الاعتصام خلف القلعة والدفاع عن اسوارها وبروجها يفضي الى العزلة والوهن، وفي التاريخ القديم والحديث لم توفر القلاع والاسوار العالية لاصحابها النجاح الا ما ندر، اما تجاوز القلعة وافكارها يؤدي الى التفاعل مع العالم تأخذ منه وتعطيه الخبرات والتجارب، لذلك نرى بكين اليوم تجاوزت سورها العظيم وبلغت مختلف اسواق العالم وتقف اليوم على سد التجارة العالمية، هذا النجاح تخطى المجاميع العالمية في اوربا والنافتا والافتا وغيرها، وهذا السوك العصري بدء من قبول الآخر والتعادل معه في وقت لاحق وتفوقت عليه في ايامنا هذه، ووضعت نفسها كما تريد واعترف العالم بذلك، لذلك نجد الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية يخطبان ود بكين يطالبان المساعدة في تجاوز الازمة العالمية.
الامثلة اعلاه ضرورة ونحن نناقش امورنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بدءا من تعديلات الدستور وقانون الانتخاب والاصلاح الاقتصادي، في ظل ما يسمى بـ "الربيع العربي" الذي اتي على الاخضر واليابس في عدد من دول الاقليم، وهنا لابد من التأكيد ان حصيلة الاصلاح الشامل ليست كما نشتهي حتى الآن، واذا اكتفينا من هذه الجملة ووجهنا سهامنا لمسيرة الاصلاح المستمرة نكون كمن اعتنق فكر القلعة واستمات في الدفاع عنها دون الالتفات الى التقدم الذي تحقق، وعندها نعطل الاصلاح ونغرق انفسنا كما فعل غيرنا ذلك والنتيجة جاءت وخيمة مؤلمة سياسيا واقتصاديا، والانكى من ذلك يعود من يتسنم السلطة الى المربع رقم واحد، وما يحدث في مصر مثال حي على ذلك حيث اسقطت محاور رئيسة من برامج تحالف الاخوان المسلمين في مصر لاسيما اتفاقية كامب ديفيد، والحصار على غزة، والعلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية، والعلاقات مع مؤسسات التمويل الدولية، وتطبيق الشريعة الاسلامية في الحكم.
التدرج في الانجاز سيؤدي يوما الى تحول نوعي في كافة مناحي حياتنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وان هذا التحول سيكون بمثابة ولادة طبيعية توفر بيئة صحية للجميع دون تضحيات كبيرة غير مبررة وهدر للنفس والمال في وقت نحن بأمس الحاجة اليه ونحن نبذل كل الجهود للافلات من ازمات مالية واقتصادية واجتماعية والعودة الى التعافي، اما محاولة تحقيق كافة الاهداف الممكنة وغير الممكنة دفعة واحدة اقل ما يقال عنه قفزة في الهواء غير محسوبة النتائج، يسوقها نفر لاهداف لاتخدم الوطن ومواطنيه.
منحنا المولى عز وجل نعم كثيرة في مقدمتها العقل والرزق، والمتعارف عليه اننا جميعا شاكرون مقتنعون بما هبنا الله من نعمة العقل ونعتبره راجح يعتد به، وفي نفس الوقت غير قانعين بما رزقنا الله سبل العيش الا من كان لديه ايمان كبير، وهنا يحتدم الصراع ويشتد الخلاف وهنا يكمن جوهر المشكلة، وهذا التشخيص لايشكل دعوة للاستسلام والتغاطي عن الاخطاء ولكن المطلوب الامعان والتفكير بما يدور في مجتمعنا وحولنا ونحدد المسار السليم وهذا هو الاساس.