هل تساءلت يومًا : ما اللغة التي يتحدث بها الفضائيون ؟!
هل هي شبيهة بلغاتنا البشرية؟! أم أنها تتجاوز الصوت والكلمة إلى أشكال أكثر تعقيدًا وإدهاشًا؟!
إن السؤال عن "لغة الفضائيين" ليس مجرد استفسار فضولي، بل هو بوابة مفتوحة على أعقد ما أنتجته الحضارات الإنسانية : سيما وأن التواصل ، وهو سؤال تتقاطع فيه ميادين متعددة، من الفلسفة واللسانيات إلى الفيزياء والرياضيات، ومن الميتافيزيقيا إلى الخيال العلمي ، فاللغة ليست مجرد أصوات، بل هي تمثيل للوعي والتجربة والمعنى ، وإذا كانت الحضارات الكونية موجودة فعلًا، فإن لكل كيان عاقل نظامًا يُمكّنه من التعبير عن أفكاره ومشاعره ونقل معارفه ، لكن، كيف سيكون شكل هذه اللغة؟! هل ستكون أصواتًا أم رموزًا ضوئية؟! هل سيتحدث الفضائي إلينا بالذبذبات؟! أم سيفكك معنا جسيمات الكم ليرسل لنا أفكاره؟!
واللغة، بحسب فلاسفة مثل هايدغر وتشومسكي، هي في صميم الوجود الإنساني ، فهل تكون لغة الفضائي في صميم وعي كوني أوسع؟!
وللإجابة نقول : على الرغم من أن الاتصال بكائنات ذكية لم يتحقق بعد، ولو بشكل رسمي وعلني في الأرض ، إلا أن العلماء اتخذوا خطوات جادة في الاستعداد لهذا اللقاء المرتقب ، ودعونا نتعرف على هذا الأمر ضمن نقاط مختصرة ، سيما وأن هذه العجالة لا تمكننا من التوسع في الشرح :
1. لينكوس (Lincos): لغة كونية رياضية ، ففي ستينيات القرن الماضي، صمم عالم الرياضيات الهولندي هانس فريدنتال لغة تُدعى “لينكوس” تعتمد على المفاهيم الرياضية والمنطق ، كانت الفرضية أن الرياضيات هي اللغة الوحيدة التي يمكن أن تكون عالمية، لأنها ترتكز إلى مبادئ عقلانية لا ترتبط بثقافة أو بيولوجيا.
2. METI: الرسائل المتعمدة إلى النجوم
مشروع METI (Messaging Extraterrestrial Intelligence) أرسل رسائل موسيقية ورياضية إلى كواكب يُعتقد أنها صالحة للحياة، في محاولة لصياغة خطاب يمكن أن تفهمه حضارات أخرى دون خلفية بشرية.
3. "هيبتابود B": من الخيال إلى التفكير العلمي : وفي فيلم "Arrival"، استخدمت الكائنات الفضائية لغة دائرية غير خطية تعكس رؤية غير زمنية للعالم. هذا الخيال السينمائي أثار نقاشات علمية حول كيف يمكن للغة أن تعيد تشكيل إدراكنا للزمن والمعرفة ، والمفهوم مستلهم من فرضية "سابير-وورف" التي ترى أن اللغة تؤثر على إدراك الواقع.
وعلى الرغم من الطموح البشري، هناك تحديات هائلة تعيقنا عن فهم لغة كائنات غير بشرية ، وللتوضيح نقول : اختلاف البنية الإدراكية: فقد لا يفكر الفضائي في الزمان والمكان كما نفعل نحن ، تخيّل كائنًا يرى كل لحظات حياته في آنٍ واحد، كيف يمكنه أن يتحدث؟!! فضلاً عن غياب المرجعية المشتركة: سيما وأن معظم لغات البشر تنبع من التجربة الحسية (كالألوان والأصوات والأشياء) ، لكن ماذا لو كانت بيئة الفضائي مكونة من طاقة أو فراغ كمومي؟!!
إضافة لما ذكرنا أدوات الإدراك المختلفة : فربما يعتمد الفضائي على الحقول المغناطيسية أو الموجات الكهرومغناطيسية للتواصل، لا الأصوات أو الرموز البصرية ، حينها، ستفشل أبجديتنا أمام بنيته الإدراكية ، وقد بحث
بعض المفكرين والباحثين في وعي ما بعد المادة (Post-material consciousness) يذهبون إلى أن لغة الفضائيين قد تكون تخاطرية، قائمة على تبادل مباشر للمشاعر والمفاهيم دون رموز. هنا، لا تُنقل الكلمات، بل يُنقل المعنى الصافي ، وهذا يعيدنا إلى فكرة "اللغة الأصلية" التي لطالما حلم بها الصوفيون والفلاسفة القدماء: لغة نقية، غير محدودة بالزمن أو المكان ، بالتالي السؤال المحوري قد لا يكون: "ما هي لغة الفضائيين؟"، بل: "هل نحن مستعدون لفهم وعي غير بشري؟!! " ومن هنا نجد أن إعداد خطاب لغوي لا يكفي ، بل نحن بحاجة إلى تجاوز مركزيتنا البشرية، وأن نفتح أنفسنا على احتمالات كونية للتفكير والتعبير ، فربما يكون مفتاح الفهم ليس في الكلمات، بل في قدرة عقولنا على التوسّع، على الاستقبال، على الإصغاء لما لا يُقال ، وفي النهاية، الحديث عن لغة الفضائيين ليس بحثًا عن قاموس غريب، بل هو تمرين عميق في التواضع الكوني ، وهو اعتراف بأننا لسنا مركز المعرفة، بل جزء صغير من شبكة وعي قد تكون ممتدة عبر مليارات العوالم ،
وحين نجرؤ على طرح السؤال "كيف يتحدث الآخر؟! "، فإننا نكون قد بدأنا في التحدث بلغة الكون: لغة البحث، لغة الاحتمال، لغة الاندهاش ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .