أول وكالة اخبارية خاصة انطلقت في الأردن

تواصل بلا حدود

أخر الأخبار
بلدية غرب اربد تطلق مبادرة ندورها بالخير الجغبير: غرف الصناعة تشجع الصناعات التكاملية مع سلطنة عُمان البريد الأردني يطرح إصدارات جديدة من الطوابع التذكارية حماس: نرحب بإعلان النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين المحاكم الأردنية تنفذ 451 عقوبة بديلة عن الحبس نيسان الماضي غالانت يعلن إلغاء قانون فك الارتباط بالكامل شمال الضفة أسعار الخضار والفواكه الأربعاء في السوق المركزي «المهندسين الزراعيين»: لسنا بحاجة لكليات زراعة جديدة حصة الضمان من توزيعات الشركات لا تعادل نفقاته التأمينية لشهر واحد سفير الاتحاد الأوروبي: العلاقة مع الأردن 'قوية للغاية' والتعاون الاقتصادي في ازدياد القوات البحرية المشتركة والقوات الخاصة تنفذان تمارين متنوعة ضمن تمرين الأسد المتأهب الرئاسة الفلسطينية ترحب بقرار النرويج وإيرلندا وإسبانيا مسؤول أميركي: نقترب من اتفاق مع السعودية أطباء مغاربة يطالبون بوقف حرب الإبادة في غزة ارتفاع صادرات الصناعات العلاجية واللوازم الطبية 13.4 % بالثلث الأول من العام الحالي تعيين وزير الأمن العام في فيتنام رئيسا جديدا للبلاد السفير أبو الفول يفتتح الجناح الأردني المشارك بمعرض سعودي فود 2024 عطاء لشراء 100 أو 120 ألف طن قمح النفط يتراجع وسط توقعات ببقاء أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول شهيدان في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان
الصفحة الرئيسية آراء و أقلام الى من يكتب التاريخ

الى من يكتب التاريخ

12-01-2013 08:40 PM

الى من يكتب التاريخ

الكاتب الصحفي زياد البطاينه

سؤال طالما تردد على لساني ولسان الكثيرين ممن يهتموا بالتاريخ العربي والمحلي لم يجد هذا السؤال جوابا للان
هل التاريخ علم؟
وما الفائدة منه؟ هل يقدم التاريخ للإنسانية فائدة جوهرية؟
أم أن فائدته الوحيدة هي معرفة الماضي ليس أكثر؟

يقول ابن الجوزي: "إن التواريخ وذكر السِيَر راحة للقلب وجلاء للهم وتنبيه للعقل". وهذا القول يشير، في أحد وجوهه، إلى أن التاريخ لا فائدة منه؛ فلا حاكم يتعظ ولا صاحب شوكة يستفيد من دروسه. وربما كانت فائدته مقصورة على المتعة النفسية (راحة القلب وجلاء الهم)، وعلى المتعة الذهنية (تنبيه العقل). ومهما يكن أمر أي أجوبة أخرى، إلا أن المتفق عليه هو أن التاريخ علم إنساني، وهو رؤية إلى الماضي بعيون الحاضر. وبهذا المعنى فإن العمل الرئيس للمؤرخ ليس تدوين الوقائع، بل إعادة تقويمها، ثم اكتشاف النظام فيها، أو القوانين الاجتماعية والموضوعية التي أدت إلى حدوثها

.
إن الدقة في تدوين الوقائع هي في صلب عمل المؤرخ، لكنها ليست هي عمله الوحيد. ولا يمكن امتداح مؤرخ لدقته، فالأمر يبدو كمن يمتدح مهندساً معمارياً لأنه استخدم الحديد الصلب والاسمنت الجيد والأخشاب المتينة في البناء. إن هذا الأمر شرط ضروري يتطلبه عمله. وهكذا، فإن دقة المؤرخ أمر جيد، إلا أن التاريخ، كعلم، يكمن في حقل موازٍ هو حقل المعرفة. ومن بدهيات التفكير أن لا معرفة علمية من غير حقائق موثقة، الأمر الذي يعني أن لا تاريخ من غير وثائق.د
فالوثائق هي المواد الخام التي يعمل المؤرخ عليها ليستنبط وقائع الأحوال في الفترة التاريخية المرصودة، أي أن الوثائق هي "تابوت العهد" في معبد التاريخ. وينطبق هذا الأمر على التاريخ القديم وعلى التاريخ الوسيط وعلى التاريخ المعاصر معاً. وقد أبتُلي العالم العربي، في جملة ما ابتُلي به، بضعف ميدان التوثيق فيه. وما زلنا، حتى اليوم، كلما أردنا معرفة هذا الجانب أو ذاك من تاريخنا، نسارع إلى التجول في أراشيف الدول الاستعمارية، علّنا نقبس منها بعض ما نريد. وليس غريباً أن أفضل الوثائق عن أوضاع العرب موجودة، لا في محفوظاتنا الرسمية، بل في سجلات الأجهزة الاستخبارية. وهذه السجلات مختومة بخاتم سليمان،
ومن شبه المحال الاقتراب منها أو الإطلاع عليها إلا حينما تنقلب الأحوال وتُفك الأختام وتفتح المغاليق.
إن أسوأ ما يواجه الباحث هو ضياع الوثيقة أو حجب المعلومات. أما ضياع الوثيقة فهو شأن لا يمكن السيطرة عليه، ولا سيما إذا كانت حوادث الضياع قد وقعت في الزمن الغابر، أو إبان الحروب والكوارث. لكن حجب المعلومات أمر سياسي بالدرجة الأولى، تمارسه السلطات المستبدة لاعتبارات لا تتعلق بالعلم على الإطلاق، بل بمصلحة تلك السلطات التي طالما دأبت على إخفاء كثير من المعلومات التي تعتقد أن الإعلان عنها سيصيبها بضرر لا يمكن احتماله. وإذا كان معظم دول العالم يتيح الإطلاع على الوثائق السرية بعد ثلاثين عاماً (بعضها يحتاج إلى خمسين سنة)، فإن معظم الدول العربية لا تتيح الكشف عن وثائقها حتى بعد انقضاء هذه الفترة حتى لو تغير الرؤساء أنفسهم. فهذه الوثائق من شأنها أن تكشف فضائح كثيرة ربما تُعري هذا النظام تماماً، بل قد تميط اللثام عن المظالم التي ارتُكبت بحق شعبه، وعن مدى التفريط بأمن البلاد حيال القوى الخارجية.
مهما يكن الأمر، فإن وثائق بلادنا متناثرة هنا وهناك، ويمكن العثور عليها في الأمكنة التالية:
1 ـ الأرشيف العثماني.
2 ـ أرشيف الدول الاستعمارية ولا سيما محفوظات وزارات الخارجية والمستعمرات والجيوش.
3 ـ وثائق الأحزاب السياسية.
4 ـ سجلات أجهزة الاستخبارات.
5 ـ سجلات المحاكم الشرعية والأوقاف والكنائس.
6 ـ المكتبات الشخصية والأوراق الخاصة.
7 ـ الصحف والمجلات.
ومن دواعي الأسى، إننا مضطرون إلى انتظار الدول الاستعمارية، في كل مرة تفرج فيها عن بعض الوثائق المتعلقة ببلادنا، كي نبدأ عملية القراءة وإعادة النظر في الوقائع القريبة التي ما زالت متسربلة بالغموض أحياناً، أو بالقراءات المختلفة في معظم الأحيان.
حقيقة لا تستقيم كتابة التاريخ من غير معرفة الوقائع معرفة صحيحة. ونحن العرب، ما زلنا نتخبط بين معلومات متضاربة وغير يقينية في قضايا كثيرة، وبعض هذه القضايا كان لها شأن خطير في تقرير مصائرنا إلى حد بعيد. وعلى سبيل المثال ها نحن بعد سنوات طويلة جداً فاقت الأربعين عاماً لا نعرف تماماً من اغتال المهدي بن بركة، وهل ان المشير عبد الحكيم عامر انتحر حقاً أم قتلوه، وكيف اغتيل، بالفعل، الملك فيصل بن عبد العزيز، ومَن الذي اتخذ قرار اغتيال عدنان المالكي في سوريا، وكيف سقط الجولان في سنة 1967، ومَن اغتال رفيق الحريري، وكيف اغتيل ياسر عرفات، ومَن يقف فعلاً خلف عملية لوكيربي... وغيرها. وفوق ذلك فإن العالم الغربي أيضاً ما زال يتشكك كثيراً في روايات اغتيال الرئيس جون كينيدي، ويكاد لا يصدق كل ما قيل في موت الأميرة ديانا، وقبل أو اغتيال مارتن لوثر كينغ

إن المصالح الأمنية للدول ربما تفرض عليها عدم الكشف عن جميع الوثائق حتى لو كانت خاضعة لحرية الاستعلام، وحتى لو انقضت الفترة الزمنية التي ينص عليها القانون. وهذا الأمر معروف ومبرر إلى حد ما. لكن، في عالمنا العربي، ما زلنا نرفع إلى مقام الوقائع النهائية روايات رائجة وغير صحيحة على الإطلاق ولا تستند إلى أي وثيقة تماماً، ولا يوجد أي برهان علمي على صحتها. فالعقل العربي، خصوصاً لدى بعض السياسيين والكُتّاب، ما زال مشغولاً بجمع الحقائق من غير أن يرتقي بها إلى مصاف الحقيقة. وهذه إحدى علامات التخلف في الفكر العربي المعاصر؛ أي أن التفكير لدى هؤلاء هو تفكير تجميعي وليس تفكيراً تحليلياً يقوم على البرهان، ويستند إلى الوثيقة، نصّاً أكانت أم نقشاً أم صورة
وهناك مثالا حيا طالما رددت بعض الكتابات العربية أن إسرائيل نقشت على مبنى الكنيست الشعار التالي: "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل".
والحقيقة أن ذلك غير صحيح، فلا يوجد على مبنى الكنيست في القدس، ولم يكن محفوراً على مبنى الكنيست في تل أبيب، هذا الشعار البتة. إنها مجرد عبارة سارت على الألسن، وفشت في وسائل الإعلام العربية من غير تحقق أو يقين. وكانت إسرائيل كلما أطلق أحد الزعماء العرب تصريحاً يتضمن هذا الشعار تستدعي الصحافيين الأجانب لديها، وتدعو الملحقين الإعلاميين المعتمدين في السفارات الأجنبية، ثم تطوف بهم على مبنى الكنيست لتقول لهم: أنظروا، لا يوجد على مبنى الكنيست مثل هذا الشعار ارايتم كيف يكذب العرب ؟؟

إن إتلاف الوثائق وإحراق السجلات والمحفوظات الوطنية عند كل اضطراب في الأمن يبرهن، مرة أخرى، على أن مجتمعاتنا العربية ما زالت في طور البداوة الاجتماعية، أي أن عقلية السلب والنهب والتدمير ما زالت هي السائدة في السلوك الجمعي، ولم ترتقِ، حتى الآن، إلى مفهوم المواطن في دولة، أي الإيمان بأن هذه السجلات هي ثروة للأمة كلها، فلا يجوز التصرف بها أو إتلافها أو منعها عمن يجب أن يطلع عليها. وفي مقابل هذا السلوك البدائي والهمجي معاً، فإن السلطات العربية نفسها نادراً ما توخت السعي إلى تكوين السجلات بطريقة علمية. وكم ضاع من الوثائق والمعاهدات والاتفاقات، حتى أن كثيراً من المصالح العليا تضررت بقوة جراء هذا الضياع.
وعلى سبيل المثل فقد كان الدافع إلى تأسيس "دار المحفوظات العمومية" في مصر سنة 1829 قيام بعض اللصوص بسرقة قصر محمد علي باشا في الأزبكية، وكان بين المسروقات "معاهدة لندن" التي وقعها محمد علي مع انكلترا. وبسبب عدم الاهتمام بالوثيقة وبالخريطة (وهي وثيقة فائقة القوة)، وعدم الاحتفاظ بمحاضر الاجتماعات مثلاً، فإن العديد من القضايا المهمة تصبح خاضعة للأخذ والرد والمماطلة، مثل قضية تعيين الحدود مع فلسطين المحتلة في منطقة مزارع شبعا في لبنان، ومثل تحديد خط الهدنة بين سوريا وإسرائيل، وكذلك خط الرابع من حزيران/يونيو 1967. ومن شأن عدم الدقة في مثل هذه الموضوعات الحيوية أن يهدد الأمن الاستراتيجي لسوريا بالتناثر هباء مثل الثروة المائية في جبل الشيخ، ومثل أحقية سوريا في بسط سيادتها على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية.

نعم .....إن أقوى وثائق التاريخ هي الآثار والنقوش. ومع الأسف، فإن جزءاً مهماً من الآثار والنقوش في البلاد العربية أمسى في متاحف أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. لكن الأنكى أن الكثير من قصور المتسلطين والأثرياء تحتوي أعداداً غير محددة من الآثار التي استخدمت في زينة هذه القصور، الأمر الذي جعل قيمتها العلمية معدومة. حتى اللوحة القديمة تعتبر وثيقة تاريخية، وهي ملك للمجتمع، ويجب ألا تكون احتكاراً خاصاً بالأفراد. فكثير من مدن فلسطين مثلاً، كالناصرة وبيت لحم والقدس، أمكن التعرف إلى معالمها المندثرة من خلال رسوم الحجاج والرحالة والرسامين المتجولين والمستكشفين والمستشرقين

.
إن الوثيقة، نصاً أكانت أم نقشاً أم لوحة، لا يمكنها أن تخبرنا أكثر مما يريده واضع "الوثيقة". أي أنها تتضمن الوقائع وحدها أو المشهد منفرداً، وهذا شأن فائق الأهمية. غير ان الفائدة منها لا تكتمل إلا بوجود المؤرخ الذي يعيد التقويم ويقدم التفسير والتعليل. لأننا إذا تركنا الحليب يغلي فوق النار فإنه سيفور خارج الإناء، وليس على الإنسان الفرد أن يعرف لماذا يفور الحليب. أما العالم، فهذه هي مهمته، أي أن يفسر لماذا يحدث ذلك. ومع الأسف فإن السلطات العربية،او حتى المنقبين عن الدفائن في معظمها، بتدميرها الوثائق، تجعل مهمة المؤرخ عسيرة، وتجعل المعرفة، في نهاية المطاف، مجزوءة. وحتى لو أمكن استصدار قوانين تتيح للفرد العربي حرية الاستعلام، وتلزم المؤسسات كشف وثائقها بعد أربعين أو خمسين سنة مثلاً، فما الذي يضمن أن تكون الوثائق المتاحة في رأس كل فترة، ناقصة، وأن ما جرى إخفاؤه هو الجزء الأكثر أهمية؟


pressziad@yahoo.com





تابعونا على صفحتنا على الفيسبوك , وكالة زاد الاردن الاخبارية

التعليقات حالياً متوقفة من الموقع