نطقوها بلسان عربي مبين ارحل... فما عدت تستحق البقاء أكثر، وقد ألغينا تأشيرة دخولك المجانية إلى قلوبنا، وصورتك الداخلية تكسرت في محاجر العيون، وقد أزلنا تمثالك من هياكل الأرواح.
ارحل فقد انتهت اللعبة، وانكشف سر قداستك الوهمية، وتمزقت أشرعة السفينة التي خرقتها لتغرق شعبها الطيب، وقد ائتمنتك الملايين على مصيرها، وقرارها، فصيرتهم عبيدا لملذاتك، وأهوائك، وسلمتهم إلى الشقاء بلا رحمة.
ها أنت تتساقط يوميا، مع كل هتاف ضدك في الشارع، وتسقط حصون هيبتك على التوالي حتى صرت مضغة في الأفواه، ويعاد محاكمتك شعبيا بأثر رجعي، وانتصبت جرائمك بحق شعبك مرة واحدة أمام المحاسبة، وقد غمرك السيل البشري الغاضب، وغصت في الوحل، والعار.
ارحل فما عدت تستطيع البقاء على جثث أحلامنا، لقد تركتنا مهزومين، ضائعين، مهمومين على لقمة الخبز، لا نلوي على شيء، صرعى الحياة المرة، مجردين من الحقوق الآدمية. وألقيت في قلوبنا البغضاء، والتنافر.
ارحل فقد سرقت كل شيء، وتركت الديار بلاقع. أنت ما حفظت العهد، والميثاق، وضيعت الأمانة، أنت سرقت الحلم، أنت أطفأت قلوبنا كي تسعد وحدك، أنت حولتنا إلى صرعى الهموم والانكاد. أنت حملتنا الحزن صليبا لا نبرحه على طريق آلامك.
ارحل أخيرا لقد تحطمت هالتك، واكتشفنا خلطتك البشرية، وما عدت سرا إلهيا، وأنت بت ليلا ثقيلا على كواهلنا، ومصدر أحلامنا المزعجة، وتلاشى سحرك. ولقد تمزقت أشرعة الخوف، وانطلقت الأرواح الثائرة، والهاجعة لعقود على شوق التحرر، والانعتاق.
ارحل باسم الشعب الذي ضيعته ، فأنت أصل البلاء، ولم تعد تخفى لصوصيتك، لقد دمرت شعبك، وألحقته بقائمة الشقاء.
ارحل فقد أقفرت الديار، وعم الضنك، وكثر اللصوص، وسراق الوطن. وصار الكفاف يسود حياة الناس.
لقد سئمنا أكاذيب السلطة التي تتقنها، ودورك الإنساني محض الأعيب أمام شعب محبط، والسيدة الأولى تصرف مقدرات الأمة أناء الليل، وأطراف النهار، وقد تعطف على فقير أمام الكاميرات، وعلى شاشة التلفزيون.
ارحل فشتان بين من قدم عمره، ومشاعره، وتعب أيامه وليله كي يسعد شعبه، وبين من أشقى الملايين ليزهو بالسلطة، والمال، وليبني إمبراطورية أحلامه على معاناة البؤساء.
ارحل... فتلك معزوفة عربية ستشيعك إلى قعر التاريخ، وهي تترد في الأعماق، وستطفو على كل الألسنة، وغدا تنطلق بها الحناجر، وستلحق بك الهزيمة، والهروب، وهنالك الخسران المبين، وسترحل تطاردك اللعنات. وعندها ستكتشف انك بشرا عاديا، لا فضل لك على احد، وسينفض من حولك الانتهازيون الذين بدلت شعبك بهم، وستجد نفسك تطاردك الغربة، وذكريات السلطة، ولن تجد توقيرا قط، وربما تنهي حياتك باحثا عن لحظة سلام داخلي.
غدا ستطويك الأيام، وتزول ذكراك المرعبة من النفوس المعذبة، ويبدأ الشعب يلملم جراحاته كي يبدأ من جديد، ولعله يصادف حياة طيبة، وربما أن أهم ما فيها انك تكون حللت خارج المشهد .