بينما يقف العالم على أعتاب أكبر التحولات في تاريخه الصناعي والبيئي، تتجه أنظار العلماء والمستثمرين والمفكرين صوب طاقة جديدة تُعدّ بوابة الخلاص من تلوث الكربون وقيود الطاقة التقليدية : ( الاندماج النووي ) ، إنها ليست مجرّد تقنية علمية، بل رؤية كونية لإعادة تعريف علاقتنا بالطاقة والمادة والمستقبل ، وهنا قد يتساءل البعض : ما هي طاقة الاندماج النووي؟! وللإجابة نقول : طاقة الاندماج النووي هي العملية ذاتها التي تُضيء الشمس والنجوم ، وهي تقوم على دمج نواتين خفيفتين (كالهيدروجين الثقيل – الديوتيريوم والتريتيوم) لإنتاج نواة أثقل (كالهيليوم) مع إطلاق طاقة هائلة ،
على عكس الانشطار النووي الذي يولّد نفايات مشعة خطيرة، فإن الاندماج ،
لا يُخلّف مخلفات طويلة الأمد ، ولا يُنتج غازات دفيئة ، ولا يحمل خطر الانفجار النووي التقليدي ، في الوقت الذي يُنتج فيه طاقة أكثر بآلاف المرات من الوقود الأحفوري ، والسؤال الذي يطرحه السياق :
لماذا الآن؟! ولماذا هذا الاهتمام العالمي المفاجئ؟!! والجواب هو : أنه وفي يوليو 2025، فجّرت شركة Google مفاجأة مدوية بتوقيعها أول اتفاقية شراء لطاقة الاندماج النووي من شركة ناشئة تدعى Commonwealth Fusion Systems، وهي ثمرة أبحاث معهد MIT ، وهذا الحدث التاريخي لم يكن مجرد صفقة طاقة، بل إعلان عن دخول عمالقة التكنولوجيا في سباق لإعادة تشكيل سوق الطاقة العالمي ، وقد تبعها استثمار ضخم من Microsoft وAmazon وChevron، ما جعل من اندماج النووي الحلم الأكثر واقعية منذ اكتشافه منتصف القرن العشرين ، سيما وأنه بالرغم من أن العلماء عملوا على هذه التقنية منذ أكثر من 70 عامًا، إلا أن التحوّل الحقيقي بدأ منذ 2018 مع ثلاثة إنجازات فارقة ، وهي على النحو التالي :
1. تطوير مغناطيسات فائقة التوصيل تعمل في درجات حرارة أعلى، وتوفر قوة احتواء للبلازما (الغاز شديد الحرارة) غير مسبوقة.
2. نجاح الصين وكوريا في السيطرة على بلازما بدرجة حرارة تفوق حرارة الشمس بـ 6 مرات لفترات قياسية.
3. مشروع ITER الدولي في فرنسا، الذي سيُنتج أول بلازما اندماجية كاملة بحلول 2030، بدعم من 35 دولة.
وجدير بالذكر هنا أن الأبعاد
في أهمية الاندماج النووي لا تقتصر على البيئة، بل تحمل مضامين جيوسياسية بالغة ، مثل : الدول التي تسبق في إنتاج طاقة الاندماج ستُحرر اقتصادها من التبعية النفطية والغازية ، وقوى مثل الصين، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي تستثمر مئات المليارات لإنشاء الجيل القادم من محطات الطاقة الخالية من الانبعاثات ، وأفريقيا والشرق الأوسط تقف أمام فرصة ذهبية للاستثمار في هذا القطاع بدلًا من الاستنزاف في الوقود التقليدي ، ولكن رغم الحماسة العالمية ، علينا أن نذكر الجميع بأن هناك عقبات لا بد من حلها مثل : احتواء البلازما على مدى زمني طويل بدون انهيار مغناطيسي ، فضلاً عن التكلفة الهائلة للبنية التحتية الأولية ، نتحدث عن (عدة مليارات للمفاعل الواحد) ، بسبب الحاجة الى المواد القادرة على تحمّل الحرارة والإشعاع بدون تآكل ، ولا ننسى أن هذه العقبات تبرز في ظل البيروقراطية السياسية في تبنّي تقنيات ثورية ، ومع ذلك نعود ونقول أن التاريخ يخبرنا أن كل إنجاز عظيم كان في بدايته ضربًا من الخيال ، ويبقى السؤال : هل الاندماج هو “الطاقة الكونية” المنتظرة؟!! نطرح هذا التساؤل في وقت نجد أن الكثير من الفيزيائيين يؤمنون بأن طاقة الاندماج ليست مجرد مصدر طاقة بل مرحلة جديدة من تطور الوعي البشري – من استهلاك موارد الكوكب إلى التناغم مع القوى التي تُشغّل الكون نفسه ،
فهي لا تنقذنا من أزمة المناخ فحسب، بل تُرينا كيف نخلق طاقة تشبه قلب النجوم – نقية، مستقرة، لا تنضب ، وتبقى الإنسانية
بين شعلة حلم ، و واقع يتوهّج ، سيما وأن ما نراه اليوم من تحالف بين العلم والتكنولوجيا والسوق هو إعلان عن انبلاج عصر جديد ، عصر الطاقة الخضراء المطلقة ، عصر تعود فيه الأرض لتتنفّس، وتبني فيه البشرية مدنًا مشغّلة بنبض النجوم ، وإذا كنا بالأمس نحلم بشمس لا تغيب، فاليوم نبنيها بين أيدينا ، لأن
طاقة الاندماج النووي ليست تكنولوجيا فقط، بل رؤية حضارية تتجاوز الفيزياء إلى مستقبل كوكبي عادل وآمن ومستدام ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .