زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - شهد اللقاء اليتيم الذي جمع قبل أسابيع قيادة جماعة الإخوان المسلمين الأردنية برئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور «جملة» هامسة وهادفة وضعها الأول في اذن الثاني قبل نهاية اللقاء الذي عقد اصلا تحت يافطة جدل ترخيص الجماعة. ابتلع النسور بصعوبة العبارة الهامسة للشيخ همام سعيد وهو يقول: أرجو دولة الأخ الكريم ان تنتبه الحكومة لمسألة أساسية، فالإصرار على استهداف الجماعة وتفكيك مؤسساتها قد يعني رؤية مئات أو آلاف من الشباب المسلم في القدس المحتلة.
تلك العبارة بدت خارج السياق والتوقع، فاللغة المستخدمة من قبل الكثير من النخب الرافضة للصدام مع الإخوان المسلمين درجت على التخويف من انحياز شباب الإخوان إلى مناطق التطرف والتشدد الديني المتعددة الآن في المنطقة.
بذكاء هادف أعاد الشيخ سعيد وهو يهمس بتلك العبارة المسألة إلى القضية الفلسطينية ملمحا ضمنيا إلى أن مؤسسات الإخوان المسلمين في الواقع بقيت ولا زالت تلعب دور ضابط الإيقاع على المستوى الشعبي.
تكتيكيا يمتنع قادة الإخوان عن التلويح بورقة التطرف لكنهم يلفتون النظر إلى أكبر نتيجة محتملة في حالة الاستمرار في مواصلة استهداف الجماعة عبر الإشارة إلى ان الهدف قد يكون التطلع إلى تحرير القدس والاشتباك في واقع القضية الفلسطينية وليس شرطا الإنحياز إلى المنظمات الجهادية في المنطقة.
عمليا لم يعلق الرئيس النسور على تلك الرسالة الغامضة التي توحي ضمنيا بأن الإخوان المسلمين مرروا للدولة حتى اتفاقية وادي عربة ويتفهمون بالأساس مصالح الدولة ومفاصل قدراتها وطاقتها وحتى الدور الأقليمي للأردن.
الهدف وفقا لشاهد عيان من طرف الحكومة على تلك الهمسة الهادفة لم يكن التخويف أو التهديد بكل الأحوال بقدر ما كان الإشارة إلى رمزية وأبعاد وخلفيات وجود شخصية مثل همام سعيد على رأس جماعة الإخوان، إضافة إلى التذكير بقوانين وقواعد لعبة الشراكة والاندماج التي حكمت طوال عقود في الماضي طبيعة العلاقة بين النظام في الأردن وجماعة الإخوان المسلمين.
وهي نفسها اللعبة التي تطفو على سطح الأحداث مع التوتر القائم اليوم بين السلطة والجماعة في جدل احتفالية التأسيس بعد «الخصام» الحاصل بظهور مجسمات صواريخ القسام في أحد أشهر الاحتفالات العام الماضي.
الحفر في أعماق هذا المشهد الجزئي قد يقود عمليا إلى تعرية الحجة التي تستخدم أصلا ضد الإخوان المسلمين، باعتبارهم خارج سياق أردنة البرامج والأولويات، والإشارة هنا تحديدا تبدو عميقة إلى ان جماعة الإخوان لها دور بالمعنى الايجابي في ضبط دعوات محتملة للتركيز على القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية لجميع مكونات المجتمع الأردني.
معنى ذلك تلقائيا ان همسة الشيخ سعيد تسلط الضوء مجددا على جدوى وانتاجية بقاء المسافة بين القضية الفلسطينية وفعاليات الشارع الأردني خلافا للنظرية الكلاسيكية الضيقة التي تتعامل مع علاقة تنظيم الإخوان بالقضية الفلسطينية عموما، وبحركة حماس خصوصا، باعتبارها «تهمة» تعكس تبعية الجماعة للخارج كما يقول ويزعم المنشقون عن الجماعة بقيادة الشيخ عبدالمجيد الذنيبات. وبالمعنى السياسي داخل السياق نفسه يمكن استنتاج بأن جماعة الإخوان الأم كانت ولا زالت تحاول التأشير على عناصر الاستقرار الاجتماعي وخيارات الدولة الأردنية بما في ذلك احترام هذه الخيارات، والحرص بالتالي على الاستقرار العام وبالنتيجة على ضبط ايقاع التيارات الشابة التي يمكن ان تفكر أو تخطط للانضمام للمقاومة ضد اسرائيل.
بهمسته الهادفة يبعد الشيخ سعيد عن نفسه وعن جماعته بالنتيجة أيضا تهمة التلويح بالتطرف والتشدد، وهي نفسها التهمة التي أشار لها المعارض البارز ليث شبيلات في رسالته للنسور، عندما حذر من ان ضرب وتفكيك الإخوان المسلمين سيؤدي إلى اندفاع طبقة من الشباب الإسلامي المؤمن باتجاه الخيارات التكفيرية.
ضمنيا وبلغة مسيسة ما تقوله همسة الشيخ سعيد عكس ذلك فأولوية الشباب الإسلامي والإخواني اذا ما ضرب التنظيم بالمطرقة الحكومية فعلا قد تتجه نحو القدس وليس نحو الجهاد في سوريا والعراق، أو حتى في الأردن وهو ما يشير له دوما سياسي مخضرم وخصم عنيد للتيار الإخواني هو الدكتور ممدوح العبادي الذي يعتبر رائد الشعار القائل «أي بوصلة لا تشير للقدس.. خائنة».
القدس العربي