زاد الاردن الاخباري -
جهاد الخازن - يواجه الأردن أسوأ مرحلة اقتصادية في تاريخه الحديث، مرحلة غير مسبوقة تجمع بين الدَّيْن الخارجي وعجز الموازنة وانخفاض الاحتياطي من العملات الأجنبية، والضغط على الدينار. هي مرحلة لا مثيل لها في الأردن، وأسوأ من أزمة 1988، عندما عجز الأردن عن دفع ديونه الخارجية.
غير أن من صفات المواطن الأردني "شوفة الحال"، وهو لا يرى أن بلاده فقيرة جداً بمواردها الطبيعية، فلا ماء ولا نفط، وإنما «شوية» فوسفات، وهو يهتف "أردن، أردن، أردن" واليابان تهزمه ستة/ صفر في مباراة كرة قدم من دون أن تكون دولة عظمى كروياً.
الفرق بين الواقع والحلم، بين الطموح والقدرة، يعكسه تعاقب أربع حكومات في 15 شهراً، سمير الرفاعي، معروف البخيت، عون الخصاونة، والآن فايز الطراونة. وربما زدنا خمسة وزراء عدل في سبعة أشهر، إبراهيم العموش، حسين مجلي، سليم الزعبي، ابراهيم الجازي، خليفة السليمان (الوزير الحالي).
الأردن بلدي منذ وعيت الدنيا وحتى أرحل عنها، غير أن عندي من القدرة المهنية ألا أغلّب عاطفتي وأسجل بالموضوعية الممكنة أن الأردن قوي وباقٍ ولا خطر إطلاقاً على النظام حتى مع تغير الولاءات التقليدية، فمن كان راضياً لم يعد راضياً، ومن كان غير راضٍ رَضي.
بالموضوعية الممكنة أيضاً أقول إن سكان البلاد الأصليين هم أهل شرق الأردن، أو العشائر العربية المعروفة، فهي أصلية وأصيلة أيضاً، وعماد البلاد، وشهامة ونُبْل، مع حدة الأخلاق البدوية.
ابن شرق الأردن يحق له أن يقول الأرض (كانت) أرضي، ولكن منذ الأمير عبدالله والإمارة وَفَدَ على شرق الأردن سوريون وشركس وفلسطينيون، وأخيراً عراقيون. لذلك هو يشعر بخوف إضافي عندما تتحدث اسرائيل عن "الوطن البديل". ونجده يصر على أن «يسترجع» بلاده لتبقى له الدولة بمؤسساتها، والجيش والأمن. وثمة تيار قوي يمثل هذا الاتجاه نرى أفكاره في الشعارات المرفوعة، وسقف المطالبات العالي، ما يصعب معه تحقيقها.
في جو تبادل الأدوار نجد ابن شرق الأردن يتظاهر ولا يتظاهر الفلسطيني، فهذا شعر دائماً بأنه مهمَّش، وأحياناً بأنه مواطن من الدرجة الثانية، ولا بد أنه قلق كثيراً من سحب جنسيات بعض الفلسطينيين، إلا أنه في النهاية وصل الى قناعة بأن وضعه في الأردن أفضل منه في أي بلد عربي آخر، لذلك فهو قد يشكو إلا أنه أصبح مثل ابن شرق الأردن حرصاً على صيانة النظام.
التظاهرات والاحتجاجات والطلبات ترسم صورة زائفة لوضع الأردن، فهو بلد أساسي في محيطه، يتمتع بحماية إقليمية ودولية وله دور أساسي في حل القضية الفلسطينية، إن كان هناك حل. وأمس قرأنا ان الولايات المتحدة ساعدت الأردن على تعزيز قدراته النووية لمراقبة تسرب المواد المشعة.
كنت رصدت بعض قلة الأدب في الموقف من الملك عبدالله بن الحسين، وهناك من يعتبره المشكلة، إلا أنني أراه الحل، حتى لو تردد في إقرار إصلاحات ضرورية تأخذ من سلطته، وهي تحمي هذه السلطة. لذلك لا أفسّر بغير قلة الأدب شعارات تنال من الملك أو رسائل.
لجنة الحوار الوطني قدمت قرب نهاية السنة الماضية وثيقة كاملة لم ينفذ الملك منها شيئاً حتى الآن تتناول المبادئ العامة والأهداف للإصلاح السياسي، مع اقتراح تعديلات دستورية أساسية تشكل قانون انتخاب على أساس التمثيل النسبي، وقانون أحزاب وغير ذلك. لجنة الحوار ضمّت 50 عضواً مثلوا قطاعات الشعب كافة، باستثناء الإخوان المسلمين الذين قاطعوا ويتاجرون الآن بالقضية الفلسطينية، ولا يَلقون استجابة من الفلسطينيين أنفسهم.
ربما كان مناسباً أن يستعين الملك بمجموعة مستشارين، أو مطبخ سياسي، من شخصيات تجمع بين الصدقية والنزاهة وثقة الناس بها لردم هوة عدم الثقة بين الحكم والمعارضين. وأقترح أن يكون أول عمل لهذه المجموعة محاربة الفساد، الحقيقي والمتوَهَّم، وإجراء محاكمات علنية للفاسدين، وهذا مع العلم أن وضع الأردن في مؤشر الفساد العالمي جيد ورتبته 56 من أصل 182 دولة، أي أنه في الثلث الأول من المؤشر.
ويتبع ذلك وضع خطة استراتيجية لمعالجة الوضع الاقتصادي، وإيجاد طريقة لتوافق عمل المؤسسات الدستورية، الحكومة والديوان الملكي والأجهزة الأمنية، فلا يجوز أن يكون كل طرف «فاتح على حسابو» كما ظهر أثناء عمل حكومة عون الخصاونة.
هناك شرخ في العلاقات بين أبناء الضفتين إلا أنهم جميعاً يؤيدون النظام الموجود، ولا أي نظام آخر. أما لهجة المعارضة في شرق الأردن، فإنني أفسرها بأن النكد طبيعة ثانية لابن العشائر، إلا أنه دائماً عماد البلد، ولو كانت عندي مشكلة وألف صديق لمساعدتي على حلها، لاخترتُ أن أعتمد على ابن العشائر من بين الألف لأنه أصلي وأصيل.
الحياة اللندنية