زاد الاردن الاخباري -
رصد- لم تكن عائلة الطفل فارس مشاقي في فلسطين تتصور يوما ان علامة متدنية حصدها في مدرسته ستودي بحياته، وتدفعه نتيجة محصلات نفسية متراكمة الى الانتحار، ويبقى السؤال الغامض: ما الذي كان يفكر به هذا الطفل الذي لم يتجاوز عمره الخامسة عشر في اللحظة التي قرر بها لف حبل الموت على رقبته، وفي يوم عيد ميلاده..؟!.
تتحدث والدة الطفل بأسى وحرقة، ودمع منهمر، "كان يوما أسودا حلٌ علينا، كنت في "حوش" البيت اعتني بالأرض قرابة الساعة الرابعة مساءً، لم ألاحظ ان ابني فارس لم يعد له صوت او حراك، كل اعتقادي انه في البيت مع اخوته يدرس، لم تمضي سوى نصف ساعة حتى أتت لي شقيقته البالغة من العمر اثنا عشر عاماً تزحف على يديها وترجف، تردد وتقول لي "فارس مات، شنق حاله".
لم تُكمل والدة الطفل هذه الكلمات حتى انهارت ولم تعد قادرة على اكمال حديثها، إن الصّدمة التي تلقتها لحظة صعودها الى الطابق العلوي، لترى ابنها قد شنق نفسه بشال شقيقته، وفي غرفة نوم والديه، جعلتها في حالة صدمة شديدة ما زالت آثارها ماثلة في وجهها حتى هذه اللحظة التي التقيناها بها.
خلال التوجه الى مدرسة الطفل في بلدة ياصيد في فلسطين، ما أن تمشي في أروقة المدرسة حتى تدرك ان الجميع بحالة صدمة، المدير والمدرسون والطلاب وحتى باعة المقصف، المريب، حسب وصفهم، ان الطفل كان بحالة عقلية سوية تٌصعق كل من يسمع ان طفل مثله يقدم على فعل كهذا..!!.
تنهد مدير المدرسة طويلا قبل ان يقول كلمات يصف بها الطفل فارس، يشبك يديه ببعضهما ويقول: "كان طفلا هادئا، اجتماعيا، معتزا بنفسه الى ابعد حد، محبوب، وكنا نطلق عليه لقب "الطفل المبتسم"، اذكر جيدا قبل يوم واحد فقط، مازحني فارس اقترب إليّ وقال "انظر يا حضرة المدير لأول مرة اقوم بحلق ذقني اليست ناعمة!.
تدخلت حينها بائعة المقصف وقالت: "اشهد ان فارس طفلا رائعا، يملك عزة نفس، اذكر في احد المرات قدم إلى المقصف ليشترى بعض الحاجيات، لكن لم يتوفر معه كل المبلغ، قلت له "خذ اللي بدك ياه يا فارس بدون فلوس"، لكنه لم يقبل غادر وعاد بعد بوقت ودفع لي المبلغ كله".
الصدمة تهز خال الطفل وهو استاذ في مدرسته، ولسان حاله يقول: "كيف فعلت ذلك يا حبيب خالك"، يتحدث عن تفاصيل عايشها خلال تواجد فارس في صفه ويقول: "فارس كان يواجه صعوبات في تحصيله الدراسي، وكان يشتكي احيانا من انه غير قادر على دارسة بعض المناهج الصعبة، لكنه كان يثابر ويحاول جاهدا ان يحسن من تحصيله، وبالفعل استطاع ذلك، شهدنا له ارتفاعا ملحوظا في علامته، لكنه كان يبدو دائما متعبا وفي حالة ضغط".
كما تجرى العادة في المدارس فإنه خلال الفصل يقوم المدرس باستبدال اماكن جلوس الطلبة، فقام احد الاساتذة بوضع ابن عمة فارس بجانبه في المقعد، اين عمة فارس هو الطالب النجيب في المدرسة، والأول على صفه، لم نعلم إن كان أهل الطفل هم من طلبوا ذلك اذعانا منهم بان ذلك سيحسن من تحصيل فارس، او انه المدرسة قامت بذلك كأمر عادي يحصل خلال الفصل الدراسي".
من هنا بدأت المعاناة النفسية لدى فارس، ما ان يصل بيته حتى يسمع كلام اهله بأن "اقتدي بابن عمتك انه الأول على صفه"، "لماذا لا تكون مثله ما الذي ينقصك"، وقبل شهر من اقدامه على الانتحار لاحظ الجميع انه أبدى تراجعا واضحا في دراسته، وكان شاحب الوجه ويبدو مهموماً.
وقبل ايام قليلة حصد على علامة 2/30 في مادة "الوطنية"، كانت صاعقه للجميع في صفه، خجل فارس من علامته هذه، خبأها عن أهله لم يكن يريد ان يوبخه احد على علامته، وفي احد الايام عاد الى بيته، وجلس في الغرفة العليا لبيتهم، لم يكن ليدرك احد ما الذي دار في خٌلدهِ في تلك اللحظات، وبأي منطق سحبت ساعداه شال أخته، علقها على حديدة بسقف الغرفة وشنق نفسه.
قرر الطفل فارس مشاقي الانتحار، طفل في عمره جلُ همه ان يلعب كرة قدم مع اولاد حارته، أي منطق وأي عقل يمكن أن يستوعب إقدامه على ذلك..؟!، ترك رسالة له على الطاولة، خطها وهو في كامل قواه العقلية يعتذر فيها لأهله ويقول لهم "ادعوا لي بالرحمة"، يعتذر لأستاذه بسبب العلامة المتدنية التي حصل عليها، يقول "سامحوني وأدعو لي… وخلي الأستاذ بالمدرسة يسامحني هاد آخر عيد ميلاد إلي".
الطفل الهادئ فارس الذي يعتبر اصغر أخوته الذكور، وصديق أخواته الإناث، يعمل والده سائق تكسي في مدينة نابلس، شكّل خبر وفاته بهذه الطريقة صدمة رهيبة لأهله، ولأهالي بلدته، ولا يسعنا الى ان نتساءل هنا ما الذي نفعله بأبنائنا..؟!، لماذا نفرض عليهم ما نريده نحن، لماذا لا نراعي مشاعرهم، ولا نتحدث معهم، لماذا لا نراعي الفروق الفردية لهم، وفي الختام ما هذه المناهج الدراسية التي ندرسها لأبنائنا وتصل بهم حد الانتحار..؟؟!!.