أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
الأمن يحذر من حوادث الغرق نتيجة السباحة بالأماكن غير المخصصة الأرصاد تحذر من السيول والانزلاق على الطرقات السبت دراسة: تحسن الرفاهية والصحة النفسية للأردنيين واللاجئين العراقيين منذ 2020 أسعار النفط ترتفع عالميـا الإسعاف والإنقاذ يواصل انتشال جثامين شهداء من مقابر جماعية في مجمع ناصر الطبي متحدثة باسم الخارجية الأمريكية تعلن استقالتها احتجاجا بشأن غزة فتح باب اعتماد المراقبين المحليين لانتخابات النيابية المعايطة: لن تكون الانتخابات مثالية رسو سفينة قبالة سواحل غزة لتجهيز رصيف لإدخال المساعدات الاحتلال يحبط محاولة تهريب مخدرات إلى الأردن مقتل إسرائيلي بقصف جنوبي لبنان شبهات بسرقة الاحتلال الإسرائيلي أعضاء لضحايا المقابر الجماعية في خان يونس انطلاق منافسات ألتراماراثون البحر الميت اليوم أميركا تعلق على تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات بالجامعات الأردن .. تراجع تأثير الكتلة الهوائية الحارة الجمعة 7 وفيات و521 حادثاً مرورياً أمس بالأردن إعلام عبري يعلن عن حدث صعب للغاية على حدود لبنان الحبس لأردني سخر صغارا للتسول بإربد اليكم حالة الطقس في الأردن ليومي الجمعة والسبت السيناتور ساندرز لنتنياهو: التنديد بقتل 34 ألفا ليس معاداة للسامية
الصفحة الرئيسية تحليل إخباري دراسة: التآكل في العلاقات التركية الإسرائيلية...

دراسة: التآكل في العلاقات التركية الإسرائيلية واستبعاد التغيير الاستراتيجي

14-10-2010 05:25 PM

زاد الاردن الاخباري -

خاص ــ 

إعداد: سلام الربضي، باحث في العلاقات الدولية
 

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات \ بيروت

 



العلاقات التركية الإسرائيليّة تشهد في هذه الفترة الخطيرة حالة من التوتر[2]، رغم المحاولات من أجل تصفية الخلافات القائمة. وقد كشفت العلاقات المتوترة بين البلدين عن نفسها بصورة واضحة عندما اتهمت تركيا إسرائيل بممارسة "إرهاب الدولة" ضد الفلسطينيين. وبالطبع فإنّ هذا الاتهام عكس التوتر في العلاقات بين البلدين خاصة بعد حرب غزة، والانتقادات التركية أصبحت أكثر حدّة تجاه إسرائيل منذ احتلال العراق، لتعبّر عن الاستياء التركي من السّياسة الإسرائيليّة في العراق وفلسطين ولبنان[3].

 

وتثير تركيا في حركتها الناشطة إقليمياً لتصفية الخلافات وعقد التفاهمات، أسئلة متباينة الاتجاهات من قبيل:

 

 

- هل تركيا تسعى إلى محور إستراتيجي إقليمي يجمعها بسوريا وإيران ويبعدها عن إسرائيل؟

 

- هل خيار تركيا الاستراتيجي قائم على رغبتها في تراكم الإحلاف للتقدم إستراتيجياً ؟

 

- هل تكون الحركة التركية الجديدة منسقة وغير بعيدة عن الإستراتيجية الأميركية مع الاحتفاظ بقدر  

   من الحرية للمناورة في الجزئيات والتفاصيل؟



تساؤلات تطرح ولا تكون الإجابة عليها ممكنة إلا انطلاقاً من التذكير بمسلمات أساسية وتحليل الوقائع مما يساهم في فهم المشهد المستجد في العلاقات الإقليمية التي تنسجها تركيا واثرها على الإستراتيجية الإسرائيلية. 

 

 

 

المبحث الأول: كردستان العراق ولعبة تبدل المصالح والأثمان

 

تركيا تجد أنّه كلما ازداد التغلغل الإسرائيلي في العراق وتحديداً شمالاً فإنّ ذلك سوف ينعكس سلباً على المستوى الأمني والسّياسي وعلى دورها الإقليمي. والمصالح الإسرائيليّة في شمال العراق المتمثّلة بدعم الأكراد تأتي من منطلق احتواء الخطر على وضع إسرائيل الإستراتيجي؛ فإسرائيل تشعر بالدّرجة الأولى بأنّّّها مهدّدة من إيران سواء على صعيد برنامج التسلح الإيراني أو تعزيز إيران لموقعها الإقليمي، وتحاول من خلال الورقة الكرديّة إيجاد توازن إستراتيجي مع النفوذ الإيراني في جنوب العراق.

 

وإذا أردنا معرفة مدى تغلغل النفوذ الإسرائيلي في شمال العراق، فما علينا فعله سوى تتبع مسار العلاقات التركية الإسرائيليّة في الآونة الأخيرة، حيث أصبحت تركيا تنظر باستياء شديد لمدى تدخل وتكثيف الوجود الاستخباراتي العسكري والاقتصادي الإسرائيلي في شمال العراق. وهذا ما قد صرّحت به الحكومة التركيّة على لسان رئيس الوزارء التركي أردغان منذ احتلال الولايات المتحدة للعراق. 

ولقد تمّ نشر الكثير من التقارير التي تحدّثت عن قيام إسرائيل بتدريب الميليشيات الكرديّة في شمال العراق، وتورّطها في عمليّات سرّيّة بدول مجاورة ممّا أدّى إلى مزيد من التوتّّر في العلاقات التركية الإسرائيليّة. ورغم نفي كل من إسرائيل والقيادات الكرديّة في شمالي العراق لهذه التقارير، فإنّ تركيا لم تقتنع خاصة مع ورود تقارير أخرى أشارت إلى قيام إسرائيل بإرسال عملاء لها داخل إيران للحصول على معلومات عن برنامجها النووي[4].

 

حقيقة المصالح الإسرائيليّة في دعم الأكراد تأتي من منطلق تشتيت القرار السياسي والأمني القومي في العراق، وتوزيع الامكانيّات الاقتصاديّة والعسكريّة على أكبر عدد ممكن من الجبهات لتبقى الجبهة الشرقيّة لإسرائيل أكثر أمنا. وتحاول إسرائيل من خلال التغلغل في شمال العراق سدّ الفراغ السياسي والأمني في حال لم تستطع الولايات المتحدة الأميركيّة السّيطرة على العراق أو فشل مشروعها فيه. ومن هذا المنطلق يجب على إسرائيل أن تبحث عن خيارات وبدائل استراتيجيّة لها تحسّباً لأيّ مستجدّ، وهو ما تجده في كردستان شمال العراق [5].

 

ومن منظور إستراتيجي أمني وسياسي، فإنّ التواجد الإسرائيلي في شمال العراق يعتبر بمثابة ورقة ضغط على كلّّ من سوريا وتركيا وإيران، وخاصّة على المستوى العسكري والأمني حيث أصبحت عملية التجسّس الإسرائيليّة من خلال الأجهزة المتطوّرة أكثر خطورة على تلك الدّول أو من خلال ما يمكن القيام به على صعيد اللّعب بالورقة الكرديّة سياسياً. وتنامي الدّور الإسرائيلي عبر البوابة الكرديّة، والدّور الإيراني عبر البوابة الشيعيّة، يعني أنّ اسرائيل وإيران هما اللاعبان الأساسيّان في العراق بعد الولايات المتحدة [6].

 

إسرائيل تعمل في شمال العراق وفقاً لما يخدم مصالحها، ومن الطبيعي أن تكون متضاربة مع المصالح التركية فهل سينعكس ذلك على التحالف الاستراتيجي التركي الإسرائيلي؟ وهل هذا الواقع سوف يجعل الولايات المتحدة الأميركيّة مضطرة للاختيار ما بين مصالح إسرائيل في شمال العراق وبين تركيا، حليفتها الإستراتيجيّة؟

 

دائماً تطرح فكرة أن أمام أميركا خياراً واحداً فقط حين يتعلق الأمر بتركيا وكرد العراق، وهو أنه يجب أن تدعم تركيا على حساب الكرد. هذا الطرح يؤمن به كثيرون في تركيا والمنطقة عموماً والجدل حول هذا الموضوع لم يتوقف منذ قررت الولايات المتحدة إقامة الملاذ الآمن لكرد العراق في ربيع 1991 ودعمها الضمني لتحوله لاحقاً إقليماً لكردستان العراق خارج سلطة بغداد قبل أن يكتسب الإقليم الشرعية بموجب الدستور العراقي الذي أقرّه الشعب في استفتاء 2006، وهذا الجدل اكتسب طابعاً حاداً بعد رفض تركيا مرور القوات الأمريكية عبر أراضيها لاحتلال العراق[7].

 

من دون الخوض في إشكالية علاقة الولايات المتحدة مع الأكراد وتركيا، فمن الخطأ تأكيد صحة الافتراض القائل أن التحالف الأمريكي التركي يجب أن يعني دائماً ضمناً أو مباشرة، أنه على حساب كرد العراق [8]. وهذا لا يعني بالضرورة صحة افتراض معاكس مفاده أن مصلحة أميركا في التحالف مع الكرد على حساب تركيا. الأصح يتمثل في أن التحالف الأمريكي التركي يمكن أن يعزز أكثر المصالح الإستراتيجية لتركيا في المنطقة، إذا أصبح كرد العراق طرفاً ثالثاً فيه [9]. 


الأكيد أيضاً أن تحقيق الاستقرار والحدود الآمنة بين تركيا وإقليم كردستان يخدم مصالح العراق، إذا أخذنا بالاعتبار الانعكاسات السلبية التي يسببها أي توتر بين تركيا والإقليم الذي هو جزء من العراق على العلاقات بين العراق وتركيا. كذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة االتي لها مصالح مشتركة وبعيدة الأمد في العراق، ويهمها إقامة علاقات إستراتيجية بين العراق وتركيا.

 

ولكن هل تسمح حكومة إقليم كردستان لحزب العمال الكردستاني أن يقف عائقاً أمام تحالف ممكن مع تركيا وأميركا يخدم مصالحها على المدى البعيد؟

 

أن آفاق مثل هذا التحالف يستحق من إقليم كردستان العراق تفكيراً براغماتياً وجهداً حقيقياً، لإيجاد السبل الكفيلة بالوصول إلى هذا الهدف الإستراتيجي[10]. وهذه الرؤية تبقى مرتبطة بمقاربة إسرائيل لهذا الواقع على علاقتها مع الأكراد، وكيفية تقيّيم إسرائيل لما يجري في شمال العراق على مصالحها الإستراتيجيّة وأمنها القومي، وتحديداً ما بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني. كما أنّ الخطر الإيراني سيكون هو العامل الرئيسي في تحديد خيارات إسرائيل الإستراتيجيّة في تلك المنطقة. 

 

أنها قد تكون لعبة تبدّل المصالح والأثمان حيث تتخوف إسرائيل من قدرة إيران على الخروج من أزمتها النوويّة مع مجلس الأمن والولايات المتحدة الأميركيّة بأقل الأضرار، مما يترتّب على إسرائيل ضرورة اتخاذ قرارات قد تكون صعبة للغاية[11].


وفي هذا الإطار تحاول إسرائيل تحريض تركيا على إيران، معتمدة على ملف الدعم الإيراني لحزب العمال الكردستاني من أجل أن تلعب تركيا دوراً في تسهيل ضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة [12].
فمنذ توقيع الاتفاقية الإستراتيجية بين البلدين في عام 1996، كانت تسعى إسرائيل إلى تحقيق عدة أهداف إستراتيجيّة من جرّاء تعاونها الإستراتيجي مع تركيا، من أهمها الضغط على إيران حيث ترى إسرائيل فيها قوّة إقليميّة تشكل خطراً عليها في حال استطاعت إيران امتلاك القنبلة النّووية. بالإضافة إلى أنّ إيران تمتلك بنية عسكريّة متقدّمة وأسلحة دمار شامل وأسلحة كيماويّة. كما أنّّها دولة مصنّّّّعة للأسلحة وبالذّات الصّواريخ البالستيّة، يضاف إلى ذلك أنّ إيران هي داعم رئيسي للمقاومة في لبنان وفلسطين[13].

 

 

المبحث الثاني: السياسة التركية الجديدة كقوة ناعمة ومؤثرة في محيطها



منذ وصول الإسلاميين للحكم في تركيا تحاول الحكومة التركية القيام بجهود دبلوماسيّة بارزة لتدعيم العلاقات التركية مع العالم الإسلامي والعربي، والتي شابها الكثير من التوتر بسبب تنامي العلاقات الإسرائيليّة التركية [14]، حيث قامت أنقرة بتسوية خلافاتها مع سوريا وأصبحت هي الوسيط في مفاوضات السلام بين إسرئيل وسوريا كذلك عملت على توثيق علاقتها التجارية مع سوريا من خلال الغاء تأشيرات الدخول بين البلدين [15]. وعلى الرغم من التطورات الإيجابية التي أصابت العلاقة بين سوريا وتركيا في العقد الأخير من القرن الماضي وحتى اليوم. 


ولكن،هل يمكن القول أن البلدين قد تحررا من الصور والمدارك النمطية [16] التي كانت سائدة بينهما؟ وهل التقارب الحالي يوصلهما إلى مرحلة العلاقات الإستراتيجية القابلة للاستمرار؟ [17].


استشراف العلاقة بين الدولتين عمل محفوف بالمخاطر وبمثابة تأمل استباقي للمستقبل، لأسباب تتعلق بخلفيتهما التاريخية وسياستهما الخارجية، بالإضافة إلى البيئة الإقليمية والدولية وبيئتهما البينية. وتتركز العلاقات التركية السورية في الشؤون الإقليمية والدولية من دائرتي نشاط رئيسيتين هما: المنطقة العربية وما يربطها بالصراع العربي الإسرائيلي، والعلاقة بأوروبا والولايات المتحدة الأميركية[18]. وأنّ الانفتاح العربي على تركيا قد ساعد على إعادة الدّفئ في العلاقات العربية التركية. ولقد جاءت الخطوة السّياسيّة والدبلوماسيّة العربية في تأييد وصول تركي لرئاسة الأمانة العامة لمنظمة العمل الإسلامي محاولة ناجحة نحو اعطاء تركيا دور على المستوى الإقليمي والإسلامي[19].

 

على الرغم من انزعاج إسرائيل كثيراً من العلاقات الإستراتيجية الجديدة بين تركيا وسوريا من ناحية وعلاقاتها المتميزة مع إيران والعراق من جهة أخرى، فإن تلك البلدان لم تحتج على طبيعة العلاقة بين تركيا وإسرائيل، ولم تضع علاقة تركيا وإسرائيل في الميزان[20]. وتركيا تسعى وبكل جدية لاحتلال موقع متقدم في الشرق الأوسط كانت قد افتقدته منذ قرن تقريباً، وهي تأخذ بعين الاعتبار النفوذ الإستراتيجي الأمريكي في المنطقة. 

 

وتركيا تراقب تطور الاوضاع وتعلم أن أميركا رغم دخولها المباشر عسكرياً إلى المنطقة منذ عقدين واحتلالها للعراق، فهي لم تستطع أن ترسي الاستقرار بالمنطقة وفي افغانستان. وتركيا في علاقاتها الخارجية تجاوزت خلافاتها التاريخية وخلافات جيرانها البينية، بدءاً من إيران والعراق وسورية حتى إسرائيل وأرمينيا وأذربيجيان واليونان، عبر شراكات وتفاهمات سياسية واقتصادية، فمثلاً سعت تركيا لتجاوز صراعها التاريخي مع أرمينيا عبر شراكات اقتصادية والتوسط في حل مشكلة إقليم ناكورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجيان[21].


تحاول إسرائيل إثارة الأكراد ودفعهم للمطالبة بدولة مستقلة على حساب الدول الثلاث، إيران وتركيا وسوريا، وإسرائيل تقدم مساعدات مختلفة لحزب العمال الكردستاني التركي. الأمر الذي عملت أنقرة على إحباطه، من خلال اتخاذ بعض المبادرات الإدارية والثقافية والاقتصادية لصالح الأكراد، وكان من آخر تلك المبادرات إنهاء الحبس الانفرادي لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وكذلك السماح لعودة بعض المقاتلين الأكراد لتركيا [22].

 

هذه السياسة الجديدة تحمي حدود تركيا من الأخطار المحتملة، وبخاصة النزعات الكردية الانفصالية، لإنقاذ وتفعيل دورها كقوة ناعمة ومؤثرة في محيطها، ولتحقق لها مصالحها التي تتجاوز أو تجاوزت بها أزماتها الاقتصادية التي سيطرت عليها لعقود. فالعثمانية الجديدة ليست أصولية ماضوية، قدر ما هي إعادة توجية للبوصلة الكمالية خارجياً وداخلياً بدرجة ما، عبر ضبط المسافة يبن المصالح المختلفة والمنافع المشتركة مع أطراف مختلفة ومتصارعة. وقد تكون هذه السياسة التركية المتبعة من قبل حكومة ذات أصول إسلامية، لم يبقى فيها من هذه الإسلامية سوى الضئيل الذي لا يرضي الإسلامية العربية ولو قليلاً، وهي قد تكون العلامة الأولى والأبرز في مرحلة ما بعد الإسلمة، بعد فشل الإسلام السياسي [23].


لا بد من طرح إشكالية الخيار الاستراتيجي لتركيا والمقاومة الفلسطينية اليوم مع بروز الدور التركي في المنطقة باعتباره رافعة للإسلام السني، في ما إذا كانت حركة المقاومة في فلسطين ستبقي على الرافعة الإيرانية؟ أم أنها ستجد في الحاضنة التركية الجديدة فرصة للقفز إلى الضفة المحاذية من النهر؟ قد يرتبط ذلك الخيار الاستراتيجي على المدى البعيد، بتصور الأتراك أنفسهم لدورهم في منطقة الشرق الأوسط وأبعاده المختلفة، ومدى تفكير الحركة المقاومة باستدارة إستراتيجية في تصوراتها ومواقفها السياسية الكبرى[24].

 

لقد تصاعد الدور الإقليمي لتركيا في الشرق الأوسط وجاءت حرب غزة لتؤكد هذا الدور، وهي حلقة من حلقاته بعد رعايتها للمفاوضات السورية الإسرائيلية في العام 2008، وهي تعتمد بالأساس على التوازن، والقيام بدور الوسيط لا الطرف وعلى الشراكة مع أطراف الصراع. فهناك شراكة تركية مع سوريا في مجالات مختلفة، وأيضاً الشراكة العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل مستمرة [25].

 

كما أن مواقف تركيا السياسية، وتتمتعها بميزات جغرافية، يؤهلها للأضطلاع بدور كبير في معالجة ثلاث نزاعات خطيرة، ارتسمت منذ أوائل عام 2009 وهي: غزة، والخلاف الروسي الأوكراني على الغاز. وتردي العلاقات الدولية المتصل بالمسألة النووية الإيرانية، ويمكن لتركيا على نحو حاسم الإسهام في إيجاد مخرج للمسائل المتفجرة كلها [26].


وقد يكون لتركيا دور على صعيد أزمة الغاز الأوروبي، حيث يمكن امداد الاتحاد الأوروبي بالغاز الروسي عبر مضاعفة طاقة نقل الغاز من تركيا إلى غرب أوروبا [27] أي طاقة مشروع "نابوكو". ولماذا لا يتم نقل الغاز الإيراني الإضافي إلى الغرب؟

 

فإذا كان بوسع غاز أذربيجيان بلوغ الأناضول ثم أوروبا من طريق جورجيا، فغاز تركمانستان وغاز كازاخستان بالأحرى يقتضي حلاً آخر [28]، وهذا يؤمن الاكتفاء الأوروبي من الغاز على ثلاث دعائم هي المغرب وأوراسيا الشمال السلافية وأوراسيا الجنوب التركية الإيرانية [29]. ومن أسباب الدخول التركي على خط الأزمة في المنطقة هو إرسال رسائل إلى أوروبا مفادها: أن الحضور والدور الإستراتيجي التركي المتنامي في الشرق الأوسط ستستفيد منه أوروبا، إن هي وافقت على ضم تركيا إلى ناديها. وتسعى تركيا لاسترداد مكانتها ودورها في العالمين العربي والإسلامي إن سدت أوروبا أبوابها في وجه انضمامها للاتحاد الأوروبي [30].

 

وعليه كي لا تبقى تركيا "محرومة من دخول المسجد والكنيسة" على حد وصف المثل الكردي، اتجهت لاستثمار المشاكل والأزمات في المنطقة والارتداد إلى توظيف خلفيتها الإسلامية والشرق أوسطية، بعد أن قضت أكثر من نصف قرن وهي تحاول الإنضمام للنادي الأوروبي [31].

 

 

المبحث الثالث: مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية وتجاوز مصالح الدولتين



نتيجة الوقائع المستجدة منذ احتلال العراق والتطور الملحوظ في مقاربة تركيا لمصالحها الإستراتيجية يبقى التساؤل كيف ينعكس ذلك التطور على العلاقات التركية الإسرائيلية؟ فهل ستزداد وتيرت التوتر في العلاقة بين البلدين وصولاً إلى الانحدار الحاد ومن ثم القطيعة؟


السياسة التركية الجديدة تعمل على كسب المزيد من الأصدقاء ولا ترغب أن يكون لها أعداء جدد أو أن تبني علاقاتها الجديدة على أنقاض بعض الأصدقاء الآخرين وخاصة إسرائيل، لأن ثمن ذلك قد يكون باهظاً على عدة مستويات ومجالات، وبالرغم من ردود الفعل التركية المتعددة إزاء الممارسات والمواقف الإسرائيلية المختلفة ومواقف الرأي العام المتشنجة في كلا البلدين وخاصة بعد أزمة قافلة الحرية. ولكن ما زالت الحكومتان تحافظان على علاقتهما الاقتصادية والعسكرية إلى حد ما في جميع المجالات، إذ لم تقم تركيا مثلاً بإلغاء أو تجميد عقود التسليح أو الدفاع أو التجارة مع إسرائيل بشكل نهائي، وهو أيضاً حال العلاقات الدبلوماسية بين البلدين [32].

 

لا يبدو أن لكلا الطرفين مصلحة في تعميق الخلافات القائمة بينهما أو تطوير مداها ومضمونها بغض النظر عن حجم الضرر أو استفادة هذا الطرف أو ذاك، بل إن أمر العلاقات التركية الإسرائيلية ومستقبلها على ما يبدو قد يتجاوز مصلحة البلدين [33]. إذ أن توتر العلاقة أو القطيعة بين الطرفين قد يُلحق الضرر بكثير من الأطراف الدولية والإقليمية ومنها العربية، وبالتحديد سوريا، فإذا رغبت تركيا الدخول على خط مفاوضات السلام الإسرائيلية العربية ينبغي أن تكون لديها علاقات جيدة مع هذه لدولة[34] .


تركيا على يقين أن أميركا لن تستطيع في المستقبل أن تستمر مستفردة بقرار المنطقة، لذلك اتجهت لاعتماد إستراتيجية خاصة بها في المنطقة لا يكون فيها ارتباط عضوي كلي مع الولايات المتحدة، ولا يكون فيها أيضاً مواجهة أو عداء لأميركا حتى في إطار علاقتها مع إسرائيل. ويعي أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركية، وهو المنظر الاستراتيجي التركي أهمية تركيا الاستراتيجية لواشنطن. حيث يحاول الربط بين مصالح تركيا الوطنية وتحقيق المصالح الأميركية في قوس جغرافي كبير، ممتد من آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط وحتى شرق المتوسط. ويسند دائماً سياسات تركيا الخارجية إلى تناغمها مع المصالح الأميركية، إذ إن تحقيق تركيا لمصالحها في جوارها الجغرافي يعني تحقيق الولايات المتحدة لمصالحها. 

 

هذا الواقع ملموس من خلال تتبع الموقف التركي من القضية الأذربيجانية حيث أن سياسة تركيا حيال الصراع الأذربيجاني_الأرميني وانحيازها لمصلحة أذربيجان، من منطلق أن ضعف أذربيجان المهمة جغرافياً والغنية بموارد الطاقة، سيخسر التحالف الأطلسي التوازن في كامل القوقاز وآسيا الوسطى لمصلحة موسكو وتحالفاتها وبالتالي إضعاف للنفوذ الأمريكي[35].

 

كما أن قدرات تركيا الاقتصادية والعسكرية وتحالفاتها الدولية لا تؤهلها مع ذلك للعب دور إقليمي في كل جهات جوارها الجغرافي، سواء في البلقان أو القوقاز أو الشرق الأوسط أو البحر الأسود وحتى شرق المتوسط، إذ لا يستطيع لعب هكذا دور سوى القوى العظمى، وهي بديهة من بديهيات العلاقات الدولية.وتحاول تركيا أن تخفف من أعباء علاقتها مع إسرائيل حتى تتمكن من ممارسة دور الدولة الإقليمية الكبرى في محيطها. وتركيا تعمل على إمكانية الحفاظ على علاقتهم مع الولايات المتحدة دون المرور بإسرائيل [36].


وفي المنظور الإستراتيجي الإسرائيلي والأمريكي تركيا تشكل ركناً لا يستغنى عنه في أي إستراتيجية تعد للشرق الأوسط، وحاجة يفرضها الموقع الجيوسياسي لتركيا من وجوهه الأساسية خاصة الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية والسياسية فضلاً عن العسكرية. والولايات المتحدة باتت مدركة للصعوبات التي تواجهها في المنطقة وترى في تركيا احتياطاً إستراتيجي يمكن الركون إليه ليشكل عامل استقرار وحاجة ملحة في الأزمات المعقدة  [37].

 

ولتدعيم الدّور الإسرائيلي في الشرق الأوسط ترى إسرائيل أنّ توطيد علاقاتها الإستراتيجيّة مع تركيا، من شأنه أن يدعم دورها الإقليمي في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة والأمنيّة، على الرغم من كل ما تشوب العلاقات بين البلدين حالياً من شوائب. إذ أنّ تلك العلاقة تمنحها بطاقة دخول رسميّة أخرى غير معاهدات السّلام العربيّة الإسرائيليّة، إلى منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى عبر دولة إسلاميّة. كما أنّ تعاونها الاقتصادي مع تركيا سيمنحها القدرة على طرح نموذج لكيفيّة التعاون بين دول المنطقة. إضافة إلى سعيها لمواجهة الدول الإقليميّة في المنطقة وهي إيران،سوريا، مصر، والسعودية التي قد تحاول إيجاد نوع من التوازن الإستراتيجي مع تركيا وإسرائيل.

 

وتعلق اسرائيل آمالاً من خلال توطيد علاقتها مع تركيا، على أن تكون بوابة دخول لها إلى الدّول الإسلاميّة في آسيا الوسطى، حيث الموارد الاقتصاديّة الهامّة هناك، وبخاصّة البترول وذلك لأنّ تركيا تربطها بتلك الدول علاقات دينيّة وتاريخيّة وقوميّة وجوار جغرافي [38].

 

الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية تتقن فن الواقعية السياسية والعمل على محورين حتى ولو كان اتجاههما الظاهر متعاكساً. حيث لا يتم الدخول في لعبة سياسة آحادية الاتجاه، بل يتم الاعتماد على الثنائية القائمة على اتجاه رئيسي للحركة المباشرة واتجاه فرعي أو غير مباشر مرادف لبعض القوى الإقليمية صاحبة القدرة على المناورة وصاحبة المصلحة في العمل ذاته. وتطبيقاً لهذا المبدأ فان إسرائيل والولايات المتحدة قد لا ترى خطر إستراتيجي في التحرك التركي الجديد في الشرق الأوسط وتحديداً باتجاه سوريا وإيران، والدخول المباشر على خط القضية الفلسطينية لانتاج تفاهمات إستراتجية معهما، ولا يكون هذا التحرك في نهاية المطاف خطراً إستراتيجياً على كلا الدولتين. 

 

التفاهم التركي الإيراني السوري بأبعادة اللبنانية والفلسطينية قد يشكل نافذة آمنة للولايات المتحدة وإسرائيل في مرحلة تمهيدية وانتقالية نتيجة الوقائع المستجدة في المنطقة، سواء على صعيد اخفاق الولايات المتحدة في العراق وافغانستان من جهة أو على صعيد اخفاق إسرائيل في مواجهة المقاومة في الجنوب اللبناني أو المقاومة الفلسطينية في غزة. تمهيداً لكسب وقت تحتاجه تحديداً إسرائيل، من أجل إعادة رسم وتحديد إمكاناتها العسكرية واستخلاص العبر من إخفاقاتها العسكرية السابقة.


والولايات المتحدة وإسرائيل حريصتا على علاقاتهما الإستراتيجية مع تركيا والتحرك التركي ونتائجه قد تقدم لهما اهداف إستراتيجية منها :

 

أولاً: إقامة التوازن مع إيران على مسرح المشرق العربي .

 

حتى لا تبقى وحدها من الدول الإسلامية ممسكة بهذا الملف، من حيث دعم الفلسطنيين ونقد المواقف العربية المتعاجزة في مواجهة إسرائيل. ولكن هذا الطموح أمامة عقبات كثيرة، أقلها ما يتأتى عن الواقع الجغرافي ووجود قوى مقاومة أساسية، لا يمكن أن تقدّم تركيا على إيران، ولو كانت لا ترفض مساعدة الطرفين معاً. كذلك الآمر فيما يتعلق بتركيا فهل من مصلحتها الإستراتيجية لعب مثل هذا الدور وهل تضمن إسرائيل تركيا على هذا الصعيد الإستراتيجي ؟


ثانياً: تقديم فرصة لسوريا للتخفيف من اعتمادها على إيران كحليف إستراتيجي. 

 

وهذا المنطق تعول عليه إطراف عدة بشكل بالغ لأنه يشكل المدخل الفعلي لاراحة إسرائيل، عبر تشتيت جبهات المقاومة المدعومة من إيران. ولكن يبقى دون هذا الطموح الإستراتيجي عوائق لا يستهان بها، منها ما يعود إلى طبيعة العلاقة ومنها ما يعود إلى الإستراتيجية السورية، التي ترى قوتها تكمن في ذاتها واتساع مروحة تفاهماتها أو تحالفاتها، الآمر الذي يمنعها من الدخول في عملية الإستبدال ويدفعها في عملية التراكم التحالفي [39].


ثالثاً: إسرائيل لا يمكنها في ظل الواقع الحالي الاستغناء أو التفريط بعلاقتها مع تركيا.

 

وقد تكون مضطرة لمراعاة بعض المواقف التركية وتفهمها صوناً لهذه العلاقة. وهنا قد تستفيد أميركا من الآمر دون أحراج لها. فإنشاء قوة ضغط إقليمي على إسرائيل دون أن تتسبب في أحراج الإدارة الأميركية أمام الكونغرس أو الهيئات الاخرى التي تخضع بشكل أو بآخر لضغط اللوبي اليهودي. والولايات المتحدة قادرة لو شاءت الضغط مباشرة على إسرائيل لتدفعها لفعل ما _ خاصة بعد العام 2006 [40]_ لكنها لاتريد ذلك حتى لا تضعف إسرائيل ولكي لا تنكشف اكثر أمام الدول العربية المتحالفة معها.

 

أمريكا تريد إسرائيل القوية المنيعة ولكن المنضبطة نوعاً ما، وقد يأتي الموقف التركي في هذا السياق وبتقاطع مصالح مع جميع الأطراف دون استثناء. لهذا يأتي الضغط التركي على إسرائيل منحصراً في الشكليات والجزئيات، أما الأساسيات فلن تكون محلاً له حتى اشعار آخر أو تغير جذري في المواقف الإستراتيجية التركية.

 

الظروف المستجدّة منذ احتلال العراق قد تنعكس على مصالح إسرائيل وتركيا الإستراتيجيّة ممّا قد يتطلب إعادة النظر من قبل الحكومة التركية لسياستها المتّبعة وذلك مع دخول تركيا مرحلة جديدة من حوارها مع أوروبا مستقبلاً حول البدء في مرحلة مفاوضات العضويّة، إذ إنّ تركيا ستكون مضطرّة للبدء في الانسجام مع المعايير الأوروبيّة في السياسة الدوليّة، وفي مقدّمتها إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل تماماً كالولايات المتحدة.

 

وتدرك تركيا أنها مقبلة خلال مفاوضات العضويّة على مطالب أوروبيّة حسّاسة منها الاعتراف بالإبادة الأرمنيّة على الرغم من توقيع اتفاقية سلام مع ارمينيا عام 2009 [41]. وقد تلعب إسرائيل دوراً من خلال علاقاتها ونفوذ اللوبي اليهودي في أميركا وأوروبا في مواجهة بعض هذه المطالب التي تؤرق تركيا. والتنسيق الأمريكي التركي موجود على صعديد تصفية الحكومة التركية لتمرد حزب العمال الكردستاني شمال العراق، من الطبيعي إلا يأتي هذا التنسيق خارجاً عن الإرادة الإسرائيلية[42].

 

الخاتمة 

على الرّغم ممّا طرأ على تلك العلاقات الإسرائيليّة التركيّة من مستجدّات، الا أنه من المستبعد أقله حالياً أن تكون هناك حالة تغيّر إستراتيجي من قبل الطرفين في علاقاتهما الإستراتيجيّة. وهناك سياسة تركية جديدة مفادها إبعاد تركيا عن سياسة المحاور وإقامة علاقات جيدة مع جميع القوى الإقليميّة والدوليّة بالقدر الممكن. وفي هذا السّياق كان الانفتاح التركي على سوريا وإيران وروسيا وقبرص وارمينيا، وإذا كان من المفترض اعتبار ذلك تقليص للعلاقات مع إسرائيل، الا أنّ التعاون بين تركيا وإسرائيل لم ينقطع بشكل نهائي وما زال مستمراً.

 

كما إن تمتين العلاقات التركية الإسرائيلية من شأنها زيادة نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط نتيجة علاقاتها الإستراتيجيّة مع كل من تركيا وإسرائيل. والعديد من المعطيات تؤكد استمرار العلاقة الإستراتيجية بين إسرائيل وتركيا، منها الإعلان عن مشروع تركي- إسرائيلي مشترك لمد أنابيب نفط وغاز إلى الهند من بحر قزوين مروراً بمرفأي جيهان التركي وإيلات الإسرائيلي. 

 

هناك خطط وضعت موضع التنفيذ أهمها مشروع القرن الإستراتيجي الذي تشكّل تركيا محوره الأساسي Med Stream Project الذي تفوق كلفتة 12 مليار دولار. الذي يربط البحور الأربعة، قزوين والأسود والمتوسط والأحمر، ويساعد على ربط منطقة آسيا الوسطى بالشرق الأوسط ضمن رؤية تركيّة لدور محوري في مشروع طاقة أكبر يمتد من الصين شرقاً إلى أوروبا غرباً ومن تركيا شمالاً إلى الهند جنوباً التي انضمت إلى المشروع في نهاية 2008. ويتضمن من ضمن ما يتضمن أنابيب لنقل النفط والغاز والماء والكهرباء والألياف الضوئية من تركيا إلى إسرائيل[43].

 

المؤكّد أنّ هناك تآكلاً في العلاقات الإستراتيجيّة بين تركيا وإسرائيل. ولكنّ إسرائيل تدرك أنّ تركيا مازالت تعتبر إسرائيل شريكاً إستراتيجياً لها في الشرق الأوسط، وأنّ هناك مصالح إستراتيجيّة قويّة تربط بين البلدين. ورغم مخاوف إسرائيل من التقارب التركي مع كل من سوريا وإيران، فإنّها تراهن على عدم قيام تركيا بمراجعة علاقاتها الوثيقة بإسرائيل على الرغم من التوتر الحاصل في العلاقات بين البلدين، حتى لو وصل الآمر إلى درجة تخفيف مستوى التمثيل الدبلوماسي أو لو حتى تم تجميدها.


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات \ بيروت





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع