زاد الاردن الاخباري -
في الساعات الأولى من فجر اليوم الجمعة كانت طائرات "إف-15" الإسرائيلية تعبر حدود الجغرافيا وتتجاوز كل الخطوط الحمراء وتلقي بقنابلها على الأرض الإيرانية.
من نطنز إلى الملاجئ تحت الجبال وصولا إلى الحرب الرقمية التي تدار عن بعد خلف الشاشات يتشكل مسرح جديد للمواجهة أكثر شراسة وعدوانية، مسرح لا تهيمن عليه الطائرات فقط، بل كذلك المسيّرات والعملاء وحرب المعلومات والعمليات المباغتة.
قالت إسرائيل إن ضرباتها استهدفت على دفعات منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، وإن هذه بداية عملية مطولة لمنع طهران من صنع سلاح نووي.
في المقابل، أفادت وسائل إعلام إيرانية وشهود عيان بوقوع انفجارات في مواقع عدة، من بينها منشأة نطنز الرئيسية لتخصيب اليورانيوم، في حين أعلنت إسرائيل حالة الطوارئ تحسبا لرد إيراني بضربات صاروخية وطائرات مسيرة.
أولى الملاحظات على الصورة الأولية للتصعيد العسكري كانت بيان وكالة الدولية للطاقة الذرية الذي جاء فيه أن مفتشي الوكالة يواصلون تقديم تقارير عن الوضع الميداني على الأرض.
ووفق آخر التحديثات، فإنه لم يُرصد أي تسرب للمواد الإشعاعية، وذكرت الوكالة أنه "لم تحدث زيادة في مستويات الإشعاع" في موقع نطنز عقب الضربات.
نطنز تحت القصف
يضعنا ذلك أمام احتمالين أساسيين لاستهداف المنشآت النووية، الأول أن إسرائيل حاولت بالفعل تدمير المنشأة النووية بالكامل لكنها لم تتمكن من ذلك، والآخر أنها أرادت إخراج المنشأة عن العمل لكن بشكل لا يسمح بتسريب نووي قد يصل أثره إلى دول مجاورة، مما يعني أن الضربة كانت محدودة.
تقع منشأة نطنز على بعد نحو 250 كيلومترا جنوب طهران، وقد بنيت عند سفوح سلسلة جبال كركس، مما يوفر غلافا طبيعيا جبليا يعزز الحماية.
تضم المنشأة قسما رئيسيا لتخصيب اليورانيوم يحتوي على آلاف من أجهزة الطرد المركزي، وقد بنيت المنشأة على عمق يقدّر بين 8 و23 مترا ضمن مصفوفات خرسانية مسلحة بسمك أمتار عدة، كما تحتوي المنشأة على سقف إسمنتي مقوى فوق القاعات، وهو سقف يعتقد أنه قادر على امتصاص أو تحمّل القصف التقليدي.
المنشأة كذلك محمية بأنظمة دفاع جوي مثل صواريخ "تور-إم1" الروسية ومنظومات محلية، وقد أضيفت إليها طبقات من التمويه والخداع الإلكتروني.
وفي السنوات الأخيرة بدأت إيران بتوسيع منشأة نطنز إلى أعماق أكبر (عشرات الأمتار إضافية تحت الجبل) لتصبح شبه منيعة ضد الهجمات الجوية الأميركية التي تستخدم القنابل الخارقة للتحصينات.
وحسب المعلومات المتاحة، فلا توجد سوى قنبلة واحدة يحتمل أن تصل إلى هذا العمق قد تستخدمها إسرائيل لضرب منشآت فوردو ونطنز النووية مثلا، وهي القنبلة الأميركية "جي بي يو-57 إيه بي".
وتُعرف هذه القنبلة أيضا باسم القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (إم أو بي)، وهي قنبلة تقليدية موجهة بدقة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض، وهي تزن نحو 13-14 طنا، ويبلغ طولها 6 أمتار.
هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة أو ما يصل إلى 12 مترا من الصخور الصلبة، ولا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بل تحتاج لقاذفة الشبح الأميركية "بي 2 سبيريت" التي تشغَّل بواسطة القوات الجوية الأميركية.
القنابل المستخدمة في الضربة
من غير المعروف حتى الآن إن كانت إسرائيل قد استخدمت هذه القنابل أم لا، لكن بشكل عام هناك قنابل عدة تستخدمها في سياق هذا النوع من الضربات الجوية وقد استخدمت من قبل، وأولها هو "ذخيرة الهجوم المباشر المشترك (جيه دي إيه إم)، وهي ليست قنبلة بحد ذاتها، بل هي أشبه بعقل إلكتروني يضاف إلى جسد قنبلة تقليدية ليحولها إلى أداة قتل ذكية ومدمرة.
فمثلا إن وضعت تلك الأجهزة على "مارك 84" التي تزن نحو ألف كيلوغرام تتحول إلى قنبلة سميت "بي إل يو 109" قادرة على إصابة أهدافها بدقة عالية.
وتقوم الفكرة على تزويد القنبلة بجهاز ملاحة متطور يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي إلى جانب زعانف توجيهية تركّب على ذيل القنبلة لتصحح وتوجه مسارها أثناء سقوطها، بالإضافة إلى تقنيات أخرى.
وتستخدم إسرائيل مجموعة إضافية من أطقم القنابل دقيقة التوجيه التي طورتها شركة "رافائيل" الإسرائيلية لأنظمة الدفاع المتقدمة تسمى "سبايس".
وبصيغة تشبه ذخيرة الهجوم المباشر المشترك فهي طقم توجيه إضافي يمكن ربطه بالقنابل "البسيطة" العادية مثل فئة "مارك" (84 و83 و82)، مما يحولها إلى قنابل ذكية عالية الدقة.
في مقدمة القنبلة تثبَّت كاميرا كهروضوئية تغذى سلفا بصور مفصلة للهدف أشبه ما تكون بذاكرة قاتلة.
وبفضل دمجها مع نظام تحديد الموقع العالمي "جي بي إس" ونظام الملاحة بالقصور الذاتي "آي إن إس" تستطيع هذه القنابل أن تصيب أهدافها حتى مع غياب إشارات الأقمار الصناعية، أو في أجواء مشوشة.
ويقاس نجاح القنابل الموجهة بما يعرف بـ"احتمال الخطأ الدائري"، أي المسافة بين النقطة المقصودة ونقطة السقوط، وهنا تتفاخر "سبايس" بدقة تقاس بأقل من 3 أمتار.
وتستخدم إسرائيل كذلك قنابل خارقة للتحصينات، لكن ليس بمستوى "جي بي يو 57 إيه بي" مثل قنابل "جي بي يو 28" الموجهة بالليزر، مع وزن أكثر من ألفي كيلوغرام.
وعادة ما تُعرف القنابل الخارقة للتحصينات بأنها تلك القنابل المصممة لاختراق الهياكل المحصنة والمخابئ تحت الأرض، مثل قنبلة "جي بي يو 28" التي يمكنها اختراق ما يصل إلى أكثر قليلا من 30 مترا تحت الأرض أو 6 أمتار من الخرسانة.
صممت هذه القنابل لتكون ثقيلة نسبيا مع قدرتها على التحرك بسرعات عالية، وتستخدم بعض القنابل الخارقة للتحصينات خاصة تلك المصممة للاختراق العميق معززات صاروخية تنشَّط أثناء مرحلة الهبوط النهائية إلى الهدف.