كم يروق لي هذا العيد، تلك الموجة من الأهازيج التي تبدع في التغني ببركة وجودها، واجهات المحال التي تتحول إلى صور (لأمهات عدة)، كل ذلك يرضيني ويفرحني و تسري في جسدي دغدغة لذيذة كلما تغنت ماجدة ( كرمالك ياماما الدنيا تحلى إياما)، ثم يحدث أن أصاب فجأة بالفزع وبألم في جانبي الأيسر، يتراءى لي وجه أبي ، أبي صخرة شامخة له شارب يتكئ عليه النسر فلا يهتز لكن سعدون جابر قادر على استفزاز دمعه ببساطة كلما مر مغرداً (تعلمت الصبر منك يايمة ، الهوى انت الهوى ومحتاج اشمه)، يتذكر أبي أن هواه الذي يحتاج إلى شمه قد غادره راحلاً فيفقد الصبر الذي تعلمه ويبكي فيحرق روحي وأكره سعدون والصبر والعيد وأتمنى لو كان بإمكاني التحول إلى هيئة جدتي لأضمه إلى صدري وأكفكف دمعه فلا أفلح!!!
وأمي،تلك الحلوة التي نأمرها أن تطفئ كعكة العيد فتطفأها بغصة دمعها، هي الأخرى كان لها أماً يوماً ما : امرأة من خير وفرح لطالما تربعت على كرسيها الطيب في صدر الصالة فدارت حول فلك حكمتها الأفلاك، غادرت كرسيها لتتركتها طفلة وحيدة باكية لا ورد يسعدها ولا حلوى ، أمي لا تدمع وحسب !!! أمي تبكي فيغرق وجهها الدائري الصغير بالدموع وأراني لا أفلح في مواساتها هي الأخرى....
مسرورة أنا في عيدها ولن أداري سروري لكن بصراحة هذا العيد "زودها" وأصبح كل ما فيه مدعاة للجكر ولأنني لا أريد أن أجاكر ولا أريد لعاداتنا أن تتغير، سنشتري كعكاً وهدايا وسنباهي بك الروح ياوردة الروح وستظل أنانيتنا في حبك دافع كاف لأن نحتفل، لكنني أعدك أن يتم ذلك كله بسرية تامة، سأدعي أن كعكة عيدك ليست سوى "راس ملفوف" حتى لا تحزن سلمى بنت الجيران ولن أسمح لفايزة أحمد أن تغني بصوت عال وسأتخذ كل الإحتياطات اللازمة لجعله عيداً عقلانياً غير مبتذل.....
سأحتفل لأن عيدك عيدي ويسعدني فيه أن اسعد ، تماماً مثلما يحزنني فيه دمع طفل يبحث في الوجوه عن صورة أم ، ويؤلمني فيه زفاف لا تبارك فيه العروس سوى روح أم، ويوجعني فيه حال رجل صغير مرتبك الخطى لا تهندم له ربطة عنقه إلا ذكرى أم....فإليك ياأمي و مولاتي أهدي أمنياتي لك بعام يشبهك تماماً ، يشبهك في كل شيء.....وإلى روح كل أم راحلة أهدي فاتحة الكتاب والسلام!!!!!!