله مستاء من تعليقاتكم على هذا الأمر و زادني استياءً ما لمسته من فقر في تكوين العقل العربي. و ما هذه المداخلة على أمر انضمام الأردن لمنظومة مجلس التعاون الخليجي إلا آهاتِ ألم لتبدل حال العرب من قوم كان الأعمى منهم يرى ببصيرته ما لا يرى المبصر من الأقوام الأخرى ببصره, إلى قوم لا يسمع و لا يرى و لا يقرأ, و إن قرأ لا يفهم.
لماذا لا يرى و لا يعي من يدعي العلم و الفهم تجربة الاتحاد الأوروبي و يأخذ محاسن ما فيها؟ تجربة اتحاد قام بهمم شعوب لا تجمعهم ديانة و لا لغة و لا أصول و لا عادات. اختلفت بينهم المستويات الاقتصادية و الاجتماعية. اتحاد قهر جميع تلك العقبات بهمم متفائلة بحاضر و مستقبل أنقى و أفضل لأولادهم و أجيالهم القادمة. تجاوزوا عن سيئات بعضهم لبعض, و تركوا الانتقام فيما بينهم, و عفوا عن أخطاء الماضي و استغنوا عن الحقد. لزموا معاليَ الأُمورِ, و علموا أن جِماعَها في التغاضي, و أنه مَن لا يتغاضى لا يسلَمُ لهُ صاحِبٌ, و لا يُقربُ مِنهُ جانِبٌ, و لا ينالُ ما تَترقَّى إليهِ هِمَمهم, و لا يظفروا بأملهم, و لا يجدوا مُعيناً حين يَحتاجُ إليهِ احدهم. اتحدوا لأنهم أيقنوا أن في اتحادهم قوة أنصح و أعز لهم من فرقتهم , و على ذلك قام هدفهم. الهدف الذي كان الأمر الوحيد المشترك بينهم. و جاءت الأزمة المالية العالمية لنر كيف بادرت الدول الغنية منهم لمساندة الدول الفقيرة فيهم و كيف ساند و أعان بعضهم بعضا حين احتاجوا إلى العون.
و الله إنه ليفطر الفؤاد اختلاف الشعوب التي تجمعها الديانة و اللغة و أحياناً العادات و التقاليد و أحياناً المصاهرة و القربى و أحياناً- أخرى- الأصول. الشعوب التي أمرها الله عزّ و جلّ بالوحدة و البعد عن التفرقة و البعد عن العصبية وأعلمهم أن أكرمهم عند الله أتقاهم و ليس أغناهم أو أكثرهم جاهاً. مرحى بكل بادرة اتحاد بين شعبنا العربي وقطرنا العربي. مرحى بانظمام الأردن و غير الأردن لمنظومة مجلس التعاون التي يفتخر باتحادها الحبيب و يبغضها العدو و البعيد. ومن المؤكد أنه لا يعترض على مثل هذا الاتحاد إلا من يخشى تعاظم قوت هذا الاتحاد. و صحيح الواقع أن في اتحادهم مصلحة وغاية و إيجابية لكل منهم و تعزيز و قوة و تكامل لجميعهم. لعل كلمة تكامل تعبر عن حقيقة معنى من معاني الوحدة وأهدافها. و كما هو الواجب الديني لمباركة الاتحاد هو واجب أخلاقي و قومي أسأل الله أن يبارك هذا الاتحاد و يؤلف قلوب العرب و قادتهم و أن يجعل كيد الأعداء و الحاسدين في نحورهم، و إني لأذكر قادتنا بالفهم فيما أدلي إليهم و مما ورد عليهم ليقايسوا الأمور و يحكِّموا قلوبهم الممتلئة نوراً و إيماناً و علماً و معرفة و فهماً و نصيحة و اعلموا أن رضا الناس غايةٌ لا تدرك, فويل لعالم أمر من جاهله, و خذوا أُهبةَ الأمرِ قبل حلولهِ, فإنّ ثمرة التواني الإضاعةُ, و كونوا عند رأس كلِّ أمرٍ لا عند ذنبهِ, فإن المُستَقبِل لأمرهِ سابقٌ, و المستدبِرَ لهُ مسبوقٌ, و اعلموا أن ثبات السلطان يؤتى بأربع خلالٍ: المعرفةِ, و حسنِ التّخَيُّرِ, و إمضاءِ الاِختيارِ, و تنكُّبِ أهلِ الحِرصِ. و أذكركم بقول رسول الله عليه الصلاة و السلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" و قوله (ص): "عليكم بالجماعة فإن الذئب إنما يصيب من الغنم الشاردة" و السلام لكم و عليكم ختام القول .
وسام صالح بني ياسين