زاد الاردن الاخباري -
ليست فيلماً هندياً، بل هي قصة قصيرة مأخوذة من أحداث حقيقية وقعت يوم 24 آذار في عمّان، روى لي بعض أحداثها، صديق أثق به، مقرب من أبطالها، ليث وعبدالرحيم.
ليث يبلغ من العمر 25 عاما، أنهى دراسته الجامعية وينتظر التعيين كمدرس، ويبحث جاهداً عن عمل، وأثناء ذلك، وهي فترة ليست بسيطة من الإنتظار، كان يراقب عن كثب، يخزّن هموم الوطن ويحصيها كل ليلة، وعلى مواقع الإنترنت، يجوب صفحات المسيرات والإعتصامات في عمّان ثم الثورات العربية وكان يشارك أحيانا برأيه في بعض الصفحات الإلكترونية، وحين شاهد دعوة 24 آذار، إتصل مع أصدقاءه، كان منهم من يوافقه على التوجه للمشاركة في إعتصام دوار الداخلية ومنهم من لم يهتم، لكنه عقد العزم، وفي وقت مبكر من مساء الخميس، وصل هناك، فانضم إلى المعتصمين، الذين يرفع بعضهم اعلام الأردن، ويهتف بعضهم بسقوط المخابرات وينادي بعضهم بقائمة من الإصلاحات المطلوبة، ومع أنه أعجب ببعض الهتافات، واستهجن اخرى، إلا أن الألفة والمحبة التي نشأت هناك، وبعض الأغاني الوطنية التي يحبها، قد شجعه على الإستمرار وقضاء تلك الليلة الباردة المليئة بالأسرار حتى مساء الجمعة.
عصر الجمعة، كان عبدالرحيم، 33 عاما، شقيق ليث يقضي وقته مع طفليه في بيته الخاص، فجاءه إتصال من صديق، وطلب منه أن يتابع فوراً تقريراً على إحدى المحطات العربية، وذكّره أنه قد أبدى امتعاضه من تلك الإعتصمات، وخلال دقائق، وبعد مشاهدة التغطية الإخبارية الساخنة، إتفق الصديقان، الذهاب بأقصى سرعة إلى دوار الداخلية ومحاولة منع هؤلاء الشباب المعتصمين مما "قيل" أنهم جاءوا لفعله، وخلال أقل من نصف ساعة، اجتمعوا، وركضوا من "دوار فراس" إلى الدوار، فوصلوه مع حالة معقدة من الإرتباك والتشويش، كان هناك من يحاول مهاجمة المعتصمين، ورمي الحجارة عليهم، فتحمسوا وانفعلوا مع الإنفعال الذي كان يسرح ويمرح هناك، فأصبح عبدالرحيم مشاركا يهتف ويصرخ محاولا الوصول للمعتصمين، ثم التقط حجرا ليصيب به أحدا، وحين رفع يده ليضرب، تسمرت يده فجأة، وحاول التركيز فيما يرى، كان شقيقه ليث قد تلقى حجرا في رأسه في تلك اللحظة تحديدا.
حاول عبدالرحيم، المرور عبر الشرطة، الذين كانوا يضربون جدار حماية حول المعتصمين، صارخا "اخوي اخوي"، لكن رجال الأمن لم يفهموا صراخه بل ظنوا أنه يحاول إختراقهم لمهاجمة المعتصمين، وقبل أن يوضح قام أحدهم بدفعه بشدة وضربه الآخر بهراوة حتى وقع، وفي تلك اللحظة فقط، تلاقت عيناه مع عيني شقيقه ليث...، كانت الدماء ..تسيل من كليهما، والفوضى تعبث في كل مكان، أما الشياطين، فكانت تجلس تراقب وتحمس وتصفق لكل من شارك في لحظة الغفلة والإضطراب.
هرب الجميع، وهرب عبدالرحيم وليث.. كل في إتجاه، إتصل كل منهما بالأم الحنون ليسأل عن شقيقه، وحين لم يحصل أي منهما على إجابة غير الدموع والدعاء، راح كل منهما يفتش عن شقيقه..في المستشفيات ومراكز الأمن وحيث يمكن أن تتجمع فيه المجموعة التي يناصرها شقيقه..
بحث الشقيقان..في كل مكان..وسمعوا قصصاً وحكايات..أشياء يمكن تصديقها..وأخرى لا تخطر على قلب إنسان.