أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
"حماس": الورقة الأخيرة التي وصلتنا أفضل مقترح يقدم لنا الحرب النووية .. 72 دقيقة حتى انهيار العالم اعتراف أسترازينكا يثير المخاوف والتساؤلات في الأردن مغردون يفسرون إصرار نتنياهو على اجتياح رفح ويتوقعون السيناريوهات صدور قانون التخطيط والتعاون الدولي لسنة 2024 في الجريدة الرسمية الملك يعزي رئيس دولة الإمارات بوفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان جلسة حوارية تدعو الأردنيات لتعزيز حضورهنّ ومشاركتهنّ بانتخابات 2024 إعلام عبري: فقدان إسرائيليين في البحر الميت الزرقاء .. إسعاف مصابين إثر مشاجرة عنيفة شاهد بالفيديو .. البحث الجنائي يضبط مطلوبا خطيرا جدا في البلقاء "أكيد": تسجيل 71 إشاعة الشهر الماضي القسام تقصف قوات الاحتلال في "نتساريم" 3 مرات اليوم إلغاء اتفاقية امتياز التقطير السطحي للصخر الزيتي السعودية وأمريكا تصيغان اتفاقيات تكنولوجية وأمنية مشتركة. طبيبات يعرضن تجاربهن في مستشفيات قطاع غزة بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين لترحيلهم إلى رواندا. الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب السيارات الكهربائية في الأردن بين جدل الشراء وانخفاض الأسعار مقتل شخصين بقنابل روسية هاجمت شمال اوكرانيا سيول تجتاح السعودية .. وعطلة في الإمارات
الصفحة الرئيسية فعاليات و احداث تركيّا وعُنقُ زُجَاجةٍ أخرى

تركيّا وعُنقُ زُجَاجةٍ أخرى

20-03-2014 02:29 PM

زاد الاردن الاخباري -

يتابِعُ العالم بكل إعجاب وذهول، وبكل حسدٍ وغيرة (أحيانًا) ما تحققه تركيا من تَقدُّم وتطوّر على مختلف الصُّعد وفي شتى الميادين، فلا يُنَبِّؤكَ خبير بالشأن التركي إلا ويذكر أرقامًا وحقائق تسرّ الصديقَ وتسعده وتغيظ العدوّ وتُؤرِّقُه.

ولعلّ من المفيد أن نذكر أنّ معدل معاشات الناس ودخولَهم قد تضاعفت ثلاثة أضعاف في العقدِ الأخير إذ تضاعف الدخل القوميِّ للفرد في تركيا في أعوام حكم "حزب العدالة والتنمية" ليبلُغَ 11500 دولارًا أمريكيًا دخلا سنويا للفرد (وليس للعائلة) بعدما كان قرابة 3 آلاف دولار فقط، وهذا ما نلمسُه بسهولة نحنُ المقيمين في هذا البلد منذ ما يناهز 15 عامًا، إذ صارَت السيّارات في الشوارع أكثر حداثة، والناس أرتب هندامًا، والمباني أكثر أناقة وفخامة، وأصبح الإنفاق على الكماليات والترفيه والتعليم الخاص والإجازات الصيفية لدى معظم طبقات المجتمع على نحو لم يكن في السابق.

ومن ناحية أخرى فقد تضاعف عدد الجامعات أكثر من ضعفين ونصف إذ كان عدد الجامعات 76 جامعة في 2002 أما اليوم فهي تربو على 200، والمطارات التي كان عددها 26 أصحبت 52، والطرق المزدوجة التي كان طولها 6000 كم سنة 2002 وهي نتاجُ إنجازات 79 سنة كاملة منذ تأسيس الجمهورية عام 1923 حتى وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة عام 2002، نرى هذه الشوارع المزدوجة أصحبت اليوم – وبعد حكم العدالة والتنمية لمدة أحد عشر عاما فقط – تبلغُ 23000 كم (أي تضاعفت أربعة أضعاف تقريبًا)، وكان عدد طائرات أسطول الخطوط التركية 55 طائرة ونراه اليوم وقد بلغ 240 طائرة، ونرى الحكومة قد شرعت في مشاريع أطلقت على بعضها اسم "المشاريع الجنونية" و"المشاريع العملاقة" مثل شق قناة اصطناعية ضخمة تربط بحر مرمرة بالبحر الأسود وقد شرعت بإنجاز هذا المشروع، ومثل مشروع بناء مطار ثالث في إسطنبول ذي قدرة استيعابية تصل إلى 150 مليون مسافر سنويا سيتم افتتاحه عام 2017 بإذن الله لينافس بذلك لندن وبرلين بقدرته هذه وبموقعه الجغرافي الأكثر تميزًا.


ومن المشاريع التي بدأت الحكومة بها فعليا مشروع جسر معلق ثالث على مضيق البوسفور يحمل اسم "يافوز سلطان سليم" وهو السلطان سليم الأول (الذي حكم الدولة العثمانية ثماني سنواتٍ فقط فضاعَف رقعة أراضيها ضعفين ونصف)، ولا أزال أذكر حفل تدشين المشروع وقد كان فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وعِلية القوم وبينهم مفتي مدينة إسطنبول وقد تقدّم الجموعَ وأخذ يدعو الله تعالى ليردد وراءه الملأُ "آمين" (وهذه من العادات التي يفتتح بها العدالة والتنمية مشاريعه.. الافتتاح بالدعاء)،  ومن المشاريع الكبرى هذه مشروع نفق ينقلك بين القارتين من تحت مضيق البوسفور وهو مشروع "مرمراي" الذي افتتح بالدعاء كذلك ونحن الآن ندعو لمن شقه بالخير كلما ركبناه لما حققه من اختصار المسافات وتوفير الأوقات فالطريق التي كانت تستغرق ساعتين أضحت تستغرق عشر دقائق، لنفهم بذلك ما كتبته البلدية عند مدخل مشروع مرمراي عند افتتاحه "كان حلما وأضحى حقيقة".. نحن نعيش إذن في بلد الأحلام .. الأحلام التي تحققت.

الشعبُ في تركيّا يرى ويسمعُ ويلمس ويشمّ ويتذوق هذه التطورات ويعيشُ هذه الأحلام في واقِعِه كلّ يوم، الشعبُ الآن يعرف أنه كان مَدِينا لصندوق النقد الدولي بـ 23.5 مليار دولار قبل إحدى عشرة سنة وأنه الآن لا يدين للصندوق بشيء فقد سددت الحكومة آخر قسط من هذه الديون للصندوق في شهر مايو 2013، بل ويطلب الصندوق منها إقراضه 5 مليارات دولار، وفي نفس الوقت ضاعفت الحكومة احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية خمسة أضعاف ليصل هذه الأيام إلى قرابة 125 مليار دولار أمريكي بالرغمِ من تخفيض الاحتياطي الفدرالي الأمريكي من سياسة تحفيزه النقدي (في 18 من ديسمبر 2013) الخطوة التي أثّرت بشكل كبير على كل الدول النامية كالهند والبرازيل وروسيا وتركيا وجنوب أفريقيا وضايقت احتياطيات هذه الدول من الدولار وضرَبَت عُملَاتِها الوطنية ضَربَةً مؤلمةً فجعلت كثيرًا منها يترنحُ يمينا ويسارا ويتذبذبُ ارتفاعا وانخفاضا حتى يومنا هذا.

وهي الخطوة التي جاءت متزامنةً على نحوٍ غير متوقع مع جوقَةِ الاتهاماتِ التي أخذت جهات مختلفة تغَنِّيها في 17 من ديسمبر 2013 متهمة حكومة العدالة والتنمية فيها بالفساد والاختلاس محاولة الانقلاب عليها وإسقاطها.

ولا زلت أذكر في 17 ديسمبر 2013 ما تناقلته الصحف نقلا عن السفير الأمريكي قوله في أنقرة في اجتماعه مع مجموعة من السفراء الأوروبيين: " الآن سنشاهد سقوط الإمبراطورية!!"

الناخب في تركيا يرى أن أربع شركات تصنيف ائتماني رفعت تصنيف تركيا إلى مرتبة الدول التي يصلح الاستثمار بها وتحقق هذا في شهر مايو 2013، ورفعُ التصنيف إلى هذه المرتبة يعني توجه رؤوس الأموال الأجنبية بشكل كبير إلى البلد.. الكل يعلم أنّ تركيا التي حققت كل هذا ليست بلدًا نفطيا تنفِق من بترولها بغير حساب..

ولكنها بلد يستورد 70% من طاقته من الخارج، ويعلم أن الحكومة خطت الخطوة الأولى مع اليابان في تطبيق مشروع بناء مفاعل نووي في مدينة سينوب التركية بقيمة 22 مليار دولار  سيُخفف من وطأة فاتورة الطاقة على البلد وكان هذا في شهر مايو 2013.. الناسُ يرون كيف أن تركيا في سنواتها الأخيرة بدأت تصنع دبّابتها وطائرتها وسفينتها الحربية وتنفق على ذلك من جانب وتوفر التأمين الصحي لكل المواطنين تقريبًا من جانب آخر لتتجاوز نسبة المُؤمَّنين صحيا في تركيا نسبتهم في أمريكا... فلم تكن تركيا ذلك البلد الذي ينفق المليارات على التسلح ويهملُ رفاهية شعبه كما نرى في بلدان مجاورة... كل ما ذكرت تحقق في بلد الأحلام التي تتحقق أمام أعيننا.

في السنوات القليلة الماضية ألغت الحكومةُ الرسوم الجامعية في الجامعات الحكومية كلها، فأضحت الدراسة الجامعية مجانية تمامًا، بل وزادت من مستويات المنح الدراسية وانتشارها على نحو لا تكاد تجد له نظيرًا في بلد آخر، فصار الطالبُ من أكثر الناس حظًا، ولا نزالُ ننظر إلى طلبتنا في الجامعة بعين المحبة من جانب وبعين الغيرة من ناحية أخرى! فمنهم من يتقاضى شهرِيّا من المِنح ما يمكنه من فتح منزل وتأسيس عائلة، ولا يطلب منه مقابل ذلك سوى أن يدرسَ وينجح ويفيدَ هذا البلد.

البلد الذي تحدثنا عنه أعلاه هو بلدٌ مسلم في 99% من سكانه، وهو وريث امبراطورية كانت في إحدى مراحل تاريخها تحكم رقعة جغرافية مساحتها 24 مليون كم2 تقع عليها اليوم 50 دولةً من دول العالم (وهذه المساحة تساوي ضعفي ونصف مساحة أمريكا حاليًّا)، تركيا هذه هي التي كانت العرشَ الأخير للخِلافة التي هي رمزٌ يعبر عن خلافة النبي الكريم في حكم المسلمين الذين يتجاوز عددهم اليوم المليار ونصف نسمة وهم من يملك حوالي 70 بالمائة من موارد الطاقة في العالم ولعالَمِهم الإسلاميّ من مقوّمات النهضة ما ليسَ لغيره، والمسألة الأكثر تعقيدًا هنا أن من حقق هذه النجاحاتِ كلها في هذا البلد هم كوكبة من المحافظين الذين يحترمون ماضيهم ويفهمون واقعهم ويسعون لبناء مستقبل كبير لأمتهم.

فهل من المتوَقّعِ أو المعقول أن يُتْرَك هذا المشروع دون مضايقة، وألا يُحاوِل الخصوم قتل هذا المارد قبل أن يخرجَ من قُمْقُمِه؟! أو قبل أن يتمكنَ من سَحْبِ قدَمه التي لا زالت عالقةً بعنقِ القُمقم؟!

أدرك خصوم العدالة والتنمية أنّ هذه النجاحات التي يلمسُها المواطن في حياته اليومية ستُبْقي هذا الحزب على سدة الحكم، وأن هذا الحزب الذي فاز في الانتخابات ثلاث دورات متوالية – على نحو لم يتحقق منذ تأسيس الجمهورية التركية – سوف يفوز للمرة الرابعة بلا شك ورئيسه "المتمرّد" لا ينفك يرفع إشارة رابعة في الميادين ليَشُقّ بها النظام العالميّ المُخمَليّ ويهيّج بها مشاعر الشعوب المسحوقة، بل ويستهِلُّ هذا القائد خطاباتِه بتحايا نارِيّة قاهِرة يرسِلها إلى القاهرة وبغداد وسراييفو وعمان والقدس ومكة والمدينة ويزعمُ أن أهل هذه البلدان وشعوب تلك الأمصار يدعون له (وهم يفعلون في الحقيقة).. إنه ذلك "الماردُ المتمرد" على النظام العالمي إذ نراهُ ينتقد في المحافل المختلفة نظام الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحق الفيتو، ويقلب الطاولة في دافوس على بيريز والمطبّلين له... أدرك الخصوم في الداخل والخارج أن ليس لهم  في صندوق الانتخاب أملٌ للتخلصِ من العدالة والتنمية يحدوهم إلى الالتزام بقواعد اللعبة الديموقراطية فماذا فعلوا؟ وماذا يفعلون؟ هذا ما سنستطردُ فيه في الحلقة القادمة من "تركيا وعنق زجاجة أخرى".


الدكتور ابراهيم الحلالشة





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع