تعيش الأسر ألأردنية هذه الأيام أجواء من الرعب والتوتر أثارته الحملة التي تنفذها وزارة التربية والتعليم بأسلوب لم يسبق له مثل (ودفعة واحدة) دون تدرج لمنع الغش في هذا الامتحان، بحيث وظفت كافة الجهات الرسمية ووسائل الإعلام المتاحة لتنفيذ حملتها.
ومن المؤكد أن الغش يعكس ضعفا في منظومة القيم والأخلاق لدى بعض أفراد المجتمع، ولكنه لا يقتصر على الغش في الامتحانات المدرسية وامتحان الثانوية العامة بالذات، بل يتعداه ليصل إلى الغش في كافة مناحي الحياة، فماذا يمكن أن نسمي الرشوة والمحسوبية وشراء الأصوات في الانتخابات وشراء الذمم؟ وهنا يبرز دور جهات مختلفة يمكن أن تلعب دورها في هذا الشأن ومنها المدرسة والمؤسسات التعليمية والمجتمعية والإعلامية وغيرها في إعادة بناء منظومة القيم وتعزيزها. صحيح أن التوجيهي أحد المؤشرات على نجاح نظامنا التعليمي، ولكن حصر قبول الطالب في الجامعات بمعدل التوجيهي وانه سنة تقرير المصير أحدث ضغطا اجتماعيا على الأهالي وعلى الطلبة أنفسهم، وأصبح الحصول على معدل عال قضية حياة أو موت عند البعض تذلل أمامه كل سلبيات الغش وتقنياته وأساليبه المتاحة.
ويبدو أن امتحان الثانوية العامة لا يطال إلا أبناء الطبقات الفقيرة في المجتمع الأردني حيث أن أبناء الطبقة المرفهة لا يقدمون التوجيهي الأردني بل يدرسون المناهج الإنجليزية للتعليم الثانوي في أرقى المدارس، ويتقدمون للامتحان الدولي
دون أي أجواء متوترة وبكل سهولة ويسر. (IGCSE)
ويريد بعض المسئولين (وربما بسوء نية) من أبناء الفقراء أن يدرسوا التخصصات الجامعية المهنية والإنسانية التي ليس لها سوق ليصبحوا تحت إمرة أبنائهم الذين لهم الحق في دراسة التخصصات المجزية والمتميزة، وليتمكنوا بالتالي من إشغال الوظائف المهمة التي تمكنهم من صنع الفرار والتحكم في مفاصل الدولة
من هنا، فإن مهمة وزارة التربية والتعليم ليست سهلة كما نتصور، فهي تعمل على معالجة تراكمات قديمة بطريقة متسرعة وكمن يحارب بسيف من ورق.
ولذا فلا بد أن نصل في سياساتنا التعليمية إلى حلول ذكية لتطوير امتحان الثانوية ألعامه ليتغير من مجرد امتحان تحصيلي يركز في جله على العمليات العقلية الدنيا من تذكر وحفظ معلومات الصف الثاني عشر فقط إلى امتحان كفايات يركز على الفهم ويستهدف الصفوف الثلاثة الأخيرة في المدرسة (عاشر وحادي عشر وثاني عشر) بحيث يكون لكل صف نسبة معينة، وأن تعمل على تقليص عدد وحجم المواد التي يتقدم بها الطلبة للامتحان وتخليص هذه المواد من الحشو الزائد غير المبرر.
كما ينبغي إعادة النظر بالأنظمة التربوية وتشديد العقوبات بحق المعلمين الذين يتكرر غيابهم غير المبرر، والعمل الجاد على تعميق التواصل بين المدرسة واسر ألطلبه.
ويمكن أيضا عدم اعتماد معدل امتحان الثانوية العامة فقط كأساس للقبول في الجامعات الأردنية، بل إخضاع الطلبة لامتحان كفاءة محوسب تجريه الجامعات شريطة ضمان النزاهة والعدالة وعدم المحسوبية عند تطبيق مثل هذا الامتحان.