الخطاب السامي في الأمم المتحدة :
إيقاظ الضمير الأُممي عبر التذكير بدايلما الفلسطينين
خطاب الأردن الذي ألقاه جلالة الملك في الجلسة الافتتاحية للدورة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، غطى المحاور الرئيسة التي توزعت مفاصل و بنوداً على أجندة هذه الزيارة الأهم بغير قراءة وبأكثر من حكم ، و إحتشادة جلالته في كلمته السامية هذه هي شأن سلسلة الخطب الملكية بعامة وتلك الموجهة منها للعالم الخارجي بوجه خاص، إذ جاءت بإيجاز بليغ مباشر وصريح لكن باقتدار عالٍ ، حاز إعجاب واحترام الحضور عبر التصفيق غير مرة في القاعة الأممية المهيبة ..
لم يغفل الخطاب السامي جحيم ما خلّفتهُ حرائق الربيع العربي في غير بلدٍ شقيق ، ما استوى على الأجندة الملكية عناوين للملفات الساخنة في هذا الإقليم المضطرب ، و أولها بامتياز وأهمها باطلاق الملف السوري الذي ما زال ينزف دماً شامياً بريئاً تدمع لسقوطه أحجار الكعبة المشرفة ، و ينز في الآن ذاته سواداً بلون العتم طائفياً عنصرياً وعمائياً ، نُعربهُ مع الأشقاء السوريين ومعنا كل شرفاء الأرض بأنه عُصابّي المبتدأ سايكوباتّي الخبر.. لله الأمرُ و الشكوى.
غير أن واسطة العقد في معمار الخطاب الملكي برمته ، كانت هي وبشهادة القاسي قبل الداني والعدو قبل الصديق المسألة الفلسطينية و تحديداً سيناريو حل الدولتين ، الذي حقنته مصالح الربيع العربي بمصل السّبات القومي حتى لا نشخصهُ تشخيصاً مباشراً ، يفت في عضد ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية من يأسٍ مطبق ونسيانٍ مقيم ..
وعليه فبماذا نفسر إذن تعميماً وتخصيصاً هذه الحالة السياسية ،والتي ينسحب تشخيصُها على جميع القضايا العربية ما عدا قضية فلسطين ؟ بل وبكلمة موجزة كيف نهضم بالتالي هذا الذي يجري في الإقليم ، والمتمثل في بعث الدم جديداً وطازجاَ و أحياناً من باب الترف السياسي ، إلا فيما يخص قضية العرب المركزية الأولى – حتى عامين مضيا من عمر أيوب الفلسطيني وصبره المجاني العجيب؟!
أجل لقد نسي والأدق تناسى قادة العالم حتى ما قبل اجتماعهم الأخير في الأمم المتحدة ، قضية القضايا ومسألة المسائل عربياً بل واممياً بإجمال ، وأعني دايلما حل الدولتين المتفق عليه لكن حبراً كثيفاً على ورقٍ شفاف !، مع أن جميع الفرقاء أصدقاء واعدقاء مازالوا يرونه حصان طروادة منذ منتصف القرن الماضي حتى يوم المجتمعين الاممين هذا ..
وباختصار ظالمٍٍ ، خلوصاً ، تركوا حل الدولتين نسياَ منسياَ وجعلوه خلّفهم ظهرياً ، حتى جاء أمس الأول جلالة الملك حفظه الله ورعاه يدق في خطابه السامي ، ناقوس الخطر المحدق عبر بعث التذكار الفلسطيني أمام قادة العالم في الجمعية الأممية ، وبهذا المعنى فإن جلالة الملك قد راح يزلزل راكد القضية المركزية أممياً – أميريكياً .. في المقام الأول ، وكيف أننا استشعرنا ومعنا شعوب وأمم هذا الكوكب بأقطاره وأمصاره شرقاً وغرباً، ردة فعل الزلزلة هذه على المنتدين في قاعة جلسات الجمعية العامة في العاصمة الاقتصادية نيويورك ، الأمر الذي من تجليات فلترته الأولية بعث الماء والدماء في جسد القضية الفلسطينية ، بإخراجه من ظُلمة الأدراج الصدئة وعتم الغرف الصقيعية خلف الأبواب المغلقة ، وبذات الفلترة إيقاظ ضمائر قادة العالم والتي فلسطينياً هي إما في خرف الشيخوخة أو في سباتٍ عميق ، ما سنرى في تحولات عناصره مع تفاعل كيمياء الملفات الأخرى في هذه الزيارة الميمونة في مقالٍ قادم .