زاد الاردن الاخباري -
الاسابيع الثلاثة التي انقضت من تاريخ الاردن تستحق، على رغم ان الوقت مبكر بعض الشيء لاجراء قراءة اولى على اقل تقدير، تمكن من رصد حقيقة ما يجري ومحاولة فهم بعض التغييرات التي حصلت، وان يكن الحديث عن اسبابها يحتاج الى محاولة اعمق للفهم والتحليل، ربما بعد ان تستقر الامور وتتخذ وجها واضحا.
هذه الأسابيع الثلاثة بدأها ثلة من شباب قبيلة بني حميدة في منطقة لواء ذيبان، وهي احد ابرز جيوب الفقر في المملكة، وسيروا 600 رجل وشاب في مسيرة بعد صلاة الجمعة احتجاجا على الحكومة وسياساتها الاقتصادية ومحاولة للفت الانتباه الى حجم الفقر والعوز اللذين اوصلتهم اليهما سياسات الحكومات المتعاقبة.
بعد هذه المسيرة، التي لم تستطع الحكومة ان تتهم حزبا او جهة "مندسة" بأنها وراءها، ولم تلق اليها بالا كذلك، توالت الدعوات عبر المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية للتحشيد لانطلاق مسيرات الجمعة اللاحق في مختلف المدن.
وهو ما جرى في عدد محدود من المدن، وان يكن بصورة اقل مما يتوقع له، نظراً الى ضغط السلطات على الاعلام الالكتروني لوقف ترويج هذه الدعوات، ولتخاذل الاحزاب، سوى حزبين صغيرين، عن الاستجابة لها.
وجاءت اطاحة الرئيس التونسي زيد العابدين بن علي نتيجة تسارع الحراك الشعبي اليومي في تونس، لتعظم تأثير الحراك وتجعل الاحزاب تشد للحاق بالشارع وقيادته قبل ان يكفر بها، ولتتضاعف مسيرة الجمعة الشعبية في عمان من 2000 الى 20 الفا الجمعة الماضي وليزداد عدد المدن المنخرطة في الاحتجاج الشعبي.
والحكومة، التي كانت تتحدث عن قرارات اقتصادية صعبة، غير التي اتخذتها، "تنبطح" امام الشارع وتستجدي رضاه وتقدم له "تنزيلات وعروضا" علها تكبح جماحه.
اوصلت الناس او "الدهماء" كما وصفهم النائب المخضرم عبد الكريم الدغمي الى قناعات وسقوف ما كانوا ليبلغوها سابقا، ولا يمكن التراجع عنها وصارت متنفسا للتعبير عن شرائح واسعة من المواطنين، مثل عمال المياومة والنقابات العمالية والمعلمين المطالبين منذ اشهر بنقابة تحمي حقوقهم وتمثلهم.
امر آخر لافت جرى، او "لم يجر" بتعبير ادق، هو "العنف المجتمعي"، الذي ساد الجامعات والشارع. اذ توقف هذا العنف نهائياً طوال الاسابيع الثلاثة الاخيرة، وكأن ما جرى اخيراً جعل الناس يتلمسون ضالتهم في "حركة بني حميدة" اذا جاز التعبير، لاظهار رفضهم ومخاوفهم من انسداد الافق السياسي الناجم عن ضعف البنى السياسية القائمة وتخلخلها وعجزها عن التعامل مع الملفات الكبرى والصغرى التي تشغل بال الاردنيين محلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً.
اهم شيء ان هذا الشعب الذي خرج في مسيرات واعتصامات، منظمة وغير منظمة، تصرّف بأسلوب حضاري رفيع يثبت انه تخطى سن الفطام السياسي، وليس في حاجة الى وصاية من احد ويستحق ان تقوده حكومة منتخبة يكون هو صاحب الخيار في اختيارها.
وحتى ان لم يكن خياره صائباً، فلديه القدرة على ان يصوّب المسار ويحسّن خياراته وان يأخذ فرصته، أليست هذه هي الديموقراطية؟
اما نتيجة هذا الحراك الذي يطالب بإسقاط الحكومة الرفاعية واجراء اصلاحات حقيقية ومحاربة الفساد، فالبدو مقتنعون بأن "الصبر زين".
وهم عقب تظاهرات كل جمعة يتواعدون على الالتقاء الجمعة اللاحق، ولسانهم يقول: "يا ساكن القصر اسمع ساكن الخشش".
صحيفة النهار اللبنانية