زاد الاردن الاخباري -
كتب : ماهر أبو طير - مع تقديري للغة الدبلوماسية الرسمية التي يستخدمها وزير الخارجية، وهو ابن الاعلام في الأساس، الا ان مفردات هذه اللغة ودلالاتها، باتت وكأنها لغة من لغات الماضي.
القصة هنا لا تتعلق بشخص الوزير، بل بمفردات السياسة الخارجية الأردنية، اذ تواصل ذات المفردات انهمارها فوق رؤوسنا برغم ان كل شيء تغير، فيما نواصل استعمال ذات التعبيرات، وكأننا نعلن اننا أفلسنا، أو أننا لا نملك خيارا سوى التأكيد على موقف قديم لم يعد مجديا اليوم، بكل المعاني السياسية والدبلوماسية، فوق الواقع على الأرض الذي يسير في اتجاه، فيما مفرداتنا بذات اللون والصبغة وكأن لا شيء تغير فعليا، في ملف القضية الفلسطينية.
يقول الوزير في مؤتمر صحفي مع وزراء خارجية مصر، وفرنسا، ومعهما عن بعد وزير خارجية ألمانيا، بواسطة تقنية الفيديو، إن لا سلام شاملا وعادلا إلا بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وإن جهود الأردن مستمرة لتحقيق ذلك، مؤكدا على ان الجميع متفق على حل الدولتين كأساس للسلام العادل والشامل في المنطقة، وان الأردن قلق من انسداد آفاق المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كيف يمكن لنا كدولة ان نواصل التعبير داخليا، او بمعية شركاء سياسيين، عن اصرارنا على حل الدولتين، فيما كل المسؤولين الإسرائيليين يرفضون قيام أي دولة فلسطينية، ضمن أي صيغة، سواء الصيغة التي تعتمد على قرارات الأمم المتحدة، من حيث ترسيم الحدود، واعتبار القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، او حتى الصيغ والمشاريع البديلة، التي تقوم على أساس هندسة جغرافية جديدة للمساحات في الضفة الغربية، مع خروج القدس من خريطة الدولة، واحتمال استبدال الأراضي، بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي؟.
رئيس الحكومة الإسرائيلية أعلن مرارا رفضه لقيام دولة فلسطينية، والواضح أن اللحظة الإقليمية والدولية باتت تندفع نحو اتجاهات جديدة، تتجاوز كل الملف الفلسطيني، نحو إعادة رسم الإقليم، وخرائط العلاقات فيه، وتغيير الأولويات، بما يجعل القضية الفلسطينية غائبة عن اجندة الإقليم والعالم، او انها على الأقل باتت اقل أهمية مقارنة ملفات ثانية.
ربما يرد دبلوماسيون بالقول انه لا يمكن للأردن تغيير مفرداته الدبلوماسية، لا من حيث اللغة، ولا من حيث التعبير عن موقف جديد، او توجه جديد، حيث لا يعد مثل هذا الامر متاحا، بما يفرض على عمان الرسمية الاكتفاء بموقفها التقليدي، ومواصلة اتخاذ ذات الموقف، أي الحض على قيام دولة فلسطينية، والعودة الى مائدة المفاوضات من اجل تسوية سياسية.
ما يراد قوله هنا، ان هذه اللغة لم تعد مناسبة أيضا امام التغيرات على الأرض، من بناء المستوطنات، وسرقة الأرض، والعبث بهوية القدس، واعتراف واشنطن بكونها عاصمة للاحتلال، ثم مخططات ضم الأرض في الضفة الغربية، وغور الأردن، وتقطيع المدن، وعزلها، وتحويلها الى جزر معزولة واحاطتها بالمستوطنات والطرق الالتفافية، بما يجعل حل الدولتين مستحيلا أساسا، في ظل الواقع على الأرض، وقد صدق الوزير الاسبق مروان المعشر حين قال قبل سنوات ان حل الدولتين انتهى على الأرض، ولا يمكن تطبيقه.
بهذا المعنى يصير على الدبلوماسية الأردنية واجب البحث عن مفردات جديدة، لان الإصرار على ذات الوصفة فيما الواقع السياسي، وعلى الأرض مغاير تماما، بمثابة إدارة للخيال السياسي، وجدولة للازمة، والكل يدرك أساسا موقف إسرائيل الرافض لكل العناوين التي يطرحها الأردن والعرب والعالم، وبالتالي لا جدوى من مواصلة التأكيد على حل مستحيل، سياسيا، وواقعيا، وكأننا في عالم آخر، امام ما يفعله الإسرائيليون.
لقد آن الأوان برغم كل مشاكلنا وازماتنا ونقاط ضعفنا ان نعبر عن موقفنا السياسي بطريقة مختلفة، اقلها عدم تبني حلول باتت مستحيلة، بما يثير التندر حقا، حول إمكانية تنفيذها، فإما ان نصمت قليلا، حتى نرى اللحظة الثقيلة الفاصلة الى اين تأخذنا، واما نخرج علانية لنقول ان كل التسوية السلمية فشلت، ومشروع الدولة الفلسطينية، بات مستحيلا، وان الحلول على الأرض قد انتهت، ولم يتبق امامنا سوى حلول السماء، وهي بالمناسبة وحدها المؤكدة.
القصة ليست شخص الوزير، هي قصة السياسة الخارجية الأردنية، وتعبيراتها التي لم تعد مناسبة امام كل هذه التغيرات في المنطقة والعالم، فلا تجد سوى تكرار المكرر.الغد