زاد الاردن الاخباري -
مشهد الفوضى التي دبت تحت قبة البرلمان الأردني مساء أمس الثلاثاء وإنتهت بمنع رئيس الوزراء عبدلله النسور من إلقاء خطاب الشكر المعتاد بعد ماراثون الثقة الطويل يؤشر سياسيا على ‘حالة جديدة’ في واقع خريطة النخب الأردنية ولدت منذ اللحظة التي إنتصر فيها النسور على نافذين عتاة في الطبقة السياسية حاولوا إعاقته.
خصوم النسور وفي ردة فعلهم بعدما خسروا معركة الثقة أنتجوا مساحة من الفوضى دفعت رئيس المجلس سعد هايل السرور لإعلان رفع الجلسة بعد نتائج التصويت مباشرة وبالتالي منع النسور من تقليد كلاسيكي معتاد يتمثل في إلقاء خطاب الشكر للنواب الذين وقفوا مع حكومته.
في السياق شوهد النائب المخضرم عبد الكريم الدغمي غاضبا وزميله عبد الهادي المجالي منزعجا والنائبان يحيى السعود ومحمد برايسه في حالة إنفعال وسط أصوات في شرفة النظارة بعد واحدة من أقسى معارك الحصول على الثقة التي واجهتها الحكومات .
الفوضى بعد التصويت بدأت مع محاولة النائب محمد برايسه وقد حجب الثقة عن الحكومة الإحتجاج بخشونة على زميله زكريا الشيخ الذي صوت لصالح الثقة مع عبارة قال فيها بأنه يفعل ذلك ‘لعيون الأردن’.
سياسيا بدا واضحا أن القوة الأساسية التي حاولت إسقاط وزارة النسور تمثلت في تحالف بين نخبة من ممثلي الصف العشائري ورموز التيار المحافظ في البرلمان. أما القوى التي سمحت للحكومة بالعبور الآمن نحو الثقة فتمثلت بخليط من مجموعة النواب الذين يؤيدون منهجية المواطنة والحريات والحقوق المدنية والنواب الوسطيين المؤيدين للدولة بعد حصولهم على تأكيدات من الحكومة لصالح خطابهم .
اللافت أن الدغمي والمجالي وهما من رجال النظام وخلافا للمألوف قادا محاولة إسقاط الحكومة التي أفلت منها النسور فيما يبدو معتمدا على مناواراته الذكية خلف كواليس البرلمان وبدون ‘مساعدة’ من خارج القبة .
عمليا يعيش الأردن بالنتيجة حالة نادرة بعنوان ولادة أول حكومة تشكل بآلية برلمانية ويختار البرلمان رئيسها ثم تحصل على الثقة من مجلس النواب وبصعوبة بالغة .
وهي نتائج صاغتها عدة مناورات سياسية تميزت بالذكاء خاضها النسور مع ثلاث كتل برلمانية ومع شخصيات برلمانية معتدلة غيرت المزاج في اللحظات الأخيرة.
إنتفعت الحكومة في المعركة بموقف الرجل الثاني في البرلمان النائب خليل عطية الذي كان أول المصوتين بين الجميع مانحا الثقة للوزارة وهو أمر بالعادة يدفع أخرين للتصويت بالثقة.
كما إنتفعت قبل ذلك بمبادرة ‘الشراكة’ مع كتل البرلمان التي إقترحها وقادها النائب الدكتور مصطفى الحمارنة قبل المساهمة الفاعلة للنائب المسيس محمد حجوج في تغيير بوصلة التصويت في اللحظات الأخيرة.
هذه المعطيات ستقود إلى ‘وضع جديد’ تماما في مستوى الخارطة السياسية والنخبوية في البلاد . النسور نجح الأن في تكريس نفسه كأحد أقوى الرؤساء منذ عام 1989 مما سيساعده لاحقا في تصفية الحسابات مع جبهة الفساد وحتى في تحجيم التيار المحافظ الذي وقف ضده في البرلمان والأهم في العمل على تجديد شباب الجهاز البيروقراطي. الجديد أيضا في المشهد بروز شخصيات جديدة في التجربة البرلمانية سيكون لها شان في المناورات والمبادرات من طراز الحمارنة والحجوج .
عمليا وسياسيا أيضا سيتمكن النسور بعد مساء الثلاثاء من المضي قدما في برنامج عمل يكرس قناعته بالقدرة على الجلوس مسترخيا في مقعد الرجل الثاني في البلاد على هيئة رئيس وزراء بكامل نصاب الولاية العامة مع ما يعنيه ذلك من ‘إخضاع′ للعديد من مؤسسات الظل .
النسور وفقا لمقربين منه سيعمد على تصعيد قيادات جديدة في مستوى القرار البيروقراطي ومحاصرة رموز القوى الكلاسيكية خصوصا تلك التي حاولت عرقلته مع البرلمان.
لذلك وصف الرجل وردا على إتهامات التجنيس حكومته بأنها ليست وزارة سحب الجنسيات ولن تكون وزارة تمنح الجنسيات في نفس الوقت.
ونالت حكومة النسور ثقة ‘الاكثرية المطلقة’، واعلن رئيس المجلس سعد هايل السرور، في ختام تصويت علني بثه التلفزيون الرسمي عقب اكثر من اسبوع من المناقشات لبيان حكومة النسور الوزاري، ان الاخيرة ‘حصلت على الاكثرية المطلقة لاعضاء مجلس النواب’.
وقال السرور ان ’83 نائب صوتوا بمنح الثقة فيما حجب 65 نائبا الثقة وغاب نائب واحد’ من اصل 150 نائبا. وكان احد النواب توفي مؤخرا. ووقعت مشادات تحت قبة المجلس بين مؤيدين للحكومة ومعارضين لها. وقال النسور في البيان الوزاري لحكومته الذي تلاه امام مجلس النواب ان ‘الازمة السورية وتداعياتها وصلت لمرحلة التهديد للأمن الوطني الاردني’.
وقررت حكومته الاحد توجيه رسالة لمجلس الامن الدولي ليتحمل اعباء استمرار تدفق الاف اللاجئين السوريين الى المملكة التي باتت تستضيف نحو نصف مليون لاجئ.
وتتوقع الامم المتحدة ان يصل عدد اللاجئين في الاردن الى 1.2 مليون سوري بنهاية العام الحالي، اي ما يعادل خمس عدد سكان المملكة.
وعبر عدد من النواب خلال مناقشات البيان الوزاري عن معارضتهم لوجود قوات امريكية على الاراضي الاردنية، وهو ما رفضته ايضا الحركة الاسلامية.
وقال عبد الهادي المجالي، رئيس كتلة التيار الوطني (اكبر كتل البرلمان)، خلال المناقشات ان ‘امريكا المضطربة في مواقفها ستربكنا وتدخلنا في مساحة النار’.
وتسائل المجالي، الذي حجب الثقة ‘كيف سيكون بمقدور حكومة مهلهلة وهزيلة مواجهة الفوضى لو فاضت، لا قدر الله، الازمة السورية، اشتعالا ودمارا’.
وكانت الحركة الاسلامية دعت الحكومة الى ‘إعادة النظر بقرارها بالسماح بمرابطة قوات اجنبية على الارض الأردنية’.
بسام بدارين - القدس العربي