قطر أيقونة التغريد خارج السّرب، في الموقف والقرارات والنهج والرؤيا، باعتبار أن السرب قد ضلّ السبيل، ولم يقم على التقوى من أول يوم، وحُق لكل عاقل أن لا يقوم فيه، وأن يبحث عن الأنقى، والأتقى والأرقي والأهدى سبيلا، وهذا ما فعلته قطر الحرة الجديدة!!
منذ 15 سنة قررت قطر أن تكون غير، لأنها الأقرب لدوائر القرار العربي، والأعرف بمحركاته وبواعثه ومنطلقاته، والتي هي - بلا شك - لا تخدم أمة ولا رسالة ولا هوية، وإنما تخدم حكما محدودا مرهونا بمعادلة الإذعان الذي يُسمى - كذبا - حلفا وشراكة استراتيجية، مع عدو صديق، وسيد حقيقي مالك لقرار السياسة وأثر النفط!!
قررت قطر الصغيرة الكبيرة أن تكون مختلفة، تحترم عقلها وروحها وشعبها وأمتها، فخطت خطوة بالاتجاه الصحيح، باتجاه العقل والإنسان، الإنسان العربي - لا القطري فقط - ففتحت بوجهه النوافذ، وسمحت لرئته أن تتنفس الحرية، وأن ترى عينه غير صورةِ صندوق العجائب المُنيم، وأن تسمع أذنه لحنا غير اللحن الذي تصنعه دوائر المصلحة والإذعان الضيقة!!
لحنا تتنفسه شعوب الأمة، فيتحول مسارها وتستقلّ، وتملك زمام نفسها: سلطة وقرارا، وكان المنفذ لذلك الجزيرة الفضائية الموجهة للشعوب المُستلبة، ومنها شعوب الجزيرة شبه القارة، النائمة على سرير التخدير المترف!!
قطر احترمت نفسها ووفت ذمتها، ورعت شرفها، وشرف أمتها، فلم تقبل لنفسها مُطلق الإذعان لأعداء الأمة، كما فعل شركاؤها في مجلس التهاون الخليجي، فانخرطت في سلكه وعلى شروط صانعيه(أمريكا)، لكنها لعبت في مساحتها المتاحة ببراعة وألقٍ وفعالية، بينما لعب الآخرون للأسف بالاتجاه المرسومِ، وبالغوا في الإذعان والخضوع، فضلوا وأضلوا كثيرا، وضلوا عن سواء السبيل!!
هذا هو الفرق الجوهري بين قطر، وباقي أعضاء مجلس التهاون، حين أحسنت التقديرات، فلبّت الشروط في إلزاميّة الانضمام والتعاون الأمني والعسكري مع الغرب، لكنها انطلقت في هامشها الذاتي والخاص؛ لتبني وتؤسس لعصر جديد، فحلّقت عاليا في الفضاء المفتوح وخطفت الأنظار، وكسبت العقول والقلوب، وقبع الآخرون يغوصون في رمل التخاذل والإذعان الذي استمرؤوه، حتى باتوا يرون قطر الفاضحة، التي تنزع عنهم الأستار وتظهر حقيقتهم كوجه النهار،فضاقوا بهذا ذرعا، وهي العفيفة النظيفة!!
قطر لما تآمر المتهاونون مع الغرب والصهاينة على حماس:2008م جاءت تسعى مِن أقصى الجزيرة لتدفع عنها، وتقول: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله}، فعطلوا قِمّتها، حتى قال أميرها قولة المجروح: حسبنا الله ونع الوكيل!
لما تآمر المتهاونون على ربيع العرب، الذي كانت قطر، قد غرست بذرته - كما قلنا - وكان البوعزيزي أولى ثماره، لمّا قامت المؤامرة عليه في سوريا ومصر، جاءت قطر تسعى من أقصى المدينة تقول من جديد: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله}. وهي الآن تحت المؤامرة!!
قطر خرجت من التهمة الطائفية، فعمرت الجنوب اللبناني ودعمت المقاومة فعلا، وزارت غزة، ولملمت ما ستطاعت السودان، وأغاثت الصومال، وناصرت حرية الشعوب، فانتفضت لتونس وليبيا واليمن، وكافحت لسوريا، وصمدت لمصر، وصنعت فضاء واسعا للإنسان، ولم تطلب جزاء ولا شكورا من أيّ كان!! ووضعت مَن يظنون أنفسهم كبارا في موضعهم الطبيعي!!
قطر قالت لقومها: {يا قوم اتّبعوني أهدكم سبيل الرّشاد}.. قالت لهم: { فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله}.. قالت للأحرار..للثوار..للشرفاء.. لأهل الحق جهارا: {إني آمنت بربكم فاسمعون}، وهي اليوم تحت المؤامرة، وبين نهايتن، هما لها شرف وكرامة:
أولاهما أن يُقال لها: { قيل دخل الجنة، قال يا ليت قومي يعلمون}.و أُخراها أن يقول الله فيها: {فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل....سوء العذاب}!!
ما على قطر بعد هذا من بأس، وقد خرجت من الملامة:فـ{ما على المحسنين من سبيل}{ إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يعلمون}!! فهل اقتنع المشككون بقولنا: إن قطر غير، وأن الخليج سيتغير في بضع سنين!!
لتفعل قطر بعد ذلك ما شاءت، فقد أعذرت وأحسنت البلاء، وينبغي ألّا نُحملّها ما لا تطيق، وعهدنا بها أن لا تتغير وتثبت لقدرها، ونعتقد أنه لن يضيرها الكيد، ولن يتوقف الأثر، فقد أشعلت شعلة الحرية، وأطلقت طبول النهضة، ودفعت العربة مع الدافعين، ولن تتوقف إلا في محطتها الرئيسية!!
وليفعل الساحبون سفراءهم ماشاؤوا، فما سلوكهم إلا تعبير صريح عن الإفلاس والإبلاس من كل خير، وحثٌّ للخطى إلى قدر الله بأيدهم وقراراتهم الهوجاء، ولن يرجعوا من جولتهم بشيء - بإذن الله - بعد أن فتحت قطر عيون شعوبهم، وأنّى لهم أن تنغلق من جديد: {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا،ليهلك من هلك عن بيّنة} !!
A_dooory@yahoo.com
6/3/2014م