زاد الاردن الاخباري -
"سنشعر بالتغيير الحقيقي، يوم تتغير لدينا طريقة تشكيل وإقالة الحكومات"
عبارة ظل صداها يتردد في ذاكرتي لفترة طويلة، والسبب أنها صدرت من رئيس حكومة سابق، تولى إدارة المخابرات العامة في الفترة 1974-1982 ثم كان عراباً للميثاق الوطني عام 1989، وبعدها إنتقل بهدوء يشبه هدوء ما قبل العاصفة، إلى المعارضة، نعم، إنه دولة الأستاذ أحمد عبيدات.
قال لي هذه الجملة عام 2000، في حديث شيق لم يُنشر، حديثه الذي إختلطت فيه الخبرة العميقة مع الذكريات والشجون السياسية، واعترف أنني تأثرت كثيرا حين راح يشرح لي كيف ولماذا أقيلت حكومته عام 1985.
لاشك أن "عبيدات" شخصية جدلية، ويتفق مع ميوله السياسية الكثير من الناس، ويختلف معه مثلهم أو يزيدون، لكن معظم الناس أصبحت توّاقة لتغيير الطريقة التي يتم فيها تشكيل الحكومات الأردنية، جلالة الملك بنفسه، قال في خطابه مؤخرا" نحن نسعى أن تصبح الحكومة لدينا منتخبة".
حسناً، الملك قال أيضا "أننا نحتاج قبل ذلك إلى مرحلة تنمية سياسية، وتفعيل لدور الأحزاب والمؤسسات السياسية"، الناس تثق بالملك بلا حدود، لكنها تتعجل التغيير، قد يكون السبب هو التخوف من أن تطول المرحلة، وخلال ذلك، هناك حكومات سوف يتم تعيينها، على الأقل، الحكومة الإنتقالية التي ستُجري الإنتخابات المقبلة، وقد تكون هذه أهم حكومة يتم تشكيلها في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وحساسيتها تنبع أن هناك من يشكك في قدرتها على إجراء الإنتخابات دون تزوير، تشكيك مسبق، لا يمكن محوه إلا بإيجاد طريقة لضمان أن هذه الحكومة ستحظى بإجماع توافقي على شخصية الرئيس وأعضاء حكومته.
مؤخرا، قال لي "مسؤول رفيع" أن حكومة البخيت ستُقال في أواسط أو نهاية أيلول على الأكثر"، بالطبع كان يلمح لإحتمال أن المطبخ السياسي قد بدأ بمناقشة الأسماء المرشحة للحكومة المقبلة، قال: "الدكتور عون خصاونة أحد المرشحين"، الكثيرون قد يصابون بخيبة أمل، حتى الرئيس نفسه، قد يحاول تأخير إقرار قانون الإنتخاب، فهو لا يعلم بعد إن كان إقراره سيؤدي إلى حل المجلس والحكومة معا، أم المجلس فقط أم أن الحكومة ستجد نفسها في مهب الريح.
بالمقابل، المعارضة تطالب بتشكيل حكومة إنقاذ وطني ترأسها شخصية وطنية متوافق عليها، وهم بالطبع ليس لديهم أية فكرة أو طريقة لتفيذ ذلك، ولكنهم خطرون، ففي العام الماضي، إذا تذكرون، إقترحت فكرة "الملكية الحرة"، وهي حكومة برلمانية منتخبة يُصادق عليها ويقيلها جلالة الملك خلال فترة تهيئة، ومع أنهم كانوا يرفضونها في ذلك الوقت، إلا أنني سمعت أن الإخوان المسلمين عادوا لطرحها مؤخرا، دون مراجعة، وليس بعيدا، تبني الفكرة التي سأطرحها تاليا، دون مراجعة أيضا.
الفكرة بسيطة وليست معقدة كما سيظن البعض، فهي لا تحتاج إلى تعديل دستوري، وتتضمن أن يقدم المطبخ السياسي مثلا خمسة أسماء لشخصيات وطنية، وتوضع بين يدي صاحب الجلالة الملك، وحين يصادق عليها جلالته، يتم تقديمها للتصويت عليها أمام هيئة يمثلها قضاة وأعضاء من مجلس الأمة (الأعيان والنواب) وممثلين معتمدين للفعاليات السياسية المرخصة في الدولة، الرئيس المنتخب من قبل الهيئة، يحظى بتكليف جلالته الرسمي الدستوري النهائي.
أعتقد أن بحث هذه الفكرة، إذا تسنى لها الوصول إلى طاولة المطبخ السياسي الأردني، سيكون نوعا من العصف الذهني، الذي يؤسس بلا شك لتقليص الفجوة بين المتشددين على إبقاء الأمر على ما هو عليه وبين الذين يطالبون بحكومة منتخبة، وتقبل مناقشة الفكرة سوف يخفف أيضا من حدة التوتر القائم حول تشكيل الحكومات، كذلك ستكون عملية سياسية أردنية بإمتياز، ليست منسوخة من تجارب الآخرين، ولا شك أنها ستؤسس أيضا، للحكومة البرلمانية المنتخبة القادمة، التي ينتظرها الشعب منذ سنوات طويلة.