وطن بلا مطر

وطني سلاما عليك فقد لملم الصيف كل أشيائه بحضرتك ... وهمس الشتاء لابنائك الذين لا يزالون أطفالا بأنه قد عاد بكل تفاصيله الجميلة فلمطر وطني طعم غريب المذاق ، طعم مغموس بالمحبة ، بوشوشات الأطفال ..بترانيم السحاب .. ترسم القطرات في فضاءاتنا الرحبة حروفا وتحية للوطن.

قطرات المطر .. قطرات الحلم .. قطرات الوعد والامل ونبض الروح بعد احتضار الارض ..جو الضحكات والحزن والانين .. جو اوجاع الفراق عن الوطن المغسوله بالمطر ..
وتمتزج الدمعة بالقطرة على وجنة عند السحر تدعو المولى ان يحفظ الوطن ، أن يحفظ بلادي .. بلادي بلادي .. وتتساقط الأمطار على منزل سقفه زينكو قد يشعر ساكنوه بقرع الطبول فوقهم تتساقط فيه الامطار كالسهام ويلفهم البرد لكن القطرة تهمس في آذانهم تفائلوا..

وطني المبلل بأول شتاء للزيتون .. وطني المبلل برائحة الأرض .. وطني الذي يعبر فيه المطر كل الحدود شوقا لترابه ليعيش التراب وتحيا الأرض ..ونحن نعبر الدرب الى سفر وحدود لكنه يتخطى كل الحدود .. حدود كل الاشياء وحدود الشوق وحدود الحسرة وحدود آهات القمر خلف تلك الغيوم..

لم تكن تلك الأم تعرف ان المسافة بين الحزن والفرح قصيرة وتجمع الطرق الحزينة في مربع الذكريات فما زالت تبكي ولدها وتشم ريحه الزكية قبل ان يمسي في اللحد ويسقط المطر هذا العام على مثواه .

تغيرت الأيام ومن عليها فوجه السماء اليوم حزين يبكي الارض ببدله سوداء يضم السكون ويتعانق مع التلال فأين الناس منك يا مطر بلادي ؟؟

ان منهم من هم مجتمعون حول لهيب التدفئة والموقد .. ومنهم ذلك الاب الذي تحرق افكاره لهيب قسوة الايام يفكر كيف يؤمن لأطفاله قوت الغد .. ويختبئ هناك الولد في فروة أبيه ولا يعنيه البرد..ويتابع الفلاح فيك يا وطني النشرة الجوية على شاشة الوطن واستعد لان يبسط بذار القمح في غلاله .. وعامل وطن يعمل بفرح تحت وطأة المطر ورجل أمن وجندي وطن يصل ليل المطر بنهاره لخدمة وحفظ الوطن.

وطني فالمطر مسكون فيك لكن نحن نجهل سكونه .. يعيش المطر في حب الوطن ويذوب في ترابه ويتغلغل في اعماقه ..يحفر فيه المطر على التراب أردن الخير وينقش اسم وطني على الصوان ..

وطني بأرصفته المبللة الحنونة كأمي سأنتزع علم بلادي عن ساريته وأخيط منه أكماما وإزارا وأرتديه كقميص إذا لم اعرف طعم الدفئ لانك اقسمت على حمايتي وأقسمتُ على حمايتك ..

تنثر الامطار ألقها في كل مكان حتى على صحراءك يا وطني له مفعول سحر فالمطر رفيق الوطن يتلحف مع الارض بشوق .. يتدفق فوق الثرى ويسقي السواقي ... مرحبا به يعود عليك يا اردن بعد حنين للحياة ويشتاق بعد ضيق ليفرج ضيقه ليأتي الرزق .. ليأتي الإشراق .. لتستبشر المواشي ..لتأوي الطيور الى الشجر العاري وتتنهد بين أغصانه .. لنشب النار .. لينتعش الخافق .. لننتظر الكستناء تنفجر فنهب لاحضارها .. لنصطف طوابيرا طوابير طويله في محطات الوقود يجمعنا شعور واحد يغلق غالبيتنا على خمسه دنانير حمراء في جيبه اليمين وفي يساره جالون الكاز ويدعو الله ان يكفيه الثمن ليعبئ الجالون ..

وطني افديك لكل قطرة في دمي تهطل على ترابك .. أفديك بكل قطرة عرق تنضب من جبيني لنهضتك..نهطل لك يا وطني كحبات المطر ..

حروف المطر تحرس الوطن .. في لحن جميل .. في لحن حزين .. يختلف دوما هو المطر .. فوطن بلا مطر كجسد بلا حياة .. كليل بلا قمر ..نحيا في معاني المطر ونغرق .. فالاحلام وطن .. والسعادة وطن .. وكل شتاء وانت بالف خير يا وطني ..