يشهد الأردن منذ عام ونيف حراكاً شعبياً يطالب بالإسراع في الإصلاح, ومحاربة الفساد, وتحديد الهوية الوطنية الأردنية, وعودة الولاية الدستورية العامة إلى مجلس الوزراء. وتتفق القيادة الهاشمية مع الشعب في هذه المطالب, وتحث الحكومات على العمل بجدية وبسرعة لتحقيقها. وجلالة الملك عبد الله الثاني يدعو الأردنيين منذ توليه سلطاته الدستورية إلى الانتظام في أحزاب برامجية ضمن منابر فكرية معدودة تساعد في الوصول إلى الحكومات البرلمانية.
يعيش الأردن ربيعه العربي بنموذج فريد في المنطقة, فالمرحلة الحالية وعنوانها الإصلاح تتطلب السرعة في الإنجاز والدقة في التطبيق, فلا تستطيع الحكومة تجاوز هذا الواقع أو ترحيل حلول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى الحكومات التالية. ولعل انعدام الثقة بين المواطن والحكومة يبرر المخاوف الشعبية من الممارسات الحكومية و التشكيك في نية الحكومة في التطبيق الدقيق للتعديلات الدستورية وقوانين الإصلاح السياسي ونزاهة عملية الانتخاب العام ( البرلمان والبلديات).
أن معالجة القضايا بأسلوب عملي وواضح وشفاف, ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل والمماطلة، وهي الكفيلة بالتأسيس لبناء جسور الثقة بين الحكومة والمواطن.
المؤرخ الدكتور العلامة علي المحافظة اعتبر أن الاستجابة للإصلاح في الأردن "بطيئة وغير جادة".فما هي الأسباب ؟ هل هي الحكومات ( المقصود في هذا المقال البعض وليس الكل ) بسبب خلو أطقمها من أشخاص إصلاحيين يؤمنون بمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين، مما أدى لانتشار الفساد بمختلف أشكاله من رشي ومحسوبية وشللية وواسطة وسوء استعمال للسلطة، آم هي الأجهزة الأمنية وعدم حصر مهامها في المحافظة على أمن الأردن واستقراره وعدم الابتعاد عن التدخل في العمل السياسي ، آم هي قوى الشد العكسي والقوى الاجتماعية التي تخشى فقدان مواقعها في السلطة والامتيازات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تتمتع بها ، حيث ستبذل هذه القوى كل ما لديها من قوة ومختلف الأساليب الشريرة لإفشال المسيرة الإصلاحية في تحقيق أهدافها، آم هو مجلس النواب الذي يسعى لتحقيق مزيدا" من المكاسب (كالرواتب التقاعدية والجوازات الدبلوماسية مدى الحياة) بالاظافة للمسائل الشخصية التي تخص ذواتهم والصفقات والتعيينات التي نراها ونسمع عنها عند منح الثقات أو التنافس على المركز القيادية في المجلس ، ولكن ... ( ومن أجل المصلحة الوطنية فأن المطالبة برحيل الحكومة وحل مجلس النواب في هذا الوقت ستدخل البلاد في فراغ سياسي لن يكون مفيدا لأحد، بل سيكون في غاية الضرر على زخم الجهد الإصلاحي وخاصة فيما يتعلق بقوانين الانتخابات والأحزاب )، آم هي الأحزاب والتنظيمات التي ترفض المشاركة والدخول في الحكومات المتعاقبة لعدم وجود برامج سياسية واقتصادية واجتماعية إصلاحية حقيقية لديهم ولأنهم لا يجيدون سوى المناكفة، آم هي فئة من رجال الأعمال الذين لم تشكل أسس إدارة الدولة واقتصادها ورفاه شعبها جزءاً من ثقافتهم ولم يروا في الحكم إلا ميداناً للسباق المحموم لجمع الثروة، آم هي العشائر والقبائل الأردنية التي تنمي الهوية الجهوية والعشائرية الضيقة على حساب الهوية الوطنية والانتماء للوطن والأردن. فهل آدت الأسباب أعلاه على مدى السنوات إلى الإخلال بتوازن السلطات وإضعاف رقابة السلطتين القضائية ؟
الآن وبعد مضى أكثر من عام كامل على انطلاق مسيرة الربيع العربي في الأردن ، حقق الشارع الأردني قفزات مهمة في تطوير الحراك الشعبي ومطالبه وشعاراته وكان سببا رئيسيا في إسقاط حكومات ورموز فساد ، وتحققت إصلاحات سياسية ودستورية وقانونية ومالية ربما لم تكن تتحقق لولا هتاف الشعب و الاحتجاج. وبالرغم مما تحقق،
فالشارع لم يلمس مباشرة اثر الإصلاحات على حياته اليومية ولم يشهد تحولا كبيرا في مفاهيم النزاهة والشفافية، مما يدفع بالمواطنين إلى التساؤل حول الجدية في تنفيذ الإصلاح الحقيقي رغم التأكيدات ألإعلامية الرسمية التي لم تتجسد بعد في سياسات وإجراءات تنفيذية شاملة ومتكاملة و واضحة في أطار خارطة طريق زمنية محددة. بالختام، أود الاستماع لأرائكم الكريمة لإثراء النقاش حول معيقات مسيرة الإصلاح .... وكيف ترون قضية الإصلاح في الأردن التي يزعم البعض بأنها بدأت قبل الربيع العربي علما" أن بعض الدول العربية التي هب عليها الربيع ولامسها قد تجاوزته وهي تنعم ألآن "بالصيف " الذي نتغنى ونتشدق بالوصول أليه! فهل هناك الشجاعة في إجراء إصلاحات حقيقية بعيدا عن حسابات المصالح الفئوية الضيقة؟ وهل تعتقدون بأننا نسير على الطريق السليم ، آم أننا تائهون بانتظار الفرج لتحقيق الإصلاح الموعود ؟