في خضم الحوادث المتكررة التي تطفو على السطح بين الحين والآخر، سواء كانت متعلقة بمواد غذائية فاسدة، أو مشروبات غير صالحة للاستهلاك البشري، نجد أنفسنا أمام تساؤل جوهري لا علاقة له بنوع المادة، بل بمنظومة الرقابة نفسها :
هل الخلل في المنتج أم في النظام الرقابي الذي سمح له بالوصول إلى أيدي الناس ؟
سواء كانت المواد محل الجدل "خموراً" مصرحاً بها أو أية سلعة محلية أو مستوردة ، فإن الأصل أنها مرخصة من جهات رسمية، ومصرح بتداولها ضمن أطر قانونية معلومة .
وهذا يضعنا أمام مسؤولية مباشرة :
أين الجهات الرقابية من مسار هذه المنتجات ؟
أين التفتيش الميداني ؟!
أين الفحوصات المخبرية الدورية ؟
أين الاشتراطات الصحية التي يُفترض أن تُفرض على المستورد والمصنّع والموزّع على حد سواء ؟
ما حدث في بعض الحوادث الأخيرة ليس خللاً مفاجئاً، بل هو نتيجة تراكمات من ضعف الرقابة، وتراخي تطبيق المعايير، وغياب الصرامة في الملاحقة والمحاسبة . ويزداد الأمر خطورة حين يُترك المواطن نهباً للتسمم أو الغش أو الفساد الغذائي، بينما تكتفي الجهات المسؤولة ببيانات إنشائية بعد وقوع الكارثة .
والأدهى من ذلك، أن الفاتورة الأخلاقية والمهنية لا تتوقف عند ضحايا الحادثة، بل تمتد لتشمل أصحاب المهن الذين يعملون في هذه المجالات ضمن الأطر القانونية، ويتضررون من التعميم والاتهام، ومن التشكيك بمشروعية ممارساتهم التجارية، فمن يحمي سمعة المهنيين الملتزمين ؟ ومن يحفظ استقرار قطاعات بأكملها يُلوَّث اسمها بفعل قلة مهملة أو منظومة رقابية معطوبة ؟
العدالة لا تتحقق فقط بإغلاق منشأة أو توقيف شخص بعد فوات الأوان، بل تتحقق أولاً بالوقاية، وبوجود نظام رقابي صارم لا يفرّق بين "منتج حساس" و"منتج عادي"، بل يتعامل مع كل ما يدخل في جسد المواطن بنفس درجة الخطورة والأهمية .
ما نحتاجه اليوم ليس تساؤلاً عن نوع المادة، بل مراجعة شاملة لطريقة إدارة ملف الرقابة الغذائية والصحية في البلاد، فالمواطن لا يعنيه إن كانت المادة "خمراً" أو "تمراً"، ما يعنيه هو أن يكون في مأمن من الفساد، وأن تحترم الجهات المختصة صحة الناس كأولوية لا تقبل التهاون أو التبرير .
#روشان_الكايد
#محامي_كاتب_وباحث_سياسي