بقلم: المحامي محمد عيد الزعبي - في دولةٍ تدّعي التزامها بالدستور، واحترامها للمواطنة، وضمانها للحقوق، لا يجوز أن يُطرح – ولو همسًا – مفهوم "الحقوق المنقوصة" لأي فئة من فئات الشعب.
لكننا، وعلى نحوٍ مستفز، سمعناها من رجل دولة سابق، واقتصادي مخضرم، ووزير شغل مواقع عدة... الدكتور جواد العناني، الذي ما انفك يلمّح – بل يصرّح أحيانًا – بأن هنالك فئات من المواطنين "لا يحق لهم كل شيء"، وأنَّ المواطنة عندهم محكومة بالسلوك، أو التاريخ، أو الهوية الأصلية، أو "الظروف".
هكذا، ببساطة، تتحول المواطنة من حق دستوري ثابت إلى امتياز مؤقت مشروط، وتصبح الهوية الوطنية سلعة قابلة للتجميد، أو حتى المصادرة، بموجب مزاج سياسي أو تخمين أمني.
المواطنة ليست وجهة نظر
الدستور الأردني، في مادته السادسة، كان حاسمًا لا يحتمل التأويل:
> "الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين."
لكن خطاب العناني وأمثاله يختصر الوطن إلى طبقتين:
طبقة "الأصيلين"، الذين تُمنح لهم الدولة بكل ما فيها.
وطبقة "المتَّهمين الدائمين"، الذين يجب أن يثبتوا – كل يوم – أنهم ليسوا خطرًا، ولا عبئًا، ولا غرباء.
هؤلاء يُطلب منهم أن يضحّوا، ويعملوا، ويدفعوا الضرائب، ويؤدوا الخدمة، ولكن حين يطالبون بحقوقهم يُقال لهم: "حقوقكم منقوصة... لأسباب خاصة."
أي عبثٍ هذا؟
نظرية "الحقوق المنقوصة": خطر على الدولة نفسها
إن ما يطرحه العناني، وإن بدا أكاديميًا أو حذرًا سياسيًا، يُعدّ تهديدًا مباشرًا لركائز الدولة الحديثة.
فهو يقوض:
مبدأ سيادة القانون.
مبدأ الوحدة الوطنية.
مبدأ المساواة الذي يُعد حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي محترم.
ثم يأتي السؤال الأهم: من الذي يملك الحق في تصنيف المواطنين؟ ومن خول بعض المسؤولين أن يكونوا قضاة نوايا وولاة على ضمائر الناس؟
إن هذه النظرية، وإن بدت "مخففة" لغويًا، إلا أنها تُشرعن الإقصاء والتهميش وسحب الحقوق، وتفتح الباب لقرارات تعسفية، كالتي رأيناها في سحب الجنسية من مواطنين دون محاكمة، ودون سند قانوني واضح، وتحت ذرائع فضفاضة مثل "المصلحة العليا للدولة".
الوطن ليس نادياً خاصاً
الوطن ليس نادياً خاصاً بعضويّة محددة، ولا شركة مساهمة لا يدخلها إلا "الموصى بهم".
الوطن شراكة... عقد اجتماعي وسياسي، لا يُفكك إلا بانهيار الدولة نفسها.
إن من عاش على هذه الأرض، وانتمى لها، وأخلص لها، لا يجوز أن يوضع على "لائحة انتظار الاعتراف"، ولا أن يُعامل كضيف مشكوك فيه، أو كقنبلة موقوتة.
ولذلك، فإن الرد الحقيقي على نظرية "الحقوق المنقوصة" يجب أن يكون شعبيًا، قانونيًا، وسياسيًا، عنوانه:
لا مساومة على المواطنة. لا انتقاص من الحقوق. لا تمييز بين المواطنين.
نقولها صراحة: كفى، دكتور جواد.
المواطنة ليست وجهة نظر،
وليست "خطة اقتصادية"،
وليست أداة لضبط التوازنات.
المواطنة هي جوهر الدولة.
ومن ينتقص منها، يهدم أساسها.