سندس نوفل - أثار الإعلان عن التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات الأردني لعام 2025 موجة من الجدل الواسع في المجتمع الأردني، خاصة فيما يتعلق باستبدال بعض العقوبات السالبة للحرية في الجرائم البسيطة، بعقوبات بديلة مثل الغرامات المالية، الخدمة المجتمعية، المراقبة الإلكترونية، والإقامة الجبرية. وقد انقسمت الآراء بين من يرى في هذه التعديلات نقلة إصلاحية نحو العدالة التصالحية، وبين من يعتبرها خطوة قد تُضعف من هيبة القانون وتُقلل من فعالية الردع.
تتركز معظم الانتقادات على أن هذه التعديلات لا تُحقق الردع الكافي ولا تُنصف الضحايا، بل قد تفتح الباب أمام تكرار الجريمة، خاصة في ظل مخاوف من غياب الرقابة الفعالة على تطبيق هذه البدائل، مما يُهدد الشعور بالأمن القانوني ويُضعف ثقة الأفراد بمنظومة العدالة.
جاءت هذه التعديلات استجابةً لعدة عوامل، من أبرزها: الاكتظاظ الكبير في السجون، ارتفاع كلفة النزلاء على الدولة، والرغبة في مواءمة التشريعات مع الأنظمة القضائية الحديثة التي تُشجّع على إعادة تأهيل الجاني بدلاً من معاقبته فقط.
نصّت المادة (25 مكررة) من القانون المعدل على أنه:
"للمحكمة في الجنح، وبناءً على تقرير الحالة الاجتماعية، وفيما خلا حالة التكرار، أن تقضي – حتى لو اكتسب الحكم الدرجة القطعية – ببديل أو أكثر من العقوبات التالية:
أ- الخدمة المجتمعية (من 40 إلى 100 ساعة خلال سنة).
ب- برنامج تأهيلي أو إصلاحي.
ج- المراقبة الإلكترونية.
د- الإقامة الجبرية في المنزل أو داخل منطقة جغرافية محددة.
هـ- منع السفر أو التردد إلى أماكن معينة."
كما وسّعت المادة (22) صلاحيات المحكمة، بحيث:
"يجوز تأجيل تنفيذ الغرامة مدة لا تتجاوز سنة، أو تقسيطها على سنتين، إذا ثبت عجز المحكوم عليه عن الدفع الفوري، مع إمكانية منعه من السفر حتى إتمام السداد."
أما المادة (27) المعدّلة فأتاحت استبدال عقوبة السجن التي لا تتجاوز سنة بغرامة مالية، إذا اقتنعت المحكمة أن الغرامة تحقق الردع الكافي.
لا يُعد هذا التوجه حكرًا على الأردن. فقد اعتمدت دول عدة مثل فرنسا منذ سنوات طويلة العقوبات البديلة في الجرائم البسيطة، خاصة المراقبة الإلكترونية والخدمة المجتمعية. أما في ألمانيا، فتُستبدل بعض عقوبات الحبس القصيرة بالعمل للمصلحة العامة، مع اعتماد برامج تقويم نفسي وسلوكي، وإعادة إدماج إلزامية للجناة.
هذه التجارب تدل على أن العالم يتجه نحو نموذج العدالة التصالحية، التي تهدف إلى إصلاح الجاني بدلاً من الاقتصار على عقابه. غير أن نجاح هذه النماذج يرتبط بمدى وجود بنية تحتية قوية، ورقابة صارمة، وتدريب للمؤسسات القضائية والمجتمعية على حسن التطبيق.
رغم النوايا الإصلاحية، إلا أن التعديلات تطرح تساؤلات جوهرية حول فاعليتها في الردع، خاصة في مجتمع لا تزال تُقاس فيه العدالة بصرامة العقوبة. ومن أبرز المخاوف:
ضعف الردع العام في حال لم تُقابل الجريمة بعقوبة واضحة وملموسة.
غياب الشعور بتحقيق العدالة، لا سيما لدى ضحايا الجرائم التي تمس الحقوق الشخصية.
إمكانية استغلال هذه البدائل من قبل من يملكون النفوذ أو العلاقات، ما يُضعف مبدأ المساواة أمام القانون.
تكرار الجريمة في حال غابت الرقابة الجادة على تنفيذ العقوبات البديلة.
من الواضح أن الأردن يسير في اتجاه مواكبة الأنظمة القضائية الحديثة، عبر التوسع في بدائل العقوبات السالبة للحرية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه التعديلات لا يتحقق بمجرد سنها، بل يحتاج إلى ضمانات فعلية، مثل:
وجود بنية تحتية مؤهلة.
تفعيل أجهزة الرقابة والمتابعة.
تشريعات دقيقة توضح بوضوح متى تطبق العقوبات البديلة، ولأي نوع من الجرائم.
بهذه الطريقة فقط، يمكن تحقيق توازن عادل بين حماية المجتمع من الجريمة، وإعطاء فرصة
حقيقية لإصلاح الجاني ودمجه من جديد في المجتمع.