كلما ارتفعت الأسعار، زاد الفارق بين دخل أصحاب المرتبات المحدودة من متقاعدين وعاملين
وحاجتهم إلى الإنفاق وتغطية المصاريف الضرورية لحياتهم اليومية 00وزادت مطالبة هؤلاء ورفع أصواتهم بزيادة الرواتب ، وعلى الحكومة أن تسعى لتلبية هذه المطالب !00والا عليها أن تتحمل المظاهرات المطلبية والاعتصام والامتناع عن العمل وشل الحياة !00
وأود أن اذكّر الحكومة والموظفين بالنظرية الاقتصادية التي تقول : إن زيادة الرواتب تؤدي إلى ارتفاع الأسعار والتي يعبر عنها بالحلقة الجهنمية ، فزيادة الرواتب يقابلها جشع التجار ورفع الأسعار مع الحرية الاقتصادية التي أخذنا بها وعدم تدخل الدولة ، وترتفع الأسعار حتى تأكل الأخضر واليابس وتستهلك الزيادة الجديدة ، ويدخل الناس من جديد في هذه الحلقة الجهنمية التي لا تنتهي !!00
وصاحب الدخل المحدود لا يبحث عن الثراء وكنز الأموال ، ولا يبحث عن كمية و مقدار راتبه الشهري الذي يعتاش منه ، وإنما يبحث عما يغطي حاجاته اليومية من الإنفاق وتسديد التزاماته الملحة والمطلوبة ، بحيث لا يصاب بالإعسار ولا يتحمل الديون 0
فكيف يمكن للدولة أن تنقذ المواطن من هذا الوضع ، وتضع حدا لهذا الارتفاع المتنامي ؟!00
وتكسر الحلقة الجهنمية المتلازمة مع كل رفع للأجور والرواتب ؟!00
من حق المواطن ، ومن واجب الدولة أن تبحث عن الحلول المناسبة لهذا الوضع الشائك ، وتسعى إلى تنفيذ هذه الحلول التي ترى أنها مجدية في حل هذا الاشكال00 الذي برز وبوضوح بعد اخذ الدولة بنظام الحرية الاقتصادية المطلقة، وانسحاب الدولة من التدخل في الشؤون الاقتصادية وترك القوي يقرر ما هو في مصلحته على حساب مصلحة الآخرين، ويقرر بجشع السعر المناسب له وليس للسلعة المعروضة ، حتى أن الدولة ألغت من تشكيلات حكوماتها وزارة التموين التي كانت إلى حد ما إلى جانب المواطن الغلبان و تلزم التاجر في أن يعلن سعرا يحقق ربحا معقولا للسلعة المعروضة !00
وزاد الأمر سوءا بعد موجة الخصخصة وبيع المؤسسات الرابحة التي نادى واخذ بها بعض المسئولين ، وأصبح من الهرطقة أن تقف في وجه هذا التيار الجارف بما فيه من ظلم و ألم وفساد !00واذا كان لك رأي مخالف فأنت تسبح عكس التيار!00فبيعت الشركات والمؤسسات الرابحة بابخس الأثمان بحجة الإنماء وإعمار صندوق الأجيال الذي وجد خاليا ،ووضع فارق السعر في حسابات المتنفذين أصحاب القرار، وأصبح لدينا فئة بسيطة من المليارديرية يعيشون في الخيال ،على حساب ذوبان الطبقة الوسطى التي كانت تمثل أغلبية الشعب الأردني وكنا نفتخر بها ، وتحول هذه الفئة إلى طبقة من الفقراء الجياع!!00
وما ذلك ، إلا لانسحاب الدولة من الميدان الاقتصادي والاكتفاء بدور المتفرج ، وعدم تدخلها في هذا الميدان، مما نجم عن هذا الاسلوب تراجع التنمية والمشاريع و ضمور التشغيل واضمحلاله ، وزيادة البطالة بالاستغناء عن العمال والموظفين أو تقاعدهم المبكر وهم في سن الشباب !00
ولابد لهذا الوضع المؤسف من علاج سواء لدى الاقتصاديين أو السياسيين المخلصين :وارى ما يلي :
1ـ إن على الدولة أن تتدخل وتضبط الأسعار حتى لا تُستهلك زيادة الرواتب الجديدة وتذهب إلى
جيوب التجار فنقع في المحظور وتتحقق الحلقة الجهنمية !00
2ـ وحتى تضبط الأسعار لابد من تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية وفرض الرقابة الفعالة من
جهة رسـمية سـمها ما شــئت وزارة تـموين أو دائرة للرقـابة تـتبع إلى وزارة الصناعة
والتجارة بشـرط أن تتدخل هــذه الجهة في تحـديد الأسـعار على ضوء الكلفة، وليس فـقـط
في إعلان هذه الأسعار وترك تحديدها للتجار !00
3 ـ لابد من التنمية المحلية (زراعيا وصناعيا ) : وان كانت بحاجة إلى برنامج يستغرق زمنا
ووقتا طويلا ، وهي بحاجة إلى التخطيط السليم والعزمات الوطنية المخلصة ، سيما التنمية
في المجال الزراعي (النباتي والحيواني) الذي قضينا عليه بالرغم من تباكينا جميعا عليه ،
وتراجع إنتاجنا من القمح أو انعدم وهــو الأمـن الغذائي الذي يهم الجميع ، وحـل مكانه
زراعة الاسمنت أو المشروع الأميركي لإبعادنا عن إنتاج القمح والتحكم فينا وإغرائنا
بزراعة الزيتون الذي لا نجد له تسويقا !00وما فائدة أن يكون لديك مئة تنكه من الزيت
وليس لديك رغيف من الخبز ؟!00
4 ـ اعــرف أنني اجـذف عكس التيار الذي ينادي بالحرية الاقتصادية مـن اجـل التنمية ، وان
أنصار هــذا التيار سـوف يهبّون للدفاع عن حرية القوي في افتراس الضعيف !00ولكنني
سلفا اذّكر هؤلاء بان الأزمة العالمية التي سيطرت على دول الغرب لم تجد حلا لها سوى
بتدخل الـدولة في الحياة الاقـتصادية ، بالإضافة إلى أن مـن مستلزمات النظام الرأسمالي
الأزمات المالية الدورية التي لابد من تدخل الدولة لتجنب ويلاتها !00
فهل نحن متمسكون بالنظام الرأسمالي على ظلمه وعجزه أكثر من الدول الرأسمالية؟!00
أم لابد من البحث عن علاج لهذه المظالم التي يسببها هذا النظام ؟!00
والخلاصة : مادامت الحكومة زادت رواتب أصحاب الدخل المحدود ، فمن واجبها أن تحافظ
على قوة الدينار المتآكلة ، وتحد من ارتفاع الأسعار وجشع التجار حتى يبقى لهـذه الزيادة
قيمة ويشعر صاحب الدخل المحدود بجدواها ، ولابد من تدخلها في الحياة الاقتصادية لضبط الأمور سيما في هذه الظروف العصيبة ، وحتى لا نقع مجددا في جحيم الحلقة الجهنمية المعروفة !00